شكل فوز الرئيس جورج بوش بولاية رئاسية ثانية في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، الحدث الابرز هذا العام، ذلك ان أجندة الادارة الاميركية تحولت مقياساً للعلاقات بين دول العالم، بدءاً بسياسته الجديدة لمدّ جسور مع الأوروبيين بهدف التصدي للإرهاب الذي ضرب القارة في"11 آذار مارس الاسباني"، الامر الذي ادى الى انتكاسة للاميركيين على صعد عدة اهمها فقدان حليفهم الاوروبي خوسيه ماريا اثنار وتولي الاشتراكي خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو ادارة الدفة في مدريد، ليعيد رأب الصدع في الجدار الاوروبي ويسقط نظرية"اوروبا القديمة"و"الجديدة"التي سوق لها الاميركيون. في المقابل، لم يكد العام ينقضي حتى بدأ يثبت نجاح النموذج الذي وضعته واشنطن للحكم الجديد في افغانستان حيث فشلت"القاعدة"و"طالبان"في تحقيق وعودهما بتعطيل استحقاق مهم قلب المعادلة الافغانية وهو الانتخابات الرئاسية 9 تشرين الاول/ اكتوبر التي ثبتت دعائم نظام الرئيس حميد كارزاي. بذلك، حققت واشنطن بلا شك نجاحاً حتى ولو بقي اسامة بن لادن خارج القبضة الأميركية، على عكس توقعات سادت خلال حملة بوش الانتخابية، بأن اعتقاله سيتم حافزاً لاقناع الناخبين في الولاياتالمتحدة بنجاح الحرب التي يخوضها رئيسهم. اطلالات بن لادن والظواهري وشهد عام 2004، إطلالات متواضعة لبن لادن وساعده الأيمن أيمن الظواهري، ليفاجئ زعيم"القاعدة"الاميركيين بشريط مصور قبيل الانتخابات الأميركية حذر فيه من عواقب انتخاب بوش، الأمر الذي أتت نتائجه فائدة على المرشح الجمهوري. وشكل الكشف عن أكبر شبكة ل"السوق السوداء النووية"يديرها العالم الباكستاني عبدالقدير خان، انتصاراً آخر سجّل للأميركيين الذين فشلوا في فرض عقوبات على الإيرانيين بعدما سارع الاوروبيون الى الدخول في مفاوضات مع طهران استمرت طوال العام، وأثمرت اتفاقاً في باريس 15 تشرين الثاني. كذلك نجحت كوريا الشمالية في اللعب على الوقت، وانقضى العام من دون أن تطاولها أي عقوبات. طهران ... سقوط الإصلاحيين واعتبر الاتفاق الذي أبرمته الترويكا الأوروبية ألمانيا وفرنساوبريطانيا مع طهران، إنجازاً بارزاً، وافقت الجمهورية الإسلامية بمقتضاه على تعليق تخصيب اليورانيوم، في مقابل منحها العضوية في منظمة التجارة العالمية وإنجاز اتفاق بين الجانبين في شأن التجارة والتعاون، لتتجنب بذلك تحقيق رغبة واشنطن بنقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن. غير أن ايران اقتربت من دائرة الخطر من جهة أخرى، نتيجة استعادة المحافظين السيطرة على البرلمان في أيار مايو، ليبسطوا بذلك نفوذهم على جميع هيئات السلطة، ويضعوا حداً لمسيرة الاصلاح التي قادها الرئيس محمد خاتمي. عمليات إرهابية واعتبرت تفجيرات القطارات في مدريد في 11 آذار الماضي، نسخة أوروبية عن اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001. وتبناها تنظيم"القاعدة"، ما دفع السلطات الاسبانية الى شن حملة