مهما كانت نتائج السباق الرئاسي، ستشكل السياسة الخارجية الاميركية محور جدل وتجاذب داخل صفوف الادارة التي ستحتل البيت الابيض خلال السنوات الاربع المقبلة. وفي حال اعادة انتخاب الرئيس جورج بوش، فإن التيار التقليدي في الحزب، سيسعى الى اعادة السيطرة على السياسية الخارجية، التي اختطفها المحافظون الجدد بعد اعتداءات 11 ايلول. إلا ان مشكلة التيار التقليدي، الذي يمثله"المحافظون القدامى"، هي في ان بوش يميل شخصياً الى تأييد"ايديولوجية"المحافظين الجدد، خصوصاً في تمسكهم بضرورة العمل بوسائل سلمية، وعسكرية إذا اقتضى الامر، لإطاحة الانظمة المستبدة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ونشر الديموقراطية على غرار ما جرى في اوروبا الشرقية في عهد الرئيس الاسبق رونالد ريغان. واظهر بوش اقتناعاً، في مناسبات عدة، بأن نشر الحرية في المنطقة مسألة حيوية للحد من ظاهرة التطرف والارهاب الذي يتهدد اميركا. إلا ان الانتكاسة التي تعرض لها المحافظون الجدد، بسبب تدهور الوضع في العراق، والذي يعزى الى تغليب الايديولوجيا التبشيرية على الخبرة والاحتراف في السياسة الخارجية، اعاد فتح ملف السياسة الخارجية، وعلاقتها بالامن القومي، على مصراعيه. ويعتبر مستشار الامن القومي في ادارة الرئيس بوش الاب، برنت سكوكروفت، أحد ابرز المنتقدين لسياسة بوش الخارجية من داخل الحزب الجمهوري، وهو يدعو الى التخلي عن سياسة"بناء الامم"التي تبنتها ادارة بوش الحالية، لمصلحة علاقات دولية اكثر براغماتية. ويؤيده في موقفه هذا، رغم عدم اعلانه عن ذلك صراحة، وزير الخارجية الاسبق جيمس بيكر، الذي خدم ايضاً في ادارة بوش الاب. وفي حال اعادة انتخاب الرئيس الحالي، فإن التشكيلة الجديدة في وزارة الخارجية، بعد انسحاب وزير الخارجية كولن باول، وكذلك في مجلس الامن القومي، ستعطي مؤشراً الى وجهة سياسة اميركا تجاه العالم في رئاسة بوش الابن الثانية. ولا يستبعد ان يعلن بوش فريقه الجديد، في حال فوزه، في غضون ايام قليلة بعد اعلان نتائج الانتخابات الاسبوع المقبل وبرز اخيراً اسم جون بولتون، مساعد وزير الخارجية لشؤون التسلح، كمرشح جديد لمنصب الخارجية، وهو ما قد يؤشر، في حال تعيينه، الى استمرار نفوذ المحافظين الجدد. من اللافت، في المقابل، ان فريق كيري الاستشاري يتحدث ايضاً عن سياسة خارجية شبيهة بتلك التي تبناها سكوكروفت في عهد بوش الاب، رغم ان المرشح الابرز لمنصب وزير الخارجية هو جوزيف بايدن، احد ابرز اعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيين، فضلاً عن السفير السابق الى الاممالمتحدة، ريتشارد هولبروك. ويؤشر ذلك الى ان سياسة اميركا الخارجية، بغض النظر عن الفريق الفائز، مرشحة لأن تشهد تحولاً نحو الاعتدال الوسطي بعد تعرض مشروع المحافظين الجدد للإنتكاس، فيما لم يعد بالأمكان التمسك بسياسات الحزب الديموقراطي الخارجية في عالم ما بعد 11 ايلول. غير ان كل الرهانات تصبح لاغية في حال تعرض اميركا لإعتداء ارهابي آخر. فسواء كان بوش ام كيري هو صاحب البيت الابيض، يمكن القول، بكل ثقة، ان المحافظين الجدد سيعودون، وبقوة، الى الواجهة مجدداً.