"كان يمكن ان نصاب بانفصام حقاً"... هكذا عبّر الرجل الخمسيني عن شعوره وهو يشاهد ابنه يكبس ازراراً على شاشة الكومبيوتر ويمارس لعبة يعجز والده عن سبر اغوارها. اذ هو كان يكفيه دولاب صغير وشريط حديدي ليصنع"عربة"ويلهو فيها طوال النهار شاعراً بأنه"اخترع البارود". في ميدان اللعب، لا شيء يجمع هذين الجيلين الأفعل اللعب... بينما تختلف الأدوات والأهواء. والأكيد ان اللعب كان محطة اساسية في حياتهما وضرورة لا غنى عنها. تقول الاستاذة الجامعية والعضو في"تجمع الباحثات اللبنانيات"فاديا حطيط ان اللعب"مهم من الناحية العاطفية والذهنية والاجتماعية. فكل النظريات التربوية والنفسية تؤكد أنّ اللعب يضطلع بدور مهم في حياة الطفل وتعلّمه وتنمية قدراته. في ما مضى، اتفق العلماء على الوظيفة العاطفية للعب واجمعت النظريات النفسانية على انه علاج نفسي. اليوم، نشدد على ناحية اضافية وهي التعليم من خلال اللعب إذ يتعلم الطفل ثقافته وقيم المجتمع الذي يعيش فيه من خلال الألعاب". باربي و"العروسة" من العروسة التي كانت تصنع في المنزل الى"باربي"الاميركية التي سلبت عقول الفتيات، فارق قد يبدو طفيفاً للوهلة الاولى لكنه شاسع جداً. فالمفاهيم التي حملتها هاتان اللعبتان اختلفت. تقول حطيط ان"العروسة كانت تصنع في البيت وتشبه الفتاة ولم تكن نموذجاً غريباً عنها بل كانت تلبس مثل الفتاة. أما مع باربي فالعكس صحيح. أصبحت باربي نموذجاً واعطيت تجهيزات كثياب الرياضة وسيارة كما ان لديها صديقاً. وهي أصلاً وجدت لتنمية النزعة الاستهلاكية عند الفتاة". أما عن الافكار التي تحملها كلا الدميتين فهي ان الفتاة ستصبح امّاً في المستقبل. وتضيف حطيط:"لكن باربي ليست نموذج أم بل امرأة صبية دائمة وجذابة. امرأة تعمل على جاذبيتها ومظهرها. لم نعرف مثلاً إن كانت باربي ذكية. كل ما نعرفه انها تشتري وانها غنية". اليوم، نرى ان باربي تخطت الانتماءات الطبقية بسبب صيغ تجارية اتاحت للجميع الحصول عليها. لكن تأثيرها في الفتاة الفقيرة مختلف عنه لدى الغنية بحسب حطيط:"عند الفتاة الفقيرة، تحدث الدمية حرماناً وشعوراً بأنها لا تقدر ان تكون مثل باربي، بينما عند الفتاة الغنية تعلمها كيفية التصرف وتعزيز ما هي أصلاً قادرة على فعله". لكن ماذا لو امتنعت الفتاة عن اللعب بالدمية وتحولت الى ألعاب الصبيان، هل يشكّل هذا مشكلة؟ تقول حطيط:"الفتاة التي لا تحب الدمية تكتنف اجمالاً نوعاً من التمرد واثبات الذات والطموح. اذ انها تريد التعبير عن انها لا تريد أن تسجن في هذا الدور وتكون فتاة بالمعنى السلبي للكلمة. وهذا تعبير جيد إجمالاً". ولدي يلعب بالدمية ولدي يلعب بالدمية! قد تقع هذه الجملة وقع الصاعقة والكارثة على الأهل، لأنهم سيعتقدون ان هناك خللاً او"شذوذاً"في شخصية طفلهم. تقول حطيط:"يخاف الأهل من لعب الصبي بالدمية لانه تصرف انثوي بالنسبة اليهم، فمجتمعاتنا التقليدية تركّز كثيراً على التمييز الجنسي بطريقة لا يجوز فيها ان يشبه الصبي الفتاة". لكن لماذا الدمية حكر على الفتاة وحدها، ولماذا أسرت مجتمعاتنا الفتاة في لعبة الدمى؟ تقول حطيط:"لا يمكننا ان ننكر ان اللعبة المفضلة لدى الفتاة هي الدمية. اذ انها ترى امها وبنات جنسها في هذا الدور، فتشعر انها قد تلعب هذا الدور يوماً ما. لكن هذا لا يعني ان ألعاباً أخرى لا تروق لها. هنالك الكثير من الفتيات اللواتي يحببن كرة القدم مثلاً. هذا التقسيم في انواع الألعاب يعزى الى الأهل والتربية التقليدية خوفاً من اي تداخل بين الجنسين. ونلاحظ اليوم انه توافرت ألعاب مشتركة بين الصبي والفتاة حتى انه بات مسموحاً ان يلعب الصبي بالدمية ولم يعد يسبّب الهلع". وتشير حطيط الى ان الألعاب المشتركة بين الصبي والفتاة"تجعلهما يحترمان بعضهما بعضا وتزول النظرة الدونية تجاه الفتاة". تغيرت الايام لا شك في أن نوع الألعاب تغير في وقت سريع نسبياً، هل هذا يعني ان شخصية الطفل تغيّرت أيضاً؟ تقول حطيط:"حدث التغيّر في النظرة الى اللعب. اذ توافرت العاب ذكية ووسائل لعب تستجيب لاحتياجات الطفل النفسية وتعزز شخصيته وأناه. أصبح الطفل يمتلك ألعاباً وذوقاً ومنتجات خاصة به. كل هذه الأشياء عززت مكانته ونرجسيته". أما عن العنف الذي نشاهده في ألعاب الكومبيوتر وال"بلاي ستيشن"، فتقول حطيط اننا"نميل الى اعتبار العنف سلبياً اذا تخطى الحدود واذا كان في وضعيات واقعية. لكن توجد اشكال من العنف توم اند جيري مثلاً غير واقعية وتسهم في اخراج هذه العدوانية من الطفل. كما انه ليس بالضرورة ان تكون ألعاب العنف العامل الرئيس بل انها تشترك مع عوامل اخرى طفل وحيد، غياب الأهل، صعوبات لا يستطيع التعبير عنها عميقة تتفجر في مناسبات كلعبة الكومبيوتر التي تكون السبب الآني في اظهار عنفه والاعتمالات الداخلية". الخيال وال"بلاي ستيشن" يعتقد كثيرون ان ألعاب الكومبيوتر لا تنمّي الخيال. لكن حطيط تقول إنها تنمّيه"بمعنى من المعاني". اذ انها تجعل الاطفال أقرب الى مجتمع تضطلع فيه التكنولوجيا بدور اساسي. وتضيف:"نحن لم ننمِ هذه المخيلة لأننا لم نحتج اليها. اليوم، نحن بحاجة الى العاب من هذا النوع، لتكون الشخصية متآلفة مع مجتمع جديد تختلف متطلباته عن متطلباتنا". لكن المشكلة تكمن في ان تتم على حساب تنمية جوانب أخرى من شخصية الطفل كالتفاعل الاجتماعي. وتقول:"هذه الألعاب تأسر الطفل وتستغرق كل وقته بحيث لا توجد فسحة للجوانب الانسانية والتكلم واللغة التي تضعف يوماً بعد يوم".