قد لا يبدو المشهد الثقافي في لبنان زاهياً أو مطلقاً أسئلة طازجة، فالحياة الثقافية تحيل الى سكون أو الى ما يشبه الأرق، بعد حركة وخصب طيلة العقد الماضي ومجال لإطلاق أسئلة التمييز عن حياة سياسية مؤجلة. وبعض ما يدفع الى هذا التوصيف إعلان إغلاق "دار الندوة" في بيروت، على أن هذا الاغلاق لم يكن بسبب مرسوم أو قرار وزاري بل لأسباب مالية، وعجز القائمين عن تغطية التبعات المالية. ودار الندوة منذ تأسست عام 1987 وحتى أواخر العقد الماضي، شكلت أحد أبرز المراكز الثقافية في لبنان وأكثرها نشاطاً، حتى كانت في كثير من الأحيان لا تخلو يوماً من معرض أو ندوة فكرية أو سياسية أو أمسية شعرية، وساهمت في اطلاق العديد من الهيئات السياسية والثقافية حين فتحت قاعتها للتنوع والاختلاف. فهل يكفي حل المعضلة المالية كي تعود دار الندوة الى ما كانت عليه؟ وهي ليست أولى الهيئات الثقافية التي وصلت بها الأزمة الى أن تغلق أبوابها ولا يبدو أنها الأخيرة وإن كانت الأبرز. ويعتبر كثيرون أن المعضلة الأساس تتمثل في ارتخاء العصب الثقافي العام في لبنان، إذ لم تعد الثقافة مجال استقطاب واضح ومساحة لإطلاق حيويات جديدة. وليس بعيداً عن السكون ومحاولات اختراقه اصرار اتحاد الناشرين العرب على إقامة "معرض لبنان الدولي للكتاب"، للسنة السادسة على التوالي، مضيفاً بذلك تقليداً جديداً الى معارض الكتب السنوية في لبنان، وأبرزها: معرض الكتاب العربي في بيروت الذي يقام في كانون الأول ديسمبر من كل عام، ومعرض الحركة الثقافية في انطلياس خلال شهر آذار مارس. المعرض الدولي السادس للكتاب 13 - 23 نيسان/ ابريل الذي يقام على مساحة واسعة وأنيقة في صالة المعارض الكبرى "بيروت هول" يضم 390 داراً للنشر عربية وأجنبية وهناك 16 دولة ممثلة في المعرض، كما تواكبه برامج حوار ولقاءات وتكريم وجوائز، ويشهد المعرض اطلاق العدد الأول من مجلة "النقاد" عن شركة رياض الريس للكتب والنشر، كمحاولة لاستدراج جمهور غائب الى ساحة النقد والابداع. ومع التنويه بدور الناشر اللبناني طرحت مشكلات الكتابة والرقابة والحريات، فضلاً عن تكاليف الشحن وعبور الكتاب من وإلى لبنان. على أن المعرض يشكل في أبرز استهدافاته محاولة تنشيط سوق الكتاب، لذا يحاول الناشرون تعزيز فرص التسويق بإطلاق عناوين جديدة تستدرج أكبر قدر ممكن من القرّاء وإغرائهم بالحسومات، لكن الشكوى دائمة بأن عدد القراء يتراجع. اصدارات متنوعة، منها "جدارية" محمود درويش الديوان الذي صدر "عن دار رياض الريس للكتب والنشر" وهو قصيدة طويلة كتبها الشاعر بعد تعرضه لنكسة صحية. سبق لملحق "آفاق" أن نشر مقطعين منها. ويطلق سلام الراسي شيخ الأدب الشعبي كتابه الجديد "يا جبل ما يهزك ريح" عن دار نوفل في بيروت، من دون أن تثنيه سنوات عمره التي شارفت على التسعين في رفد عالم الكتاب بثقافة شعبية هي مجموع من الأقوال والأمثال والأزجال والأشعار والحِكم، وصور من الحياة اللبنانية. وتكاد لا تخلو نصوص الكتاب من رسالة وطنية، ابرازها حوادث وحكايات واقعية تتناول محطات مظلمة في تاريخ لبنان. أما أسئلة وهواجس المسرح عموماً واللبناني خصوصاً، فشكل يوم المسرح العالمي 27 آذار مارس الماضي مناسبة لاطلاقها، والتعبير عن هواجس الممثلين وكتّاب المسرح ومخرجيه، لذا حفلت الدوريات اللبنانية بالمساهمات على هذا الصعيد، والمشترك في المساهمات التأكيد على وجود الأزمة وضرورة معالجتها. ويبرز مظهرها في انحسار الجمهور الذي يكاد يعطل دور المسرح. على أن البعض، وهو يقر بهذه الحال يؤكد على ضرورة الاستمرار والبحث عن سبل مواجهة الأزمة متكئاً على الشغف والسحر اللذين يهبهما المسرح. مؤسسة شمس شباب، مسرح، سينما أحيت اليوم العالمي، في خمس ليال وبمشاركة مئة وخمسين مؤدياً موزعين على مئة عرض على خشبة مسرح بيروت، ومعظم المؤدين من الوجوه الجديدة، من معاهد الفنون الجميلة المتعددة، فضلاً عن المدارس الثانوية والمعاهد التقنية. ومسارح عدة ساهمت في إحياء اليوم، منها مسرح المدينة، بتنظيمه معرض "شخصيات وأماكن في المسرح اللبناني" الذي ضم مجموعة من الصور تغطي مرحلة الستينات والسبعينات.