في كتابه "قضايا سياسية على شاشة السينما" الصادر عن دار المدى في دمشق، يتناول سمير فريد أهم الأفلام التي طرحت موضوعات سياسية، ويبدو أن المؤلف حاول جاهداً أن يبوب تلك الموضوعات بحسب تسلسلها الزمني، فبدأ بالاشتراكية والفاشية، ثم النازية واليهود، ومروراً بتقسيم ألمانيا ووحدتها، وصعود الاتحاد السوفياتي وسقوطه، وانتهى ببعض الموضوعات التي ما زالت تثير إشكالات وتفاعلات مختلفة، ولم تجد سبيلها إلى الحل مثل القضية الايرلندية والقضية القبرصية وقضية فلسطين. وما يلفت هو طابع الكتاب الصحافي الصرف، فالمؤلف لم يجهد نفسه في البحث عن منهج لدراسة السينما السياسية، شكلاً ومضموناً، ولم يسع طرح أسئلة على هذه السينما، كيف اختيرت الموضوعات؟ لماذا؟ وقلما أشار الى السياق التاريخي لانتاج الأفلام، وتأثيره في مضمونها، بل إنه اكتفى في بعض الأفلام بالسرد المباشر لمضمونها، بعد مقدمة قصيرة تتناول إما ظروف عرضها، أو لمحة عن مخرجها، بحيث لم يتجاوز الحديث عن الفيلم حجم المادة الصحافية، أي صفحتين، ومن دون التطرق إلى الشكل الفني، مثل فيلم "التاريخ الخفي" للمخرج كين لوش. ولا يقتصر عدم الترابط والمنهجية على مجمل الكتاب، بل تعداه إلى موضوعات الفصل الواحد، فمثلاً: في الفصل الثاني المعنون "النازية واليهود"، نلاحظ أن المؤلف أدرج الفيلم الروسي - الألماني المشترك "مولوش" لمخرجه ألكسندر سوكوروف مع أنه لا يتناول إطلاقاً القضية اليهودية وعلاقتها بالنازية، بل إنه عبارة عن لوحة تعبيرية ورمزية، تكشف آلية الديكتاتورية في كل زمان ومكان، أي أن الترابط في الفصل الواحد ظل اسمياً وخارجياً، واقتصر غالباً على العنوان. ولعل أهم ما طرحه المؤلف في كتابه، هو ضرورة تغيير نظرة نقاد السينما العرب تجاه أفلام المشكلة اليهودية. يقول سمير فريد: "كنا نرى أن أفلام المشكلة اليهودية وتداعياتها الصهيونية، نوع من الدعاية الإسرائيلية التي تعني الدعاية ضد العرب، وضد الشعب الفلسطيني، وفي اعتقادي أن ما حدث في العالم بعد "ثورة 1989" وسقوط الاتحاد السوفياتي والنظم الشيوعية في شرق أوروبا من شأنه تغيير تلك النظرة، لقد كانت أهداف هتلر إسقاط الشيوعية، وتوحيد أوروبا تحت قيادة الاحتكارات الكبرى ونشر الأفكار النازية والفاشية في العالم. وبعد نصف قرن من هزيمة جيش هتلر يبدو أن أهدافه تحققت على رغم هذه الهزيمة". ويضيف فريد: "لا ينفي هذا بالطبع استخدام إسرائيل هذه الأفلام أو الكثير منها في الصراع العربي - الصهيوني، لكن الاكتفاء باعتبارها كذلك أصبح من التبسيط المخل للأمور، وعلى العرب ألا ينسوا أن النازية الفاشية هي ضد العرب أيضاً، وأن معادات السامية لا تعني العداء لليهود فقط، وإنما للعرب كذلك". ويشير فريد إلى مدى الاهتمام الأوروبي والأميركي بالمشكلة اليهودية، فيقول: "وربما لا يقل عدد الأفلام التي تناولت هذه المشكلة في الولاياتالمتحدة عن خمسة آلاف فيلم طويل وعشرة آلاف فيلم قصير، ومن جهة أخرى يعتبر مهرجان برلين أكثر المهرجانات الكبرى الثلاثة في العالم مع "كان" و"فينيسيا" اهتماماً بعرض أكبر عدد ممكن من الأفلام عن تلك المشكلة". ويعرض فريد إحصاءً لأفلام مهرجان برلين عام 1997 يبين فيه أن من بين 300 فيلم عرضت 227 فيلماً طويلاً، 57 فيلماً قصيراً، 16 فيلم فيديو هناك 25 فيلماً على الأقل عن المشكلة اليهودية. ويبرر فريد كثرة عدد الأفلام الأميركية والأوروبية عن هذا الموضوع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بما تعرض له اليهود من اضطهاد في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية. والواقع أن غياب المنهجية التحليلية العامة للمؤلف تجعله يقع ضحية هذه النظرة السطحية. فأميركا وأوروبا مثلاً اضطهدت إلى حد الإبادة الهنود الحمر، ومع ذلك فهي لا تشعر بالذنب حيال اليهود، كما أن إسرائيل مارست وتمارس يومياً الاضطهاد ضد الفلسطينيين، وبدعم أميركي مباشر، وأوروبي غير مباشر، وبأساليب عنصرية، وأحياناً فاشية، ووحشية، ومع ذلك لا يشعرون بالذنب.