من المصادفات اللافتة في احداث سنة 2000 مغاربياً ان الاجتماع الوزاري الاوروبي - المتوسطي في مرسيليا يومي 15 و16 تشرين الثاني نوفمبر الماضي تزامن مع لقاء اقتصادي رفيع المستوى افتتحه في واشنطن نائب وزير المال الاميركي ستيوارت ايزنستات في حضور وفود اقتصادية من الجزائر والمغرب وتونس ونحو اربعين مجموعة اميركية ما شكل مؤشراً الى الاهتمام الاميركي والاوروبي المتزايد بمستقبل التعاون مع بلدان المنطقة في الاطار الاقليمي زيادة على العلاقات الثنائية. ويمكن القول ان العلاقات الاميركية - المغاربية تلقت دفعة جديدة في سنة 2000 من خلال الزيارة الاولى التي اداها الملك محمد السادس الى واشنطن وكذلك من خلال زيارات مسؤولين اميركيين كثر الى المنطقة في مقدمهم وزير الدفاع وليام كوهين الذي زارها مرتين في اطار السعي لتكثيف التعاون في المجالات العسكرية والأمنية. وشكلت المحادثات التي اجراها الملك محمد السادس مع الرئىس الاميركي بيل كلينتون في البيت الابيض في حزيران يونيو والحفاوة التي احيطت بها الزيارة رسالة قوية من واشنطن الى اصدقائها في شمال افريقيا ومنافسيها في اوروبا اكدت من خلالها انها ماضية في تطوير حضورها الاقتصادي والعسكري والثقافي في المنطقة خصوصاً عبر مشروع ايزنستات الذي انطلق في حزيران العام 1998، وفي هذا السياق شارك وزراء المال المغاربيون في نيسان ابريل الماضي مع نظيرهم الاميركي في اجتماع الشراكة السنوي الذي بات يعقد في شكل دوري على هامش الاجتماعات نصف السنوية للبنك الدولي بهدف متابعة تنفيذ الشراكة الاقتصادية الاميركية - المغاربية. اكثر من ذلك زار ايزنستات الجزائر التي لم تشملها زيارته السابقة للمنطقة وألقى محاضرة امام حشد من رجال الاعمال والاكاديميين والسياسيين لشرح فوائد مشروعه الذي يرمي لاقامة منطقة التبادل الحر بين الولاياتالمتحدة وسوق مغاربية بلا حواجز داخلية. ويستدل من كثافة الاهتمام الاميركي بالمنطقة ان الولاياتالمتحدة اثبتت في سنة 2000 انها ماضية في "هجومها الاستراتيجي" مغاربياً ومتوسطياً لاستثمار المناخ الجديد الذي اعقب نهاية الحرب الباردة وطرح اطار ينافس المشروع الاوروبي الذي انطلق مع مؤتمر برشلونة العام 1995 لكن من دون الصدام معه. ولعبت واشنطن دوراً مهماً في تعزيز العلاقات المغاربية الاسرائيلية التي بدت مقبلة على مزيد من التوسعة والتعميق في مطلع السنة، لكنها تلقت ضربة شديدة بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وتصاعد المطالبة الشعبية بوقف التطبيع اذ قررت كل من المغرب وتونس اقفال مكتبي العلاقات الاسرائىلية في عاصمتيهما واغلقتا مكتبيهما في تل ابيب، فيما اصرت موريتانيا على الابقاء على السفارة الاسرائىلية في نواكشوط والسفارة الموريتانية في تل ابيب حتى بعد قرارات القمتين العربية في القاهرة والاسلامية في الدوحة في هذا الشأن وعلى رغم المسيرات المستمرة في موريتانيا نفسها للمطالبة بغلقهما. خيبة من برشلونة على صعيد العلاقات المغاربية مع الاتحاد الاوروبي جسدت سنة 2000 اكبر خيبة امل من المشروع الاوروبي - المتوسطي الذي وضعت اسسه في برشلونة. وعكس الاجتماع الوزاري الاخير في مرسيليا يعرف "ببرشلونة 4" والذي قاطعه لبنان وسورية عمق الترابط بين التقدم في تسوية الصراع العربي - الاسرائىلي وانجاز اهداف برشلونة لاقامة منطقة مغاربية - اوروبية للتبادل الحر في افق سنة 2010 ووضع ميثاق للأمن والتعاون في المتوسط على غرار الميثاق الاوروبي. الا ان الندوة الوزارية الاوروبية - المتوسطية التي احتضنتها فرنسا بوصفها تتولى رئاسة الاتحاد الاوروبي لم تتأثر بانهيار التسوية في الشرق الاوسط وحسب وانما اظهر المغاربيون خلالها عدم رضاهم على نسق التعاون الاقتصادي ايضاً خصوصاً في اطار برنامج ميدا 1 وميدا 2 الراميين لمساعدة الاقتصادات المغاربية على مجابهة انعكاسات فتح الاسواق التدريجي امام المنتوجات الاوروبية. كذلك اضطر الاوروبيون الى ارجاء البحث في مشروع معاهدة الأمن والتعاون في المتوسط التي قطع الفرنسيون شوطاً مهماً في اعدادها الى الفترة المقبلة لأن الاجواء المشحونة في مرسيليا لم تكن مشجعة على مناقشة هذا النوع من المسائل الدقيقة. وتزامن انتكاس المسار الاوروبي - المتوسطي في السنة 2000 مع اخفاق الجهود الرامية لاحياء الاتحاد