من استمعوا الى الشريط الأخير للرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" الدكتور أيمن الظواهري لاحظوا تركيزه على استهداف الاسرائيليين، ودعوته "شباب الحركة الاسلامية" الى تنفيذ عمليات ضد الاسرائيليين، صحيح انها لم تكن المرة الأولى التي يتناول احد قادة الاصوليين الراديكاليين اسرائيل بالنقد والهجوم والتأكيد على أنها "سبب بلاء الأمة العربية والاسلامية"، لكن مَنْ تابعوا مسيرة الظواهري ما زالوا يتذكرون ردوده على اسئلة كانت توجه اليه في عقد تسعينات القرن الفائت عن اسباب غياب عمليات جماعة "الجهاد" ضد الاسرائيليين وتركيز التنظيم على استهداف المسؤولين المصريين. وقتها كان الظواهري يرد بأن "تحرير القدس يبدأ من القاهرة"، أي أن إسقاط النظام المصري كان دائماً له الأولوية عند الظواهري وتنظيمه. وهو كان يرى أن استيلاء الاسلاميين على الحكم في مصر فإنهم سيزحفون لتحرير القدس وانهاء دولة اسرائيل. وظل الخطاب الإعلامي والسياسي للظواهري يسير في ذلك الاتجاه. لكن مع مرور الوقت وقبل شهور من الاعلان عن تأسيس "الجبهة الاسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين" في شباط فبراير العام 1998 كان الظواهري بدأ يهيئ الأجواء للإعلان عن التحالف بين "جماعة الجهاد"، وتنظيم "القاعدة" الذي يقوده اسامة بن لادن ضمن اطار تلك الجبهة. تغير خطابه وصار يركز على انتقاد اميركا والسياسات الاميركية، ويربط دائماً بين ما يجرى في الاراضي الفلسطينية المحتلة والسياسات الاميركية "المعادية للعرب والمسلمين". وجاء الاعلان عن الجبهة عبر فتوى تضمنها البيان التأسيسي لها دعوة الى المسلمين "لقتل ونهب الاميركيين الصليبيين واليهود اينما وجدوا". وبدأت بعدها عمليات "قاعدة الجهاد" ضد الاهداف الاميركية في أكثر من مكان، بدءاً من تفجير سفارة اميركا في نيروبي ودار السلام العام 1998، ومروراً بتدمير المدمرة كول، والهجمات في نيويورك وواشنطن، ونهاية بالحرب في العراق ضد الاميركيين. واذا كانت رائحة "قاعدة الجهاد" تفوح من تفجيرات سيناء وفي انتظار نتائج التحقيقات حول الجهة الفاعلة، فإن الحادث اعاد الى الاذهان البحث في طريقة تفكير الظواهري وربما قدراته الخارقة التي يتحدث عنها زملاؤه ومن عاصروه او تعاملوا معه في سنوات سابقة. لكن تبقى اسئلة أخرى عن مدى قدرة "القاعدة" على اختراق الحواجز الامنية والمراقبات الصارمة والاجراءات المشددة للشرطة المصرية لتأمين حركة السياحة في سيناء. فالتفجيرات كانت محصلة تنسيق بالغ التعقيد بين اكثر من شخص وربما اكثر من جهة، والرقعة التي وقعت فيها ملتبسة جغرافيا والوصول اليها ممكن ربما عبر الحدود مع اسرائيل أو الاردن علاوة على المدن المصرية المختلفة، والعمل اللوجستي للترتيب لها ثم تنفيذها يشير الى تعاون بين عناصر، وربما جماعات، للتخطيط والتمويل وتجهيز المتفجرات ثم دراسة ومعاينة الأماكن المستهدفة قبل التنفيذ. ويبقى السؤال، هل يستطيع الظواهري الفار من الملاحقات الامنية أو أحد معاونيه الذي يخطط للعملية ومتابعة تنفيذها؟ بيان وزارة الداخلية المصرية فيه تلميح الى دور فلسطيني من دون أن يحدد الجهة التي يمكن أن تكون ضالعة والهدف من العملية، كما توقع خبراء "ضرب عملية السلام والدور المصري فيها"، وهو أمر واضح لا شك فيه، كما دُق اسفين ما بين حركة حماس التي زار مسؤول مكتبها السياسي خالد مشعل القاهرة خلال الشهر الماضي مرتين، وبين مصر، وكذلك اعادة مصر مرة اخرى الى مربع الارهاب والعنف كلها أمور واردة وسط اسئلة عن اسباب توقف العنف في مصر منذ حادثة الاقصر التي وقعت في تشرين الثاني نوفمبر العام 1997 وحتى الآن، وكذلك اصرار مصري على المضي في عملية السلام حتى على رغم اعتراض جهات فلسطينية. وعلى ذلك، فإن التأثير السياسي للعملية يكاد يفوق في تأثيرها الاقتصادي والامني، واللافت أن ردود الفعل الشعبية الغاضبة تجاه المجازر الاسرائيلية ضد الفلسطينيين والتي كانت تظهر كل يوم جمعة في الازهر عبر تظاهرات تنظم قبل صلاة الجمعة وعقبها اختفت بالأمس، وهكذا كسبت اسرائيل نتائج العملية بمجرد وقوعها والمؤكد أنها ستسعى الى استثمار نتائجها لاحقاً. وإذا كان الظواهري لجأ إلى استخدام الحيل للتغطية على تنقلاته وأسفاره المتعددة فإن الأمر وصل لدى بعض أعضاء التنظيم إلى حد الحديث عن قدراته الخارقة في مثل تلك الأمور. وعندما تسلمت مصر العام 1998 عدداً من قادة "الجماعة" ممن كانوا يقيمون في الخارج كشف هؤلاء في اعترافاتهم حقائق ووقائع لم تكن معروفة، من بينها قصة ذهاب الظواهري إلى أميركا، وكذلك قيامه بتدريب عناصر في التنظيم العام 1990 على استخدام الطائرات، ونجاته أي الظواهري من التسليم إلى مصر بعدما وقع في قبضة السلطات في دولة داغستان من دون أن يعرف المسؤولون هناك أنه الشخص الذي يبحث عنه الجميع، وأخيراً ما اثير عن إقدامه مع بن لادن على شراء اسلحة كيماوية وبيولوجية لاستخدامها عند الضرورة. أما واقعتا حصول الظواهري على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وسجنه في داغستان فكشف عنهما مساعده أحمد سلامة مبروك الذي تسلمته مصر من آذربيجان العام 1998، حيث ذكر أثناء جلسات المحاكمة في شهر نيسان ابريل العام 1999 في قضية "العائدون من ألبانيا" التي اتهم فيها 107 من أعضاء تنظيمي "القاعدة" و"جماعة الجهاد" أن "الجبهة الإسلامية لجهاد اليهود والصليبيين" "حصلت على أسلحة بيولوجية وكيماوية تم شراؤها من دول في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق خلال السنتين اللتين سبقتا تأسيس الجبهة"، وأن تلك الأسلحة "وُزعت على عناصر تابعة للجبهة لاستخدامها عند الضرورة ضد أهداف اميركية في حال فشل تنفيذ عمليات ضد تلك الأهداف باستخدام المتفجرات والأسلحة التقليدية". وذكر مبروك الذي كان يعد الذراع اليمنى للظواهري أن جهاز كومبيوتر ضبط معه في شهر ايلول سبتمبر العام 1998 أثناء وجوده في آذربيجان سجل عليه مخططاً لتنفيذ عمليات ضد أهداف أميركية في أنحاء متفرقة من العالم. وقال مبروك: إن الظواهري ظل يتردد منذ عودته من السودان إلى أفغانستان في 1996 على دول تتخذ عناصر في التنظيم منها محطات وأماكن للإقامة والإيواء بهدف عقد لقاءات معهم، والوقوف على الظروف التي يعيشون فيها، وشرح خطط التنظيم المستقبلية لهم. وأنه كان توجه في نهاية ذلك العام 1996 من أفغانستان براً عبر تركمانستان وكازاخستان وكلميكيا وداغستان قاصداً