اعتقالات تجاوزت حدودها احياناً، لتكشف عن مدى انتشار الخلايا الارهابية في انحاء اوروبا، على رغم اقدام سبعة إسلاميين على علاقة بالاعتداءات على تفجير انفسهم في شقة في ضواحي مدريد في الثالث من نيسان أبريل، بعدما حاصرتهم الشرطة. وخوفاً من اعتداءات جديدة، عيّن الأوروبيون خلال قمة بروكسيل في آذار الهولندي جيس دو فريس مفوضاً عاماً لمكافحة الإرهاب. وفي موازاة ذلك، شهدت اراضي الاتحاد الروسي هجوماً يكاد يوازي"11 ايلول"و"11 آذار"بشاعة، اذ استهدف مدرسة اطفال في بيسلان اوسيتيا الشمالية في مطلع أيلول، حين اقدم مسلحون على احتجاز مئات الرهائن في المدرسة، قبل ان تنتهي المأساة بمقتل 344 شخصاً على الأقل، في حين نجح عدد من الجناة في الفرار. تأرجح في مواقف الكرملين وسادت توقعات بأن تؤدي هذه العملية وما سبقها من تفجير طائرتي ركاب 24 آب /أغسطس روسيتين وسقوط تسعين قتيلاً بين الركاب، الى دفع موسكو الى احضان الحرب الاميركية على الارهاب، اذ سارع الكرملين إلى إعلان استعداده لضرب القواعد الإرهابية في أي منطقة من العالم. وأكد الرئيس فلاديمير بوتين الذي أعيد انتخابه في آذار عزمه على تعزيز السلطة المركزية الروسية لضمان وحدة البلاد في مواجهة الخطر الإرهابي. وعلى رغم تماسك بوتين في الداخل وتطويقه أزمة بيسلان وفوزه بولاية جديدة، كانت هزيمة الموالين لموسكو في جورجيا كانون الثاني/يناير وأوكرانيا الشهر الجاري، حافزاً لعودة روسيا الى لهجة انتقاد الغرب باعتباره متورطاً في تلك التغييرات بهدف ضرب المصالح الروسية خصوصاً النفطية في المنطقة. وشهد أيار، انتكاسة للروس باغتيال الرئيس الشيشاني الموالي لهم احمد قادروف في غروزني على أيدي أتباع زعيم الحرب الشيشاني شامل باساييف. وفي صربيا، فاز المرشح المؤيد لأوروبا بوريس تاديتش على خصمه القومي المتطرف توميسلاف نيكوليتش في الانتخابات الرئاسية الصربية في 27 حزيران يونيو، الامر الذي لم يكن موضع سرور للروس. الاتحاد الأوروبي وتركيا وفي ظل اللحمة المستعادة بعد"11 آذار"، نجح الاتحاد الاوروبي في وضع اول دستور له 29 تشرين الاول، ليمضي قدماً في الأول من أيار، في اكبر عملية توسع اوصلته الى حدود روسيا بضمه عشر دول جديدة إليه هي: بولندا وسلوفينيا وسلوفاكيا وهنغاريا وتشيكيا وأستونيا وليتوانيا ولاتفيا ومالطا وقبرص. ولم تخل عملية التوسع تلك من انتكاسة تجسدت في فشل جهود الاممالمتحدة في توحيد قبرص فانضم الشطر الجنوبي اليوناني وحده الى الاتحاد. واعتبرت موافقة الاتحاد 18 الجاري على بدء مفاوضات الانضمام مع تركيا، أهم إنجاز تحققه حكومة رجب طيب اردوغان مع تفاديها شرط الاعتراف بقبرص، بعدما تم التوصل الى صيغة توافقية لإطلاق مفاوضات العضوية في الثالث من تشرين الأول المقبل 2005 في ظل تولي بريطانيا الرئاسة الدورية للاتحاد. وكان البرلمان التركي أقر في 26 أيلول إصلاحاً للقانون الجزائي رفع آخر حاجز أمام إصدار المفوضية الأوروبية تقريراً يؤكد تطبيق انقرة المعايير