(عندما سأل المحققون الطالب (توماس شيردمان) 13 سنة عن سبب اقدامه على قتل زملائه بالبندقية الآلية أجاب : أنه كان يقلد احدى ألعاب الفيديو التي كان يشاهد فيها البطل يقوم بالهجوم على المباني ويقتل ما فيها من أناس). ربما تصلح هذه الحادثة لان تكون دليلا على تأثير الالعاب الاليكترونية على جيل كامل من البشرية.. فهي تحظى باقبال منقطع النظير من قبل الشباب وصغار السن في كل مكان لما تقدمه لهم من تسلية وامتاع.. ولا احد يسأل ان كانت تعود بالنفع او الضرر عليهم في حاضرهم ومستقبلهم.قد لا يكون هذا الموضوع جديدا ولكنه بكل تأكيد لم يحظ بالاهتمام المناسب خصوصا في العالم العربي والواقع المحلي.. وهنا نتعرف على ابرز مشكلات تلك الالعاب التي يتعرض لها اطفالنا في سن مبكرة وانعكاساتها المستقبلية على اداء واجباتهم، لاسيما أننا نعيش اليوم في عالم مليء بالغرائب، مع ظهور التقنيات وانفجار المعلومات التي تستلزم منا جميعا النظر اليها بكل جدية حتى تستطيع فك جميع الشفرات الغامضة في بعض وسائلها بما فيها ألعاب الاطفال. آثار ألعاب الفيديو في البداية يقول الدكتور صالح بن علي الغامدي استاذ علم النفس بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية ان الاطفال اليوم محاطون بتقنية الترفيه والتسلية المليئة بالعنف والسلوكيات السلبية الاخرى والاطفال يقضون ساعات طويلة امام التلفزيون للتسلية بألعاب معظمها لها تأثير سلبي قوي على سلوكهم. واضاف الدكتور الغامدي ان هذه الالعاب يمكن ان تقدم لهم العنف والعدوان طريقة مقبولة للتعامل مع المشكلات والخلافات مع الآخرين. مشاكل نفسية واجتماعية وعن ابرز المشاكل النفسية والاجتماعية والصحية على الاطفال يقول الدكتور الغامدي ان قضاء اوقات طويلة مع هذه الالعاب قد يؤدي الى مشكلات كثيرة ومتنوعة صحية ونفسية واجتماعية قد تتفاقم لدى الطفل ويصعب التعامل معها او تحتاج الى وقت طويل لمعالجتها وقد تستمر آثارها الى مراحل متقدمة من العمر. ومن المشكلات التي قد يتعرض لها الاطفال مشكلات صحية مثل اضطرابات النوم وارتفاع ضغط الدم والسمنة ويؤكد الدكتور الغامدي ان من اهم المشكلات التي تنجم عن استخدام مثل هذه الالعاب المشكلات السلوكية والنفسية كالعدوانية والعنف وسرعة الاستثارة والغضب والانطوائية والعزلة ونقص المهارات الاجتماعية هذا فضلا عن ضياع الوقت والانشغال عن العبادة وضعف التحصيل الدراسي. ويرى الدكتور محمد بن ابراهيم الزكري - استاذ التربية في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية المشرف على ادارة الحاسب الآلي بالجامعة - ان تأثير مثل هذه الالعاب قد يكون تأثيرا ايجابيا وسلبيا وقال: ان هناك نوعين من الترفيه يمارسهما الاطفال, الاول يتمثل في ترفيه استعراضي اي يستعرض بعض الامور كمتفرج ومتلق والتي وجد انها تحث على السلبية فهي تعزز الاستقبال وتلغي التفاعل كما انها تؤدي لمشاكل صحية اطفالنا في غنى عنها. اما النوع الآخر من الترفيه فيتمثل في التفاعلية التي تعتمد على نوعين من الالعاب المتوافرة في السوق والتي يقل فيها التأثير عن غيره من الالعاب. كما انه يوجد عدد من الالعاب التي تتعارض مع القيم والعادات او انها تحوي بعض الافكار التي قد تؤدي الى خلل في تفكير الاطفال وتنمية روح العدائية وذلك مثل ألعاب الحروب التي تعتمد على ما