جلست يولا في منتصف سريرها، مثنية رجليها الى بطنها. ضمت يديها حول أعلى رجليها.اسندت رأسها الى ركبتيها. غرقت في تفكير عميق. تنبهت الى أنها تجلس في وضعية رأتها مراراً في السينما والتلفزيون. تبسمت قليلاً، لكن دواعي المرح عندها لم تكن كثيرة. وعلى رغم هدوء ملامح وجهها، ضج رأسها بأفكار كثيرة، أغلبها مزعج. نادتها أمها مستفسرة عن سبب انفرادها بنفسها في غرفة النوم. ردت يولا بصوت هادئ. أين كان هذا الهدوء قبل يومين، حين انفجرت في نوبة حادة من الصراخ، لمجرد ان امها طلبت منها الاسراع في انجاز كيّ الملابس؟ وقتها، تبادلت الأم والبنت الصراخ، ثم تنبهت الأم وصمتت، فيما لم تهدأ البنت، ولم تنته من نوبة الصراخ المتوتر، الا بنوبة من بكاء مرير. لم يكن ما تفكر به يولا أمراً يسيراً. تريد ان تطلب من أمها اصطحابها الى طبيب نفساني! تعلم جيداً ان طلباً كهذا كفيل بأن يجرّ نقاشاً عسيراً. هل يمكن تجنب هذا الأمر، أم انه من الافضل ان تستمع الى نصيحة صديقتها، فتذهب الى الطبيب النفساني؟ صديقتها من جهة، أمها من الجهة الأخرى: كم مرة تكرر هذا المشهد؟ تبسمت يولا قليلاً. نعم. لم تنس. قبل اربع سنوات، رأت دماً يسيل على رجليها، منحدراً من الأعلى. فزعت. هرعت الى أمها. تبسمت الأم. قالت ليولا إنه"امر طبيعي عند الإناث". اكتفت الأم بالقول إن الامر سيتكرر كل شهر...تقريباً، وشرحت لها طريقة استعمال الفوطة الصحية. ثم أوصت الأم يولا ب....الحذر. حينها، لم تفهم الإبنة ما الذي تعنيه امها بكلمة الحذر. اكتفت الأم، التي كثيراً ما تصف نفسها بأنها"منفتحة"، بهذه المعلومات! ولاحقاً، تولت صديقتها شرح الدورة الشهرية لها. بعد ذلك، تكفلت المجلات والكتب، او بالاحرى بعض ما تناول هذا الموضوع وغالباً بالمصادفة، بإعطاء يولا بعض المعلومات عن بلوغها وتحولها من طفلة الى انثى. ها ان القصة تتكرر ثانية. ابتدأت المعاناة الراهنة ليولا مع سلسلة من الشجارات غير المألوفة والمفاجئة مع الأهل، والتي غالباً ما يصاحبها حزن عميق. ثم تكرر الأمر نفسه مع صديقها. ماذا ستقول امها لو علمت ان للابنة صديقاً، على عكس وصية.. الحذر؟ عادت يولا الى الابتسام، واتجهت عيناها الى الباب. الام خارجاً، وصديقها في رأسها. تذكرت ان كل المشاعر الدافئة لم تنقذ علاقتها من الشجار المفاجئ الذي يخالطه الكثير من الحزن والإحباط. واخيراً، هددها صديقها بانه سيتركها، اذا استمرت هذه"الانفجارات"، بحسب كلماته. بعدها، لجأت يولا الى صديقتها. تحادثتا طويلاً. صمتت صديقتها فجأة، ثم شرعت تحدق في الفراغ، كمن التمعت في رأسه فكرة كبيرة. قالت الصديقة انها تنبهت فجأة الى ان معظم مشاكل يولا تحدث في الأيام القليلة التي تسبق دورتها الشهرية. صمتت يولا بدورها. فقد كانت تعلم ان عادتيهما، وبالمصادفة المحضة، متزامنتان. هل ان صديقتها على حق؟ ولماذا لا تعاني الصديقة من النوبات نفسها؟ بعد جولات في الانترنت، توصلت الصديقتان الى شيء يشبه ما تعانيه يولا:"ظاهرة ما قبل الدورة الشهرية"Pre Menstrual Syndrome، واختصاراً"بي ام اس"PMS. ربما كانت الانترنت، اخيراً، على حق! الم تكن يولا تشعر بحزن عميق، وباليأس شبه التام، في الايام التي تفجرت فيها نوبات الشجار والصراخ؟ الم تكن تحاول تجنب صديقها، تكراراً وتكراراً، في الاسبوع الذي يسبق حدوث العادة لديها، على رغم الحاحه على لقائها في الغالب؟ لم تجد يولا مناصاً من مفاتحة الأم بالأمر كله. وفوجئت الام. بكت ايضاً، لاسباب كثيرة ربما. تناقشت الانثيان طويلاً في شأن زيارة الطبيب. وفي المساء، استشارت الام الاب. حاول الكل اقناعها بعدم الذهاب الى الطبيب النفساني. طال النقاش اياماً. ثم رضخت الام امام الحاح الابنة، وكذلك امام تدخل الخال، الذي لجأت اليه يولا طالبة المساعدة. وتولى الخال اخراج"مسرحية"الذهاب الى الطبيب النفساني: ستزعم الاسرة انه هو الخال الذي يعاني من"اعصابه"! شرح الطبيب ليولا ان ما تعانيه مرض اعترف به الطب النفساني منذ تسعينات القرن العشرين. ودهشت عندما علمت ان العلم لم يكن يقر بوجود"بي ام اس"قبل ذلك. وبأناة، بيّن الطبيب ان زيادة قوة النساء في العالم، كان له اثره على علوم الطب، التي يهيمن عليها الرجال. وارغمن العلم الحديث على الاعتراف بمرضهن هذا. وعلمت يولا ايضاً ان الاسم العلمي لهذا المرض هو Premenstrual Dysphoric Disorder، وترجمته"اضطراب محزن لما قبل الدورة الشهرية". ثم عادت الى الانترنت. وعرفت ان نصف نساء الارض يصبن باعراض خفيفة في الايام التي تسبق نزفهن شهرياً. ولا يعانين كلهن من المرض. ولا تتعدى نسبة الاناث اللواتي يعانينه كمرض 5 في المئة. وبعد ذلك كله، دخلت يولا رحلة العلاج...