تعاني الثقافة العراقية اليوم حالاً من الشرذمة والتشظي على مختلف الصعد، فهي متوزعة بين داخل وخارج، وبين هيمنة السياسيين وأحزابهم ومتطلبات الإرث الثقافي العراقي، وهو ضخم وكبير، لم تستطع سنوات "التسليع" التي مارسها نظام صدام حسين ان تطفئ مناراته. وفي خضم الفوضى الامنية والغموض السياسي للعراق، يسعى المثقفون الى اسماع صوتهم وبلورة مشاريع ثقافية تناسب المرحلة المقبلة. ويفترض ان تتوج بانتخاب حكومة شرعية ووضع دستور دائم وجلب الاستقرار والأمان للبلد. بادراك كل ذلك، وسعياً الى توفير اطر مناسبة لرسم استراتيجية السياسة الثقافية وآلياتها في عراق يتحول نحو الحرية والديموقراطية، تهيئ وزارة الثقافة لعقد مؤتمر المثقفين العراقيين، بمشاركة اوسع عدد ممكن من المثقفين، داخل العراق وخارجه. وسيحاول المؤتمر ان يرسم ملامح لما ينبغي القيام به على الصعيد الثقافي مستقبلاً، مساهمة في ارساء قواعد الوطن الذي حلم ويحلم به الجميع، آخذاً في الاعتبار ان الثقافة الوطنية الجادة والمسؤولة ستكون الرافعة لذلك الوطن. فمن دون اعمار روح الانسان العراقي يصعب الحديث عن اي اعمار مادي، وليس افضل من الثقافة دواء للأرواح المثقلة بسنوات من الحروب والحصار والقمع والتشرد. ويسعى المؤتمر الى اضطلاع المثقفين برسم سياسات واقعية، وبعيدة المدى، تساعد على قيام نظام فاعل ومستقر للانتاج الثقافي، واعتبار ذلك مهمة وطنية لاعادة صوغ الهوية الثقافية العراقية بعيداً من الحزبية والتشرذم الاثني والديني. وسيرسم المؤتمر معايير واضحة لدور وزارة الثقافة ومؤسساتها المختلفة بصفتها طرفاً منتجاً للثقافة، والتأكيد على ممارستها مهمة التنسيق والتكامل، مع المصادر غير الحكومية، لانتاج العملية الثقافية. وبحسب البرنامج المقترح للمؤتمر فهو يهدف الى رعاية التنوع الثقافي وتوفير فرص متكافئة للمبدعين والانتماءات الثقافية المتنوعة للتعبير عن نفسها في اجواء من الحرية والانفتاح. وهذا يساعد، بحسب رأي منظمي المؤتمر، على اقامة علاقة تفاعل حقيقي بين مؤسسات الوزارة والوسط الثقافي والفني، تقوم على المشاركة وحرية المبادرة، وكذلك تعدد مصادر تمويل العملية الثقافية. وسيضع المؤتمر على سلم اولوياته الاهتمام بالثقافة الجادة ومواجهة النزعات الاستهلاكية وسياسات السوق التي اضرت بمضامين او مهمات الثقافة وأبعادها الانسانية والحضارية الهادفة، وترسيخ آلية عمل ثقافي ذات طبيعة مستقرة ومتصاعدة الوتائر، ضمن مرحلة انتقالية صعبة وحرجة على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وتكون وسائل تنفيذ أو اقامة المؤتمر على النحو الآتي: يتألف المؤتمر من تسع عشرة ورشة عمل في الاختصاصات الثقافية والفنية المختلفة: ورشة المسرح، ورشة السينما، الموسيقى، الفن التشكيلي، التراث الشعبي، الكتاب والنشر، الترجمة، ثقافة الطفل، الآثار والتراث، ثقافة المرأة، المكتبة الوطنية، الثقافة العلمية، التشريعات المتعلقة بالثقافة وبوزارة الثقافة، مصادر التمويل الثقافي، هيكلية الوزارة، العلاقات مع الوسط الثقافي، المهرجانات والفعاليات الثقافية، تنمية الثقافات العراقية، الموروث العماري. وشكلت لجان خاصة بالمؤتمر قامت بالاشراف على ورش العمل والاجراءات الادارية والتنظيمية والمالية والمطبوعات. ومن المقرر ان توجه دعوات المشاركة في المؤتمر الى ممثلي القوميات والطوائف العراقية المختلفة، وكذلك الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والجامعات والاتحادات والجمعيات المعنية بالثقافة. وسيصدر خلاله دليل شامل يحتوي على تفاصيل عمل الورش وطبيعة النشاطات الثقافية والفنية المصاحبة للمؤتمر. وتصدر خلال المؤتمر جريدة يومية توثق نشاطات المؤتمر وفعالياته. وستنشر اوراق ورش العمل في الصحف المحلية، والعربية ان امكن، لغرض الاطلاع عليها. اذ تحدد الاسبوع الاخير من تشرين الثاني نوفمبر لعقد المؤتمر الذي يستمر 3 أو 4 أيام. ومن المقرر ان يعقد المؤتمر في بغداد وبحضور مثقفين وفنانين داخل العراق وخارجه. وستتوزع فعاليات المؤتمر على اليوم الاول وهو للافتتاح وفي اليوم الثاني تعقد ورش العمل، وفي الثالث يتم إقرار التوصيات وحفلة الاختتام. وتصاحب المؤتمر فعاليات ثقافية وفنية منها اقامة عرض مسرحي، وأمسية شعرية، ومعرض للكتاب.