المغاربي الذي يضم كلاً من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا والذي جمدت مؤسساته في العام 1995 بسبب تصاعد الخلافات بين الجزائر والمغرب. ولاحت مع بواكير السنة آمال كبيرة بامكان التوصل لعقد اجتماع لوزراء الخارجية في الجزائر يكون خطوة تمهد لاجتماع مجلس الرئاسة اواخر العام، الا ان تدهور العلاقات المغربية - الجزائرية حال دون احراز اي تقدم على هذا الصعيد. علاقات ثنائية الا ان شلل الاتحاد لم يمنع تحقيق تقدم في تعزيز التقارب السياسي وتكثيف التعاون الاقتصادي على الصعيد الثنائي خصوصاً بين كل من ليبيا والمغرب، وموريتانيا والمغرب، وتونس وليبيا، وتونس والمغرب وتونسوموريتانيا. في هذا السياق ادى الرئىس معاوية ولد طايع زيارة تاريخية للمغرب كانت الاولى في نوعها منذ نحو ربع قرن وشكلت المحادثات التي اجراها مع العاهل المغربي في طنجة نقلة في العلاقات الثنائىة طوت صفحة البرود والاحتكاكات السابقة وفتحت نافذة جديدة على المستقبل يتوقع ان تتعزز بالزيارة التي يرجح ان يؤديها الملك المغربي الى موريتانيا السنة المقبلة. وكذلك شكلت زيارة الرئىس عبدالعزيز بوتفليقة والملك محمد السادس الى تونس في الربيع الماضي محطتين مهمتين في تنقية الاجواء الاقليمية واعطاء دفعة للتعاون الثنائي. واتت اجتماعات اللجنة العليا المشتركة التونسية - المغربية في تونس برئاسة عبدالرحمن اليوسفي ونظيره محمد الغنوشي لترفع بعض العراقيل التي تسببت بتعثر التعاون واعتبر اليوسفي ان اللجنة "حققت نقلة نوعية في منهجية العمل بوضع الاتفاقات الموقعة بين الحكومتين تحت مجهر الاختبار لتشخيص نقاط الضعف وتصحيحها". لكن العلاقات التونسية - الجزائرية لم تتلق دفعة مماثلة على رغم الزيارة الناجحة التي اداها الرئىس بوتفليقة لتونس اذ لم يتوصل الجانبان الى اتفاق لرفع الاحجار من طريق اللجنة العليا المشتركة والتي لم تجتمع منذ العام 1996. وفيما اعلن اليوسفي ان منطقة التبادل الحر التونسية - المغربية التي اتفق البلدان على اقامتها لدى زيارة الرئىس بن علي المغرب في آذار مارس من العام الماضي ستشكل "حجر الزاوية في علاقاتنا الاقتصادية الثنائية خلال المرحلة المقبلة" استمرت علاقات التعاون بين تونسوالجزائر شبه معلقة بسبب خلافات على تنفيذ الاتفاقات الثنائية السابقة. ومثلما تطورت العلاقات المغربية - التونسية قطعت العلاقات بين تونس وليبيا شوطاً مهماً بعد زيارة الرئىس زين العابدين بن علي لليبيا في حزيران يونيو وزيارة الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي تونس في آب اغسطس واللتين اسفرتا عن معاودة الرحلات الجوية بين العاصمتين وتنشيط المشاريع المشتركة المتعثرة وزيادة حجم المبادلات التجارية الثنائية الى بليون دولار. وعلى رغم ان الزعيمين بذلا جهوداً لترطيب الاجواء الاقليمية سعياً لاحياء المؤسسات المغاربية وعقد اجتماع لوزراء الخارجية قبل نهاية العام، الا ان حجم الخلافات القائمة حال دون تحقيق تلك الخطوة. ومع ذلك قطع التقارب بين المغرب والجزائر خطوات صغيرة ابرزها زيارة وزير الداخلية المغربي احمد الميداوي للجزائر ورد نظيره الجزائري نورالدين يزيد الزرهوني عليها الشهر الماضي والتي دعا خلالها الأخير الى وضع الخلاف بين البلدين على الصحراء "بين قوسين" لفتح الطريق امام استئناف التعاون الثنائي. لكن سنة ألفين انتهت من دون معاودة فتح الحدود المشتركة او تنشيط العلاقات الاقتصادية والسياسية الثنائية. ايران - الجزائر على صعيد العلاقات المغاربية مع المحيطين العربي والاسلامي تبدو المصالحة بين السودان وكل من الجزائروتونس وكذلك المصالحة الجزائرية - الايرانية علامات مميزة للسنة ألفين فهما جاءتا بعد قطيعتين استمرتا منذ مطلع التسعينات على خلفية المجابهة مع الحركات الاصولية المحلية. وبعد فترة من الاتصالات التمهيدية في سنة 1999 استكملت المصالحة وتقررت معاودة العلاقات الديبلوماسية بين الخرطوم وكل من تونسوالجزائر. كذلك توجت القمة التي جمعت الرئىسين خاتمي وبوتفليقة في نيويورك على هامش قمة الألفية مسار مصالحة طويل انتهى الى معاودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين بعدما كانت قطعتها الجزائر في العام 1992 بسبب اتهامها الايرانيين بدعم "الجبهة الاسلامية للانقاذ" المنحلة