دخل الاتحاد الأوروبي أزمة مؤسساتية لم يشهد مثيلها منذ قيام المجموعة الاقتصادية الأوروبية في العام 1957، و ذلك بعد اخفاق رئيس المفوضية المعين خوسيه مانويل باروزو في اقناع غالبية النواب في البرلمان الأوروبي بالالتزامات القيمية لأحد أعضاء التشكيلة الجديدة وبكفاءة نحو اربعة من اعضائها. واضطر باروزو للإعلان في ستراسبورغ أمس العدول عن عرض تشكيلة المفوضية كي يصادق عليها النواب، وقال أنه "استنتج في ظل الظروف الجارية ان التصويت لن يكون ايجابياً". وسيجري باروزو مشاورات مع قادة البلدان الأعضاء للخروج من الازمة، ويتوفر امامه خيار اقالة "رجل الأزمة" المفوض المعين ريكو بوتيليون ايطاليا وتغيير مهمات بعض الأعضاء الآخرين الذين كانوا هدفاً لانتقادات النواب الأوروبيين. وكان من المقرر ان تتولى المفوضية الجديدة مهماتها مطلع الشهر المقبل بعد ان تنال مصادقة البرلمان. وفي انتظار الحل الذي سيجده الرئيس المعين باروزو فإن الرئاسة الهولندية للاتحاد عهدت الى الرئيس الحالي رومانو برودي و زملائه "مواصلة ادائهم لادارة شؤون المفوضية". و قال الناطق الرسمي ريو كابينين ان برودي "كان أعد العدّة للمشاركة في مراسم توقيعه معاهدة الدستور يوم الجمعة في روما ثم الانتقال الى بيته في بولونيا. لكنه سيعود الى بروكسيل لمواصلة تصريف شؤون البيت". وجاءت هذه الأزمة عشية توقيع قادة الاتحاد غداً على وثيقة الدستور في القاعة نفسها التي شهدت توقيع معاهدة انشاء المجموعة الأوروبية في 1957 في روما. وكانت الأزمة نضجت مطلع الأسبوع الجاري بين رئيس المفوضية المعين وغالبية النواب الأوروبيين من اليسار والليبراليين، حي رفض باروزو سحب احد اعضاء تشكيلة المفوضية، روكو بوتيليون، الذي أثارت تصريحاته جدلاً حاداً في اوساط البرلمان وخارجه. اذ قال بوتيليون في احدى جلسات الاستماع الأولية امام النواب أنه "يعتبر الشذوذ خطيئة ويرى وجوب توفر الظروف الملائمة للعائلة حتى تتحمل المرأة دورها في الانجاب ورعاية زوجها". ويعد بوتيليون ضمن حلفاء رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلوسكوني و تنسب اليه علاقات صداقة مع بابا الفاتيكان. وإذ حصل باروزو على دعم نواب المجموعة الديموقراطية المسيحية، أكبر مجموعة سياسية في البرلمان. فإنه اصطدم بمعارضة غالبية النواب الاشتراكيين والخضر والليبراليين. و قال رئيس المجموعة الليبرالية بعد مبادرة الرئيس المعين ان "يوم الاربعاء امس شهد تزايد دور البرلمان". وحذر نظيره رئيس المجموعة الاشتراكية مارتن شولتز من عواقب تمسك ايطاليا بتعيين بوتيليون، وذلك في رد على تصريح وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني ظهر أمس "بأن بوتيليون لا يزال مرشح ايطاليا لعضوية المفوضية"، ما يوحي باستمرار المأزق خلال الأيام المقبلة وربما الى موعد لقاء القمة في الرابع من الشهر المقبل. و يرى المستشار في مركز السياسة الأوروبية في بروكسيل اربيهاريد رهاين ان الرئيس المعين تفادى "سقطة أشد لو غامر بعرض تشكيلة المفوضية على التصويت". واضاف رهاين ل "الحياة" ان الأزمة المؤسساتية "تدل الى نضج الديموقراطية الأوروبية بعدما اثبت البرلمان المنتخب بصفة مباشرة ثني عزيمة السياسيين المعينين من جانب الحكومات". ورأى الخبير الأوروبي في هذه الأزمة "ظاهرة صحية".