حقق المخرج الروسي ألكساندر سوكوروف، حتى الآن، أكثر من أربعين فيلماً، عُرض معظمُها في مهرجانات عالمية، ونال الكثير من الجوائز، ولا سيما في مهرجانات مثل «كان» و «البندقية»، غير ان ثلاثيته حول ديكتاتوريي القرن العشرين ، تبقى الأشهر والأقوى بين هذه الأفلام. والواقع ان سوكوروف - الذي يعتبره كثر من النقاد نوعاً من الوريث غير الشرعي للراحل أندريه تاركوفسكي في السينما الروسية - كان حين عرض آخر أجزاء الثلاثية قبل سنوات في «كان»، أعلن ان الثلاثية سوف تكون في حقيقة الأمر رباعية، إنما من دون ان يفصح في ذلك الحين عمّن سوف يكون ديكتاتوره الرابع – بعد هتلر في «مولوخ» ولينين في «توروس» وهيروهيتو في «الشمس» –. ومن هنا سادت التكهنات وتواصلت، حتى حين أعلن سوكوروف منذ العام 2005 أنه في صدد تحقيق فيلم عن «فاوست». يومها، لم يكن ليخطر في بال أحد ان هذا الفيلم سيكون رابع الرباعية، إذ أيُّ دخل لهذا «البطل» التراجيدي، في سلسلة ديكتاتوريين حقيقيين عاشوا بيننا وملأوا القرن العشرين أحداثاً وآلاماً؟ اليوم، وبعدما أنجز سوكوروف فيلمه وسط صعوبات لوجستية وتمويلية هائلة رافقت خمس سنوات من العمل على الفيلم وإعلان قرب عرضه مرة بعد مرة ( ولا سيما قبيل انعقاد الدورة الأخيرة لمهرجان «كان»، حيث ظلّ من المتوقع عرضه حتى اللحظات الأخيرة قبل اعلان البرنامج النهائي) ، ها هو الأمر سيحسم، إذ بات معروفاً على وجه اليقين، ان «فاوست» سوكوروف هذا هو خاتمة الرباعية. بل - وفق قلة من الذين يعرفون حقاً شيئاً عن الفيلم - يمكن ان يعتبر «فاوست» تلخيصاً لروح الأفلام السابقة من السلسلة ومفسّرها والجامع بين دلالاتها، وبالتحديد انطلاقاً من الفاوستية - القابلة للسجال – التي تسم شخصية الديكتاتور. طبعاً لا يمكن منذ الآن الدنو من جوهر فيلم سوكوروف الجديد هذا، او الامعان في تحليل معناه او علاقته المتشعّبة بالطروحات المدهشة – والمثيرة للجدل – التي طبعت نظرة هذا المخرج الى كلّ من الديكتاتور النازي (في «مولوخ») او مؤسس الحزب الشيوعي السوفياتي ومبتدع ديكتاتورية البروليتاريا (في «توروس») او اخيراً الإمبراطور الياباني نصف الإله (في «الشمس») ، إذ للوصول الى هذا، يجب مشاهدة الفيلم نفسه، والذي بات من المؤكد انه سيعرض عالمياً للمرة الأولى خلال الدورة المقبلة لمهرجان البندقية بعد أقل من شهرين. وفي انتظار ذلك، نؤكد ان سيناريو الفيلم اعتمد على مزيج من مسرحية « فاوست» في جزأيها كما كتبها غوته، مع إضافات فكرية معصرنة مستقاة من رواية «الدكتور فاوستوس» للكاتب توماس مان. والفيلم الذي صُورت معظم مشاهده في ديكورات بُنيت غيرَ بعيدٍ من العاصمة التشيكية براغ، كلّف حتى الآن 12 مليون يورو، أُنفق معظمُها على الديكورات والأزياء. والفيلم سيكون ناطقاً بالألمانية، علماً بأن الأدوار الرئيسة فيه أُعطيت لممثلين ألمان.