رحبت أسواق الصرف بقرار مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الأميركي زيادة سعر الفائدة، للمرة الخامسة منذ منتصف السنة بمعدل ربع نقطة ليرتفع الى 2.25 في المئة ويعزز سعر صرف الدولار مقابل اليورو والدولار الكندي، أقله في رد فعل أولي، لكن مجموعة من كبار الاقتصاديين والمحللين الأميركيين أكدت"أن ادارة الرئيس جورج بوش اتخذت بالفعل قراراً غير مُعلن باضعاف الدولار ضمن سلسلة من الاجراءات التي ترغب في أن تراها تُساهم في تخفيف آثار تضخم عجزي الحساب الجاري ميزان المدفوعات والموازنة المالية". وكان الدولار بدأ عملية"تصحيح"في شباط فبراير 2002 وخسر سعر صرفه حتى الآن 16.6 في المئة مقابل عملات مجموعة الشركاء التجاريين لأميركا و27.6 في المئة مقابل العملات الرئيسية، خصوصاً العملة الأوروبية الموحدة اليورو والدولار الكندي والين الياباني والجنيه الاسترليني. يشترك الاقتصاديون والمحللون الأميركيون، الذين تحدثوا في ندوة خاصة في نيويورك الجمعة الماضي، في الاعتقاد بأن انخفاض سعر صرف الدولار"سيدعم تنافسية الصادرات الأميركية ويقدم للولايات المتحدة الحل الوحيد المتاح لمعالجة الخلل المستفحل في ميزان مدفوعاتها، ما من شأنه أن يُساهم في اعادة التوازن الى النظام المالي الدولي. واعترفوا أن سعي ادارة بوش لاضعاف الدولار يحمل كل صفات القرار الأحادي الذي يتجاهل مصالح الآخرين في عالم حيث الورقة الخضراء باتت تشكل زهاء 65 في المئة من احتياط العملات الصعبة للمصارف المركزية وتحتل حيزاً مهماً، وان كان متقلباً، في رصيد الاستثمار الدولي الخاص. التصحيح وبدأ الدولار عملية"تصحيح"في شباط فبراير 2002 وخسر سعر صرفه حتى الآن 16.6 في المئة مقابل عملات مجموعة الشركاء التجاريين لأميركا و27.6 في المئة مقابل العملات الرئيسية، خصوصاً العملة الأوروبية الموحدة اليورو والدولار الكندي والين الياباني والجنيه الاسترليني. واتفق المشاركون في الندوة، التي رعتها مؤسسة الوساطة والخدمات الاستثمارية"مورغان ستانلي"، كبير الاقتصاديين ستيفن روتش وخبير أسواق الصرف ستيفن لي ولفيف من الاقتصاديين والمحللين الآخرين المنتشرين في عواصم العالم، على أن جولة جديدة من التصحيح تبدو أمراً محتوماً ان لم تكن بدأت للتو. الفجوة غير المسبوقة وفي تلخيص لابرز ما قيل في الندوة قال ستيفن روتش:"يعاني العالم اختلالا محزناً يتجسد في أشكال عدة وان كان مؤشره الأكثر سطوعاً يتمثل في تشكل فجوة غير مسبوقة في النظام المالي حافتاها عجز الحساب الجاري الأميركي وفوائض الحسابات الجارية الآسيوية الأوروبية. وأعتقد أن الحل الناجع يكمن في تعديل أسعار الصرف بما يتيح تراجعاً اضافياً لسعر صرف الدولار. كذلك يمكن للدولار الضعيف أن يساهم في زيادة أسعار الفائدة الأميركية مستهدفاً تجاوزات المستهلك الأميركي الذي تعتبر ديونه العالية أكبر المخاطر التي تواجه الاقتصادين الأميركي والدولي. وفي حال فرض انخفاض الدولار اجراء تعديلات قاسية في أماكن أخرى من العالم، مثل اجبار الاقتصادات الآسيوية والأوروبية على تبني اصلاحات واسعة يكون من شأنها حفز الاستهلاك في أسواقها وتخفيف اعتمادها على التصدير الى السوق الأميركية لن يكون ذلك بالأمر السيء اذ أن اعادة التوازن الدولي مسؤولية مشتركة". لا تقتنوا الاصول المقومة بالدولار وقال ستيفن لي:"أعتقد أن الكل متحمس لاضعاف الدولار. لكني أرى خطورة كبيرة في السياسة التي تتبعها الولاياتالمتحدة. ولم أسمع قط بمصرف مركزي يقول للعالم لا تقتنوا الأصول المقومة