أكد اختيار الرئيس جورج بوش امس مستشارته لشؤون الامن القومي كوندوليزا رايس لخلافة كولن باول على رأس الديبلوماسية الاميركية، والذي تزامن مع استقالة مسؤولين كبار في وكالة الاستخبارات المركزية سي آي اي، توجهاً لتعزيز الخط اليميني المتشدد في السياسة الخارجية خلال السنوات الاربع المقبلة. راجع ص 10 واعتبر مراقبون ان الطريقة التي تصرف بها الرئيس بوش مع استقالة باول جعلها أقرب الى الاقالة، اذ ان باول كان قال انه "سيبقى" اذا طلب منه بوش لكن الرئيس لم يطلب، بل لم يتأخر في حسم البديل في الخارجية. ووصف المراقبون خروج باول بأنه الخطوة الأهم لوضع حد للصراع الدائر بين المعتدلين والصقور داخل الادارة لمصلحة الصقور الذين يمثلهم نائب الرئيس ريتشارد تشيني. وتعتبر رايس أقرب القريبين الى بوش وأكثرهم ولاء وانسجاماً مع التوجهات المتشددة في السياسة الخارجية والامن القومي. وجاء تعيين ستيفن هادلي، نائب رايس، مستشاراً للأمن القومي، ليؤكد استمرار النهج المحافظ في البيت الابيض، علماً بأن هادلي كان مكلفاً متابعة الملف الفلسطيني - الاسرائيلي. وفيما سعى باول، مدعوماً من "سي آي اي"، الى المحافظة على نهج الاعتدال والتعددية في السياسة الخارجية، في مواجهة صقور وزارة الدفاع والامن القومي، أكدت التعديلات الاخيرة عزم بوش على "تطهير" الادارة، بما فيها اجهزة الاستخبارات المختلفة، من المعتدلين ليحقق انسجاماً أكبر بين اعضاء فريقه اليميني. وكان باول طلب إمهاله بضعة شهور لمتابعة ملفي الانتخابات في كل من العراق والاراضي الفلسطينية، وهو ما بات الآن موضع شك في ضوء اعلان بوش ترشيحاً مبكراً لرايس. وهو ما يبدو أنه استدعى أمس ايضاً استقالة سريعة لنائب وزير الخارجية ريتشارد ارميتاج. ووصف مراقبون الاستقالات في "سي آي اي"، والتي جاءت بعد سبعة اسابيع من تعيين بوش عضو مجلس النواب بورتر غوس خلفاً لمدير الوكالة المستقيل جورج تينيت، بأنها تمهد لإنقلاب ابيض في مفاصل القرار في اهم اجهزة الاستخبارات الاميركية. ومن ابرز التطورات في الوكالة استقالة نائب مدير العمليات السرية ستيفن كابس ومساعده مايكل سوليك يوم الاثنين الماضي، فيما سبقهم بتقديم استقالته يوم الجمعة الماضي جون ماكلوكلين، الرجل الثاني في الوكالة. وكان تينيت استقال الصيف الماضي وتبعه جيمس بافيت، مسؤول دائرة مكافحة الارهاب. وفيما حذر مسؤولون من خطورة البلبلة التي تشهدها الوكالة في الوقت الذي تخوض اميركا حرباً في العراق وحرباً على الارهاب، اعتبر آخرون ان التغيير ضروري لإنهاء حال الحرب المفتوحة بين الوكالة والبيت الابيض. ويأخذ المعارضون للتغيير على غوس انه عين مساعديه في الكونغرس في مناصب عليا في وكالة الاستخبارات رغم افتقارهم للخبرة، وهو ما اثار استياء كبار المسؤولين في الوكالة ودفعهم الى الاستقالة احتجاجاً على قراره تجاوزهم. وتعتبر رايس 50 عاماً من ابرز المؤيدين لرؤية بوش تجاه تحقيق تسوية نهائية للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي على اساس اقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، ومن اكثرهم حماساً لمشروع الديموقراطية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. كما تؤيد التزام نهج متشدد مع ايران وسورية. وستواجه رايس تحديات عدة من ابرزها محاولة الحفاظ على تماسك الدول المتحالفة مع اميركا في العراق، واعادة اطلاق مفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين في اعقاب وفاة الرئيس ياسر عرفات، فضلاً عن ضمان نجاح الانتخابات العراقية والفلسطينية في غضون حوالي شهرين. كما ستضطر رايس للتعامل مع ملف المفاوضات الاوروبية مع ايران بشأن برنامجها النووي، والملف السوري - اللبناني بعد قرار مجلس الامن الرقم 1559. وعلى رغم ان استبعاد باول وتعيين رايس يعكس نهجاً يمينياً متشدداً، إلا أنه لا يرقى الى مستوى الانسجام مع اجندة المحافظين الجدد الذين كانوا يرغبون في تعيين مساعد وزير الخارجية لشؤون الامن والتسلح واحد صقور المحافظين الجدد جون بولتون خلفاً لباول. كما لم يتضح بعد مصير وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وهو احد ابرز المحافظين الجدد، رغم توقعات ببقائه في منصبه الى العام المقبل.