المطلوبة للانضمام. وسبق توسع الاتحاد الاوروبي ليضم 25 دولة، توسيع الحلف الأطلسي في 29 آذار، إذ انضمت إليه سبع دول من الاتحاد السوفياتي السابق، ليرتفع عدد أعضائه الى 26. وشكلت الذكرى الستون لإنزال الحلفاء في النورماندي في 6 حزيران حدثاً تاريخياً بمشاركة المستشار الألماني غيرهارد شرودر في احتفالات تحرير أوروبا وهزيمة النازيين. وتلا ذلك في 17 أيلول اجتماع لوزراء الدفاع الأوروبيين في هولندا، تقرر إثره تشكيل"مجموعات تكتيكية"للتدخل العسكري السريع في حال نشوب أزمة طارئة بحلول عام 2007. وتزامن ذلك مع موافقة فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا والبرتغال على تشكيل قوة درك أوروبية. غوانتانامو ومتهمون بالإرهاب وفي ألمانيا، أخلت محكمة استئناف هامبورغ في 5 شباط فبراير سبيل المغربي عبدالغني المزودي لعدم كفاية الأدلة من دون أن تبرئه من تهمة الضلوع في اعتداءات 11 أيلول و"الانتماء الى منظمة إرهابية". وفي ضوء ذلك، اعيدت في العاشر من آب، محاكمة مواطنه منير المتصدق بتهمة التواطؤ في اعتداءات أيلول، بعدما أبطلت محكمة العدل الفيديرالية حكماً بسجنه 15 عاماً. في المقابل، سمحت محكمة الاستئناف في فرجينيا 22 نيسان للادعاء بطلب إنزال عقوبة الإعدام بحق الفرنسي زكريا الموسوي، المتهم الوحيد في الولاياتالمتحدة بالتورط في 11 أيلول. كذلك حققت الاستخبارات الباكستانية إنجازاً كبيراً في 12 تموز بالقبض على نعيم نور خان الملقب أبو طلحة،"العقل المدبر"للبرمجة المعلوماتية في"القاعدة"، والكشف عن مخطط للاعتداء على مطار هيثرو في لندن. وأعقب ذلك في 25 تموز اعتقال التنزاني احمد خلفان غيلاني المسؤول الكبير في"القاعدة"المطلوب لدى مكتب التحقيقات الفيديرالي أف بي آي والمتهم بالضلوع في اعتداءات كينيا وتنزانيا عام 1998. وفي 28 حزيران، وجهت المحكمة العليا الأميركية ضربة الى إدارة بوش بتأكيدها حق المعتقلين في غوانتانامو بالطعن في اعتقالهم أمام المحاكم الفيديرالية. وفي تشرين الثاني، أمر قاض مدني بتعليق محاكمة سليم احمد حمدان سائق بن لادن اليمني الجنسية، معتبراً أن إجراءات محاكمته العسكرية غير صحيحة وانه معتقل خلافاً للقوانين. وشاعت اعتراضات على شرعية المحاكم العسكرية، لتتزامن مع فضائح وقوع انتهاكات في غوانتانامو، ما وضع صدقية واشنطن على المحك، لا سيما بعد فضائح سجن أبو غريب في العراق. وتزامن ذلك مع استقالة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي آي إي جورج تينيت في الثالث من حزيران، بعد انتقادات أخذت عليه عجزه عن منع وقوع اعتداءات أيلول، ومعلوماته الخاطئة في شأن ملف أسلحة الدمار الشامل العراقية. وتلا ذلك رضوخ الإدارة الأميركية لتقرير اصدرته في 23 تموز لجنة التحقيق في اعتداءات 11 أيلول، عبر إقرار الرئيس بوش في كانون الأول قانون توسيع أجهزة الاستخبارات وإخضاعها لسلطة رئيس واحد، ليسحب بذلك من"البنتاغون"صلاحيات أوكلت إلى المدير القومي للاستخبارات.