سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بن علي في واشنطن الثلثاء المقبل ... وتعاون استخباري في العراق ومكافحة الارهاب وفي التطبيع العربي - الاسرائيلي . الدول المغاربية على خريطة "مشروع نشر الديموقراطية في العالم العربي"
محوران رئيسيان سيستقطبان الاهتمام في المحادثات التي يجريها الرئيس بن علي الثلثاء المقبل في واشنطن مع المسؤولين الأميركيين، في أول زيارة له للولايات المتحدة منذ 14 سنة، هما مسألة الديموقراطية والعلاقات الاستراتيجية مع أميركا. وتأتي الزيارة في ظل تزايد المزاحمة الأوروبية - الأميركية على النفوذ في شمال أفريقيا والذي جسدته زيارة شيراك "التاريخية" لتونس وقمة 5"5 لبلدان الحوض الغربي للمتوسط والمساعي الأميركية لدمج ثلاثة بلدان مغاربية في الحلف الأطلسي. لم تمض أشهر على زيارة الرئيس بن علي الأولى الى الولاياتالمتحدة في أيار مايو عام 1990 حتى كرست حرب الخليج الثانية تباعداً عميقاً بين البلدين بسبب المعارضة الشديدة التي أظهرها التونسيون لها ما تسبب بثاني أكبر أزمة في العلاقات الثنائية بعد الأزمة التي أعقبت الغارة الاسرائيلية على مقر القيادة الفلسطينية في ضاحية حمام الشط عام 1985، والتي كاد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة يقطع بسببها العلاقات الديبلوماسية مع واشنطن. الا أن المياه عادت سريعاً الى مجاري التعاون الثنائي في التسعينات، خصوصاً على الصعيد العسكري بعدما عاودت اللجنة العسكرية المشتركة اجتماعاتها السنوية. وساعد الدور التونسي في تسريع التطبيع العربي مع اسرائيل بعد اتفاقات أوسلو وافتتاح ممثلية اسرائيلية في تونس ومكتب مماثل في تل أبيب في ترطيب الأجواء بين واشنطنوتونس ومعاودة بناء الثقة مع حليف ظل مهماً بالنسبة لأميركا منذ أيام الحرب الباردة. ومع تكثيف تبادل الزيارات بين مسؤولين تونسيين وأميركيين وزيادة حجم المساعدات الأميركية لتونس كان لافتاً أن الرئيس بن علي لم يزر الولاياتالمتحدة التي استقبلت الرئيس بوتفليقة والملك محمد السادس. وكان مقرراً أن يزور بن علي واشنطن في صيف عام 2000 الا أن انشغال كلينتون برعاية المفاوضات الأخيرة بين الرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك في منتجع كامب ديفيد حمل الجانبين على ارجائها. اهتمام متزايد ويعتقد مراقبون أن الزيارة الحالية تعكس تزايد الاهتمام الأميركي بتونس التي اختارتها واشنطن مقراً لمكتب مبادرتها الاقليمية الخاصة بالشرق الأوسط، وعلى رغم تركيز الأميركيين على الجزائر وليبيا اقتصادياً بوصفهما أغنى بلدين مغاربيين، اذ تقدر احتياطاتهما من النفط بخمسة بلايين طن، فانهم يولون أهمية استراتيجية لتونس بالنظر لدورها في مكافحة ما يعتبرونه شبكات ارهابية وتسهيل التقارب العربي - الاسرائيلي. وكان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جورج تينيت زار تونس في مثل هذا الشهر من سنة 2002 وتحادث مع بن علي. وقيل انه اجتمع سرا مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الذي زار تونس في الفترة نفسها. وعدا عن التعاون في مجال تبادل المعلومات بين الأجهزة الأميركية والتونسية في مجال مكافحة الارهاب كشفت أخيراً صحيفة "أوستراليان" الأسترالية أن عناصر من الاستخبارات التونسيةوالجزائرية والمغربية منتشرة على الحدود العراقية مع سورية وفي ضواحي الفلوجة لرصد المتطوعين العرب الذين يأتون لتعزيز عناصر المقاومة. وسبقت زيارة بن علي لأميركا زيارات مسؤولين أميركيين لتونس في مقدمهم وزير الخارجية كولن باول الذي نقل الدعوة لبن علي في الثاني من كانون