آذربيجان، واصطحب معه مساعده ثروت صلاح شحاتة وعدداً آخر من اتباعه بهدف لقاء عدد من أعضاء التنظيم يقيمون في آذربيجان بينهم مبروك. وأن الظواهري ومرافقيه كانوا يستخدمون جوازات سفر مزورة لدول عربية. لكن السلطات في داغستان التي تقع على الساحل الغربي لبحر قزوين من الجانب الشمالي لجبال القوقاز، أوقفتهم على الحدود واكتشفت أنهم يحملون جوازات مزورة، فقامت بترحيلهم الى العاصمة محج قلعة، حيث اعتقلوا في سجن المدينة. وأضاف مبروك أن السلطات في الجمهورية التابعة لروسيا لم تعلم أن المعتقلين مصريون، وأن بينهم زعيم جماعة "الجهاد" حيث لم يكن أحد منهم يستخدم جوازاً مصرياً. وأنها ظلت طوال ستة شهور في انتظار ان تتقدم إحدى الدول بالإبلاغ عن اختفاء رعايا لها من دون جدوى، وأن بن لادن علم بالأمر فأرسل أحد مساعديه وتمكن من دفع كفالة لإطلاق المعتقلين على أساس أنهم ليسوا مصريين وأعادهم الى افغانستان. لكن التطور الاهم في مسيرة الظواهري حدث بعد ما ابرم التحالف مع بن لادن في شباط فبراير 1998، الامر الذي تسبب في غضب بعض مساعديه الذين اعترضوا على الدخول في مواجهة مع اميركا من دون سبب وجيه، وما يمكن ان ينتج عن ذلك من صدامات مع الدولة العظمى ستكون من نتيجته ضرب التنظيم ومغادرة عناصره. وازاء تلك الضغوط تنازل الظواهري طواعية عن "إمارته" للجماعة تجنباً للدخول في خلافات أو صراعات مع زملائه، وفضل البقاء في جوار اسامة بن لادن والعمل معه ضمن "الجبهة". وأجريت اتصالات بين قادة جماعة "الجهاد" لترتيب الاوضاع داخلها لكنهم فشلوا في اختيار بديل وعادوا يطلبون من الظواهري العمل معه في إطار "الجبهة". وظلت "جماعة الجهاد" تعتمد سرية شديدة في تعاطيها مع الاطراف الاخرى، ثم بدأت ممارسة نشاط اعلامي منذ العام 1993، الذي شهد اثنتين من اكبر عمليات التنظيم داخل مصر، أولها محاولة اغتيال وزير الداخلية الاسبق السيد حسن الألفي، والثانية محاولة اغتيال رئيس الوزراء الاسبق الدكتور عاطف صدقي. ويعتقد بعض عناصر الجماعة وقادتها ان الاعتماد على وسائل الاعلام في نقل او تمرير معلومات بعينها او نشر افكار واراء التنظيم اتى بنتائج عكسية، حيث تسبب في كشف اماكن يقيم فيها بعضهم. كما كان الاعلام وراء بعض المشاحنات والخلافات التى تفجرت بين قادة الجماعة حول قضايا مختلفة، مثل مسألة الدخول في جبهة بن لادن. وقبلها بسنوات مسألة مجاراة الجماعة الاسلامية في العمليات داخل مصر بالمخالفة لاستراتيجية الجماعة التي كانت تقوم على فكرة التخطيط للانقلابات العسكرية او شن هجمات مؤثرة تخلخل النظام وليس تلك التي تتسبب في كشف خلايا الجماعة، كما حدث في قضايا طلائع الفتح. يفضل خبراء "الارهاب" التمهل في استنتاجات بعينها، لكن ذلك لا ينفي أن "القاعدة" تحدثت مطولاً عن استهداف اسرائيلي من دون ان تستهدفها، وفي الذاكرة يبقى موقف الظواهري المعارض للتوجه السلمي الذي سار فيه تنظيم "الجماعة الاسلامية" عقب حادثة الاقصر، واصراره على المضي في الطريق الذي اختاره لنفسه. وسواء كان تنظيم "القاعدة" وراء تفجيرات سيناء أو لم يكن فإن الحادثة فتحت ملف العنف الاصولي من جديد. ويبدو أنه لن يغلق قريباً. * من أسرة "الحياة" في القاهرة.