يسمى (الواقع الافتراضي) وهذه العاب تنمي صورة العالم الخطأ في تفكير الطفل لانها تعطي الحقيقة لطبيعة الاشياء. عالم رقمي جديد ويرى الدكتور ان اطفالنا اليوم يعيشون في عالم رقمي تفاعلي يؤثر على حياتهم ونمط تفكيرهم وبالتالي التعامل معهم ليس كالتعامل مع الطفل قبل 15 سنة. ويؤكد الدكتور الزكري انه يجب ان تتغير وسائل التربية والتعليم فطريقة التدريس في المدرسة يجب ان تتعامل التعامل الامثل مع الطفل الذي يعيش في العالم الرقمي وهذه ضرورة ملحة وهذا يعني اننا يجب ان نغير من انماط التدريس في المدرسة وانماط التربية في البيت فالطفل الذي تعود على العالم الرقمي لم تعد تتناسب معه طريقة التلقين الذي تعود عليها، وقال انه يجب تغييرها حتى نجعل الطالب يهتم في عملية التعلم ونحثه على البحث والحصول على المعلومات بنفسه والتعامل مع اقرانه، كما ان التربية في البيت يجب ان تتحول من نمط الالزام الذي يفرض كل شيء على الطفل من دون تفهم الى نمط الاقناع الذي يفتح الحوار بين الام والطفل وابيه والذي يكون لدى الطفل قاعدة عريضة يستطيع من خلاله الحكم على الاشياء. كما حث الدكتور الزكري على اهمية التحكم في محتوى هذه الالعاب وجعل الدور الرئيسي في ذلك على الوالدين بحيث يقنعان الطفل بعدم العناية بالالعاب التي تخل بالقيم ويبعدانه عنها. الأثر النفسي للألعاب الإلكترونية وعن الاثر النفسي للالعاب الالكترونية على المدى البعيد والقريب على الاطفال التقينا بالاخصائية النفسية الدكتورة غادة فطاني التي اكدت ان مرحلة الطفولة من اهم وادق المراحل في حياة الفرد حيث ترتكز فيها القواعد الاساسية في بناء الشخصية السوية وتنمو فيها السلوكيات التي تحدد ملامح الشخصية، وقالت ان الكثير من الآباء يجهلون مدى خطورة هذه المرحلة ان لم تأخذ حقها من التأسيس واستخدام اساليب التنشئة المناسبة. وتضيف الدكتورة فطاني ان الالعاب لها اهمية بالغة للاطفال سواء في اكتساب جوانب وتفريغ طاقاتهم سواء النفسية او العقلية او الجسدية لهم، اضافة انه من خلال اللعب نتعرف على شخصية الطفل وميوله ورغباته. واشارت فطاني الى ان الالعاب الالكترونية كالبلاي ستيشن وألعاب الكومبيوتر المختلفة التي اجتاحت حياة الطفل بشكل كبير من باب التقنية والتكنولوجيا فيمكن اعتبارها احد انواع اللعب الذي يجد فيها الطفل متعته في قضاء الوقت وتشغيل الذهن وتفريغ طاقة تساعده على التركيز والمكوث في مكان واحد (وقد تكشف بعض الاضطرابات لدى الاطفال فذو الحركة الزائدة لا يستطيع البقاء في مكان واحد) الا انها قد تسبب في احداث بعض حالات العدوانية والعنف وحب المشاجرة والعناد في الاشياء الاخرى ، كما ان هذه المظاهر من العنف قد يراها الطفل في المنام على شكل صراعات وملاحقات وحركات كما لعبها في الحقيقة وهذا ناتج عن شدة التركيز التي يكون عليها الطفل اثناء اللعب وهذا امر غير مستحب اذ ترسخ في ذهنه بشكل مركز. حرمان الطفل ليس حلا وتؤكد الدكتورة غادة فطاني ان مسألة حرمان الطفل من هذه الالعاب امر غير مستحب لانه ممكن التحكم ببيئة الطفل ولا يمكن التحكم بالبيئة المحيطة من الاقارب والاصدقاء الى جانب شعوره بالقهر وانه اقل من اقرانه لانها احد الاشياء التي يتباهى بها الطفل. وقد حثت الدكتورة فطاني على اهمية التنظيم والتوازن حيث انه يجب على كل ام ان تنظم وقت