بالدولار لكن هذا بالضبط ما فعله الان غرينسبان رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي في الكلمة التي ألقاها في فرانكفورت في 19 تشرين الثاني نوفبر الماضي اذ قال اننا نشهد الآن عملية بيع تدرجية لسندات الخزينة الأميركية ومن شأن ذلك أن يؤدي حتما الى ارتفاع سعر الفائدة على سندات الخزينة الطويلة الأجل الى 5 في المئة. وليس ثمة ما يمنع من تأثر الأسهم الأميركية أيضا بتصريحات غرينسبان الاخيرة". اضعاف الدولار ورفع الفائدة وقال ريتشارد بيرنر:"أوافق على أن من الخطورة بمكان أن يحاول مجلس الاحتياط اضعاف الدولار بالتصريحات. وغالباً ما يقترف غرينسبان ذنب الاعتقاد أن بمستطاعه التلويح بعصاه السحرية للتأثير في الأسواق والحصول على ما يريده من نتائج لكن التجربة أظهرت بجلاء أنه حتى شخص بمكانة غرينسبان يمكن أن يضطر للانحناء أمام الحكمة الجماعية لملايين المستثمرين. وأعتقد بأن الخطة التي يرغب مجلس الاحتياط في تطبيقها لمعالجة عجز الحساب الجاري لا تتضمن اضعاف الدولار وحسب بل رفع الفائدة وتشديد شروط الاقتراض في السوق المحلية". وقال جواكيم فيلز:"أخشى أن تكون محاولة مجلس الاحتياط اضعاف الدولار جزءاً من لعبة هدفها زيادة نسبة التضخم اذ أن مستوى التضخم الحالي، الذي يحوم بالقرب من مستوى 1.5 في المئة، لا يوفر ضماناً مريحاً ضد انكماش الأسعار في حال حدث ركود اقتصادي جديد. في الاقتصادات العالية المديونية مثل الاقتصاد الأميركي تساعد نسبة تضخم مرتفعة قليلاً على تشحيم مفاصل الاقتصاد. لذلك أعتقد بأن السنوات القليلة المقبلة ستتميز بنمو اقتصادي بطيء مصحوب بالتضخم". تصدير الفقاعات واشار ستيفن لي الى ان احتمال النمو الاقتصادي البطيء المصحوب بالتضخم"هو بالضبط ما أعنيه بالتشديد على الآلام المحتملة لاضعاف الدولار". ان ما تفعله أميركا هو تصدير الفقاعات الى باقي العالم واجبار الأمم الأخرى على خفض أسعار فوائدها ورفع أسعار صرف عملاتها. أنظروا الى ما حدث في اليابان أواخر الثمانينات حين أجبرت اليابان على خفض سعر فائدتها الى النصف بين اتفاقي"بلازا"1985 و"اللوفر"1987 اللذين مهدا لانخفاض سعر الدولار في النصف الثاني من الثمانينات. ما لذي حدث في اليابان أواخر الثمانينات؟ لقد ترك اليابان للتعامل مع فقاعة القروض وصدماتها طوال الأعوام ال14 التالية. الركوب المجاني وقال روتش:"أتعاطف مع فكرة أنه ليس من المنصف أن تلقي أميركا بمشاكلها الى باقي العالم لكن الاقتصادات الآسيوية والأوروبية سعت الى المتاعب بأقدامها عندما، وبسبب عدم استطاعتها أو عدم رغبتها في حفز الطلب المحلي في أسواقها، ربطت اقتصاداتها بالمستهلك الأميركي المثقل بالديون. ان فكرة"الركوب المجاني"حيث يستهلك الأميركيون البضائع الآسيوية في مقابل أن يقتني الآسيويون السندات الأميركية كانت على الدوام مغامرة خطرة وأدت الى تضخم حصص الأصول المقومة بالدولار في الاحتياط الرسمي لكل المصارف المركزية خارج الولاياتالمتحدة. ولا شك في أن ارتفاع حصص الأصول الأميركية في أرصدتها سيبدو لهذه المصارف قراراً متهوراً في حال حدث انخفاض جديد مستدام في أسعار صرف الدولار". التعايش الآسيوي مع توازن هش وقال أندي شي:"ان الاقتصادات الآسيوية تحمل جزءاً من اللوم بسبب اختيارها طريق التصدير للخروج من أزمتها المالية، لكن الولاياتالمتحدة لم تطلب من هذه الاقتصادات تغيير استراتيجيتها عندما خفضت سعر فائدتها وضرائبها لحفز الطلب المحلي في سوقها بعد انفجار فقاعة التكنولوجيا، والسبب هو أنها كانت بحاجة