الأول ديسمبر الماضي لأداء زيارة لواشنطن، وأجرى معه محادثات في شأن التطبيع الأميركي - الليبي نظراً الى الدور التونسي في اقناع العقيد معمر القذافي بالتخلص من أسلحته غير التقليدية لقاء اعادته الى المجتمع الدولي. ويتوقع أن يوجه بوش شكراً لبن علي على دوره في هذا المجال عطفاً على ما صرح به باول من اشادة بهذا الدور لدى استقباله بن يحيى مطلع الشهر الماضي في واشنطن. الا أن زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لحقوق الانسان والعمل والديموقراطية لورن كرينر لتونس الشهر الماضي أظهرت مدى تركيز البيت الأبيض على تحقيق تحسين شامل في أوضاع الحريات وحقوق الانسان في البلد. وكان باول حض في التصريحات التي أدلى بها قبيل مغادرته تونس على قطع خطوات جديدة في مجال الديموقراطية خصوصاً تطوير الاعلام بعدما أشاد ب"النجاحات الاقتصادية" التي حققتها تونس. وجدد كرينر "النصائح" نفسها فيما أكد السفير الأميركي الجديد في تونس وليم هادسن في تصريحات أدلى بها أمس لصحيفة "لابراس" الرسمية التونسية أن مشروع نشر الديموقراطية في العالم العربي الذي طرحه بوش في خطاب 6 تشرين الثاني نوفمبر سيكون أحد محاور المحادثات بين الرئيسين في البيت الأبيض. وفي هذا السياق تولي واشنطن أهمية كبيرة لمبادرتها من أجل الديموقراطية في الشرق الأوسط التي ستعرضها في صيغة معدلة على قمة البلدان الصناعية الثمانية الكبرى في حزيران يونيو المقبل. وفي سياق متصل يشجع الأميركيون على استمرار الاتصالات بين البلدان العربية واسرائيل بوصفها تعزز "معسكر الاعتدال والسلام في المنطقة"، وهم أشادوا في غير مناسبة باللقاءات بين بن يحيى ونظيره الاسرائيلي المتحدر من أسرة تونسية سيلفان شالوم على رغم اعلان تونس اغلاق مكتب المصالح الاسرائيلية عام 2000. ويعتقد الأميركيون أن التونسيين يستطيعون اقناع الفلسطينيين بتقديم تنازلات لقاء العودة الى مائدة المفاوضات مع الاسرائيليين. رئاسة القمة العربية ومن هذا المنظور ترتدي زيارة الرئيس بن علي لأميركا أهمية خاصة كونه سيرأس القمة العربية المقبلة، ولوحظ أن وزير خارجيته قام بجولة عربية واسعة كانت آخر محطاتها ليبيا حيث سلم رسالة خطية الى العقيد معمر القذافي قبل أن يرافقه في الزيارة المرتقبة لواشنطن التي عمل فيها سفيراً طيلة خمسة أعوام. وفي رأي السفير الأميركي هادسن أن معاودة ادماج ليبيا في المجتمع الدولي تشكل خطوة مهمة في تكريس الاستقرار والأمن الاقليميين. وتسعى واشنطن للاستفادة من المناخ الجديد لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع تونس وجيرانها المغاربيين، فزيادة على التسهيلات والمناورات المشتركة التي تجريها القوات الأميركية دورياً مع جيوش كل من تونس والمغرب وموريتانيا في شكل منفصل عرضت واشنطن على كل من الجزائروتونس وموريتانيا، التي بدأت حواراً مع الحلف الأطلسي منذ سنوات، حضور القمة المقبلة للحلف في تركيا ومنحها منزلة الشريك المرشح للعضوية. وفي هذا السياق كشفت مجلة "جون أفريك" الفرنسية أخيراً أن أميركا تدرس اقامة قواعد عسكرية في كل من المغرب وتونسوالجزائر لتكون قادرة على التدخل السريع في أي نقطة من القارة الأفريقية في اطار حربها مع الشبكات الارهابية. وتوقع مراقبون أن تكون هذه المسألة احدى النقاط في القمة المرتقبة بين بوش وبن علي، فيما رأى محللون أن الادارة الأميركية ربما تستخدم لعبة الميزان للتخفيف من ضغوطها في كفة حقوق الانسان والديموقراطية من أجل الحصول على مزيد من المكاسب في كفة التسهيلات العسكرية اضافة الى تسريع خطوات التطبيع الاسرائيلي - المغاربي.