الطفل ما بين الدراسة واللعب والطعام والنوم، وقالت ان التنوع في اللعب امر مطلوب لانه ليس من العدل الاعتماد على هذه الالعاب الالكترونية لتنمية مهارات الطفل فقط واهمال الجانب الآخر كتعليمه قراءة القصص او الالعاب اليدوية التي تساعد في تنمية المهارات ومن المهم الحرص ايضا على تأمين كل ما يحتاجه الطفل في كل مرحلة سنية يمر بها. سباق تكنولوجي اما الدكتور منصور بن عسكر استاذ علم الاجتماع في جامعة الامام محمد بن سعود فيقول اننا نعيش في هذه السنوات الاخيرة مرحلة اشبه ما تكون بمرحلة التسابق في صناعة المواد الترفيهية الخيالية ومنها ألعاب التسلية مثل (بلايش ستيشن، وجيم بوي، والسيجا) فهذه وغيرها تجعل المرء خصوصا من الشباب والاطفال من الجنسين يعيشون مع هذه الالعاب في مرحلة من التسلية والترفيه، ولكن قد تحدث لهم آثار قد يشعرون بها او لا يشعرون ، وذلك لحداثة سنهم وقلة التمييز بين ما يصلح لهم وما لا يصلح ، مشيرا الى انه توصل من خلال الدراسات والابحاث حول هذه الظاهرة (ظاهرة ألعاب البلاي ستيشن على الاطفال) الى ان هذه الالعاب احدثت لدى الشباب ولعا واعجابا بشخصيات خيالية اضطرهم لان يحملوا صورهم في ملابسهم ويعلقوا صورهم في غرف النوم فأوجد مصطلحا جديدا اطلق عليه بعض الباحثين ما يسمى (ثقافة الغرفة) ويقصد به ان غرف النوم لدى الشباب اصبحت تحمل معاني ثقافية غير ما اعتاد عليها آباؤهم وامهاتهم حيث توجد في الغرف اشكال وصور لرموز خيالية او حقيقية من بلاد شتى من اليابان واوروبا وامريكا وغيرهم. العنف وضعف الذاكرة ويرى الدكتور ابن عسكر ان الطفل عند جلوسه امام شاشة اللعبة يكون دوره هو التركيز وتحريك اصابع يده لفترة طويلة وهذه بلاشك لها آثارا سلبية على الناحية العقلية والعصبية اضافة الى التأثيرات المصاحبة لهذه الالعاب الالكترونية على العنف عند الاطفال وضعف الذاكرة وما الى ذلك. وقال الدكتور ابن عسكر: ان السؤال الذي يطرح نفسه دائما هو ما الدور الذي يمكن ان يلعبه المحيط الاجتماعي في التخفيف من هذه الآثار؟ ويؤكد الدكتور منصور بن عسكر ان المدرسة يجب ان يكون لها دور في اعداد دورات خاصة للطلاب والطالبات في كيفية التعامل مع هذه الالعاب الالكترونية لانها من اهم القضايا حيث افادت دراسة اجرتها جامعة (ستانفورد) الامريكية ان التقليل من ساعات مشاهدة التلفزيون وممارسة ألعاب الفيديو يساهم في تقليل العدوانية لدى اطفال المدارس الابتدائية. ويشير الدكتور ابن عسكر الى انه يجب على اولياء امور الطلاب ان ينوعوا لابنائهم طرق قضاء وقت الفراغ في تعويدهم على قراءة بعض القصص القصيرة واللعب في الالعاب الالكترونية والخروج معهم للنزهة الى السفر للسياحة وما الى ذلك، مؤكدا على الوالدين ان يكونوا قريبين من ابنائهم ويتسامرون معهم حتى لا يشعر الابناء بانهم في عزلة من اقرب الناس اليهم فيلجأون الى الهروب الى الالعاب الالكترونية ، حاثا الآباء ايضا على ضرورة غرس مسئوليتهم في الحياة في نفوس ابنائهم وانهم انما خلقوا لعبادة الله وان العبادة امرها واسع كالصلاة والذكر والترفيه في الامور المباحة. واخيرا اقترح الدكتور ابن عسكر على المؤسسات الفنية الموجودة ان تبحث في صنع ألعاب متماشية مع ثقافتنا الاسلامية وقيمنا الاجتماعية تساعد على نشأة الفرد الصالح النافع في المجتمع. ألعاب تسوق العنف