تعتزم أربعة بلدان مغاربية إجراء مناورات مشتركة مع الحلف الأطلسي مطلع العام المقبل، وهذا الأمر ليس جديداً تماماً فالبلدان المعنية وهي الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا تقوم بمناورات عسكرية دورية مع جيوش بلدان أعضاء في الحلف منذ زمن بعيد. لكن الجديد هو أن تتم هذه المناورات تحت خيمة"الأطلسي"تنفيذاً للشراكة التي بنيت في قمة اسطنبول الأخيرة وأتت تتويجاً لما سمي ب"الحوار المتوسطي"الذي انطلق قبل عشر سنوات وشمل، إلى البلدان المغاربية، كلاً من اسرائيل ومصر والأردن. ما من شك بأن الهاجس الأول وراء هذه"الشراكة"أمني بحت على رغم كل الكلام المعسول الذي روّج له الحلف لدى دعوة"الشركاء"المتوسطيين لحضور قمة اسطنبول في حزيران يونيو الماضي ثم خلال الإجتماع المشترك لوزراء خارجية الجانبين في بروكسيل قبل أسبوعين. فالأمن بات كلمة السر في علاقات الأميركيين والأوروبيين على السواء مع منطقتنا. ولم يظهر ذلك في المشاريع الأميركية التي كان آخرها"الشرق الأوسط الكبير"وحسب وإنما لدى الإتحاد الأوروبي أيضاً الذي أحلّ"سياسة الجوار"محل مسار برشلونة الأورومتوسطي منذ قمته السنوية العام الماضي في بروكسيل. واستند الأوروبيون الى ورقة استراتيجية أعدّها خافيير سولانا وكريس باتن واتخذت أساساً لمراجعة السياسات السابقة حيال العرب"اعتباراً لخصوصيات كل دولة"، أي للخصوصيات الأمنية في الدرجة الأولى. وانطلقت الورقة طبعاً من سمات المرحلة التي تمرّ فيها أوروبا نفسها بوصفها تسعى لبلورة وحدة سياسية وقوة دفاعية مستقلة تعززان قوتها الإقتصادية الضاربة. واستطراداً تراجع التركيز على الجوانب السياسية والثقافية في الحوار الأوروبي - المتوسطي بما فيها تشجيع تحقيق نقلة ديموقراطية في الضفة الجنوبية للمتوسط وطفت على السطح الإهتمامات الأمنية، وفي مقدمها مكافحة ما يسمى بالإرهاب وملف الهجرة غير المشروعة. لكن الجديد في المناورات المغاربية - الأطلسية المقبلة هو إدخال اسرائيل على خط"الشراكة"بوصفها أحد أركان"الحوار المتوسطي"مع الحلف منذ انطلاقه، وكانت مشاركتها في اجتماعي وزراء الخارجية ورؤساء الأركان الأخيرين إلى جانب ممثلي البلدان المغاربية ظاهرة أمام عدسات المصورين بل كادت تعتبر أمراً مألوفاً. إلا أن ذلك الإنعطاف يشكل بلا ريب نقلة في العلاقات المغاربية - الإسرائيلية التي لم تصل بعد إلى مستوى إجراء مناورات مشتركة على رغم كل أنواع التطبيع التي كرست على الصعد السياسية والإقتصادية والرياضية والثقافية. وتبدو البلدان المغاربية كما لو أنها تتنافس على التقارب مع الدولة العبرية للتقرّب من واشنطن ونيل حظوة لديها مع أننا بعيدون جداً عن التسوية العادلة والشاملة للملف الفلسطيني التي كانت تقدّم على أنها شرط مسبق للتطبيع. وما زيارات المسؤولين الإسرائيليين المتكررة للرباط والإتصالات الجزائرية -الإسرائيلية الدائمة والزيارة المقبلة لوزير الخارجية شالوم لتونس والسفارة الإسرائيلية في نواكشوط سوى علامات على هذه الهرولة غير المبررة والتي لن تجني منها البلدان المعنية شيئاً لأن الإسرائيليين لا يقدمون هدايا لأحد. حتى ليبيا المعترضة رسمياً على المناورات المشتركة مع الإسرائيليين تتهيأ لاستقبال نائب رئيس الكنيست الليكودي البارز موشي كهلون بعد اللقاء الذي سيجمع اليهود المتحدرين من أصول ليبية في روما الأسبوع المقبل. وكان سيف الإسلام معمر القذافي وعد الإسرائيليين الذين هاجروا من ليبيا بمنحهم تعويضات على العقارات والأموال التي تركوها هناك! وتدل هذه العلاقات المغاربية - الإسرائيلية النشطة الى أن الكلام الذي يقال في القمم العربية والإجتماعات الوزارية في وادٍ والسياسات الفعلية في وادٍ آخر. وهي سياسات خفية تصاغ وتنفذ في ظل التكتم والتستّر الشديدين لأنها مقطوعة عن الداخل ولا تعكس سوى الاستجابة للضغوط الأميركية والإبتزاز الإسرائيلي. واستطراداً فهي علامة ضعف وليست عنوان قوة لكون الحكومات تحترس من رأيها العام ولا تستشيره أو تشركه في أي قرارات مصيرية على عكس البلدان الديموقراطية. ومن هنا يحق للمرء أن يتساءل ما هو الخطر المشترك الذي يبرر إجراء مناورات بين القوات المغاربية والإسرائيلية لمجابهته، وإن في إطار الأطلسي؟ لكن ربما بات طرح السؤال نفسه ساذجاً...