الى الأرصدة الآسيوية لانعاش اقتصادها. وفي النتيجة تقبلت آسيا التعايش مع توازن هش. لكن أميركا تريد الآن أن تزعزع هذا التوازن على رغم أن كل ما يمكن أن يفعله اضعاف الدولار هو زيادة الضغوط الانكماشية من دون التأثير في الطاقات التصديرية للاقتصادات الآسيوية". تحرير اسواق العمل وقال ديفيد مايلز:"لا أملك الا الاعتراف بأنني مندهش من وجهة النظر القائلة بأن تبني الاقتصادات الأوروبية اصلاحات هيكلية واسعة سيساعد في تخفيف حدة الاختلالات التي يعانيها الاقتصاد الدولي. كنت أحسب أن الاصلاحات الهيكلية ستحرر أسواق العمل والسلع لكن نجاح هذه الاصلاحات سيجعل منطقة اليورو أكثر تنافسية وانتاجا ولا أدري كيف سيُساعد ذلك في تقليص العجز التجاري الأميركي. أليس من المحتمل أن تؤدي زيادة التنافسية الأوروبية الى تفاقم الاختلالات العالمية؟". القاء اللوم على الجار وقال اريك تشيني:"في لعبة القاء اللوم على الجار تلجأ الدول التي تعاني من العجز الجاري في حساباتها الى مطالبة البلدان الأخرى بحفز استهلاكها المحلي لكن ما تريده ضمناً هو أن يحذو هؤلاء حذوها بالاقتراض لتمويل استهلاكهم. ان تقليد الولاياتالمتحدة في سياستها المالية المتهورة سيكون خطأ فادحاً ترتكبه منطقة اليورو. وأعتقد أن ذلك لن يحدث اذ أن أوروبا لا تزال تذكر تبعات تجربة أوائل الثمانينات حين لعبت ألمانيا دور قاطرة النمو". وتساءل روتش:"أليست السياسة النقدية الصينية تمثل الحلقة المفقودة في سلسلة اعادة التوازن العالمي؟". وشدد ريكاردو بربيري على انه"بالتأكيد تبرز السياسة النقدية الصينية كعنصر حيوي في الفترة المقبلة. لكن حتى وقت قريب، قبل عامين، وفي مناخ من الدولار القوي، نال ربط العملة الصينية بالدولار رضى الجميع والمؤكد بأن تحول الولاياتالمتحدة الآن لاضعاف الدولار بسياسة احادية أمر يزعج الصينيين. وعلى كل حال، الواضح أن كل نقطة مئوية يخسرها الدولار في سعر صرفه تترجم الى خسارة مماثلة يتكبدها اليوان الصيني مقابل العملات الأخرى. ومن شأن ذلك أن يضع ضغوطاً على الدول التي لا تملك المرونة وضخامة السوق المحلية التي تملكها الولاياتالمتحدة. وفي حال أصرت الصين على الامتناع عن تغيير سياستها النقدية أعتقد أن أوروبا ستجد نفسها مضطرة لوضع حد أقصى لارتفاع عملتها الموحدة. وأعتقد بأن هذا الحد الأقصى سيكون بمستوى 1.4 دولار لليورو. أما في حال أقدمت الصين على تغيير سياستها النقدية فان النظام المالي الدولي سيتغير كليا. ان التحرك باتجاه أسعار الصرف المرنة يمكن حقا أن يضع نهاية لسيادة الدولار". ولخص روتش النقاش بالتالي:"هل تعاني الولاياتالمتحدة من مشكلة كأداء في موازانتها؟ وهل لدى الولاياتالمتحدة مشكلة كأداء في الادخار الخاص؟ اذا كان الجواب على هذين السؤالين بالنفي يمكننا حينئذ توقع استعادة الحساب الجاري توازنه ويسترد الدولار قوته. أما اذ كان الجواب بالايجاب، وهذا ما أعتقده، فإن عملية التصحيح بالكاد بدأت". واشار ستيفن الى ان النقاش تركز في ما هو مطلوب من الدول المختلفة منطقة اليورو والاقتصادات الآسيوية عمله لتمكين الولاياتالمتحدة من اعادة التوازن الى ميزان مدفوعاتها ورأى أن الخلاف أكثر من الاتفاق. وقال:"ان رغبة أميركا في التوصل الى اتفاق"بلازا"جديد يتيح انخفاض سعر صرف الدولار ستواجه بمقاومة شديدة من الدول الأخرى التي ترغب من جانبها في اتفاق"لوفر"جديد يضع حداً لهبوط الدولار. لذلك أعتقد بأننا لن نرى في الفترة المقبلة هبوطاً كبيراً للدولار. ان العالم، ببساطة، لن يسمح بذلك".