ودخل معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته ال84 عصر التلفزيون، فحار المتابعون في تفسير الأمر: أهي إنحناءة أمام العاصفة، أم محاولة لمواكبة"العصر"وتقنياته. المعرض، وهو أبرز موعد ثقافي في بيروت، لم يجد بداً هذا العام من مجاراة ديكتاتورية الصورة والتلفزيون، أو ربما هي التي فرضت نفسها عليه فتقبلها متماشياً مع مبدأ"مجبر أخوك لا بطل". قاعة فسيحة حط بها المعرض هذا العام. فرحلته التي قادته من القاعة الزجاجية في وزارة السياحة اللبنانية إلى معرض"إكسبو بيروت"في محلة عين المريسة الذي تبلغ مساحته خمسة آلاف متر مربع وحملته أخيراً إلى مجمع بيال في وسط بيروت لتمتد أجنحة دور النشر والمؤسسات ال 712 المشاركة في المعرض وسع مساحة تزيد عن عشرة آلاف متر مربع، وقد ساهم التعاون الجديد بين النادي الثقافي العربي وإتحاد الناشرين اللبنانيين في توسيع أفقه وزيادة عدد الدور والمؤسسات المشاركة. أناقة المعرض لافتة هذا العام، ألوانه زاهية يطغى عليها الأبيض والأزرق، والأجنحة لا تبدو متلاصقة متراصة، بل رحبة تتسع لعدد كبير جداً من الزائرين. ديكورات مميزة في بعض الأجنحة وصور ضخمة تزين أجنحة أخرى، وإطلالة هيفاء وهبي نجمة المعرض،"سفيرة بي بي سي"كما سماها بعضهم، ذلك الوجه الجميل لفت الأنظار بحضوره في موعد ثقافي بامتياز ليشغل كثيرين عن المعرض نفسه، عن جديده. وهناك صورة أخرى، صورة وجه تلفزيوني، يقل بالطبع نجومية عن هيفاء... إنه"الشيف رمزي"وقد خصص جناحاً كاملاً لكتابه الذي ظل في دورات عدة الأكثر مبيعاً في المعرض. انها نجومية التلفزيون تحديداً ما لفت الجمهور إلى ديوان الشاعر زاهي وهبي"ماذا تفعلين بي؟". فقد غص جناح"دار الريس"مساء الخميس الفائت بجمع هائل من محبي نجم برنامج"خليك بالبيت"وقد أتوا يتعرفون على شعره فنانين وسياسيين وإعلاميين، وهو ما لم نشهده في حفلات التوقيع التي قام بها كتّاب آخرون. الكل يحكي عن هيفاء ولكن في المعرض ما هو أبعد من سطوة الصورة وديكتاتورية التلفزيون. هناك مئات الكتب الجديدة الصادرة عن دور نشر لبنانية وعربية، في الأدب والسياسة والفنون والعلوم الإنسانية وشؤون المرأة... وفي التلفزيون نفسه. وهي تعيد إلى الأذهان صورة بيروت"مطبعة العرب"، حيث تتنوع"جنسيات"الكتّاب الذين يصدرون جديدهم عن دور نشر لبنانية، فبينهم اللبنانيون والسوريون والمصريون وأبناء المغرب العربي... وتعكس كتبهم هذه صحة ما قاله مدير المعرض عدنان حمود ل"الحياة"بأننا"نعاني أزمة قراءة، لكننا لا نعاني أزمة إنتاج كتب". وأزمة القراءة لا تترجم أزمة في عدد زوار المعرض، فهو كما ذكرنا موعد ينتظره الكبار والصغار، ولم تحل الأحوال الجوية السيئة التي رافقت أيامه الأولى - فهو انطلق في 72 تشرين الثاني نوفمبر الماضي- دون استقباله أعداداً كبيرة يومياً. وقال حمود إن تلامذة 03 مدرسة أو أكثر يأتونه كل يوم. والشكوى التي كانت تتردد في السنوات الأخيرة على ألسنة البائعين يتحدثون عن قلة المبيعات، لم تعد طاغية في لهجتهم، فهم اعتادوا من جهة على نسبة معينة من المبيع، وباتوا من جهة أخرى أكثر خبرة في قراءة مزاج القراء اللبنانيين. وبعد طغيان الكتب الدينية قبل سنوات، يبدو الإهتمام كبيراً بكل ما يتعلق ب"الإرهاب"أو بالعولمة... وتبقى الروايات هي الخيار الأول لنسبة كبيرة من القراء. وثمة أيضاً كتّاب صاروا"مفضلين". يتعرف بعضهم على سمير أمين مثلاً، وغالباً ما تسمع سؤالاً عنه لتعرف أن السائل مهتم بالتيار المناهض للعولمة. الكتب الجديدة كثيرة إذاً، ولكن ثمة دور تحظى ب"شعبية"تتفوق بها على أخرى، يصعب مثلاً أن يخلو جناح"دار الريس"من"مثقفين"هم زواره اليوميون، أو ألا يتوقف الزائر عند جناح دار"النهار"... ودار"الآداب"محطة إلزامية برواياتها الكثيرة، وجديدها الدائم، هذا إضافة الى ما حمل الجناح الألماني هذا العام من جديد إذ عرض نماذج لإنتاجات 061 دار نشر ألمانية. واللافت أيضاً هذا العام زيادة في كتب الأطفال، وربما أبرزها كتب سماح ادريس في إطار سلسلة"حكايات ولد من بيروت"، وتقوم دور متخصصة بتقديم برنامج خاص بالأطفال في إطار المعرض حيث تعرض لهم شرائط فيديو أو تعقد جلسات لقراءة قصص. في جديد المعرض أيضاً، أجنحة للموسيقى أو للغرافيك ديزاين... وبرنامج سينمائي أعده المنظمون بالتعاون مع نقابة الفنانين اللبنانيين وتهعرض يومياً أفلام لبنانية قديمة وجديدة، عطفاً على معرض تشكيلي لموسى طبيا عن بيروت. والجديد أخيراً جاء به جمهور المعرض، فلم نعد نرى قاعات فارغة الاّ من المحاضرين وعدد ضئيل من الحضور. ففي برنامج المعرض 43 ندوة، غصّت قاعتا الندوات خلال معظمها بالحضور. والخلل الذي شكاه بعض المتحمسين يعود الى اعتذار مشاركين عرب عن إحياء بعض الندوات لأسباب شخصية، وهذه الإعتذارات قدمت الى إدارة المعرض في اللحظات الأخيرة، كما قال حمود.