سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القوى العظمى تتنافس سلمياً.. وتتعاون في مواجهة الأخطار
العلاقات الأميركية - الروسية .. معطيات الانسجام والتنافر (1 - 2)

منذ ازدهار - الدول - الأمم في القرن السابع عشر، لم تعرف المجموعة الدولية ظرفاً أكثر ملائمة مما هو اليوم من أجل بناء عالم تتنافس فيه القوى العظمى سلمياً بدلاً من أن تكون باستمرار مستنفرة ومتأهبة للحرب. إن القوى الكبرى اليوم تعيش متجاورة في المعسكر نفسه ومتحدة في مواجهة الأخطار المشتركة . وتعرف روسيا في هذا السياق حالة من الانتقال الواعد باقترابها يوماً بعد يوم من مستقبلها الديمقراطي ولتصبح شريكاً في الحرب ضد الإرهاب، كما أن القادة الصينيين يكتشفون أن الحرية الاقتصادية هي المصدر الحقيقي الوحيد للثروة الوطنية. وذات يوم سوف يكتشفون أيضا أن الحرية الاجتماعية والسياسية هي المصدر الوحيد للعظمة الوطنية.
هذه الرؤية القائلة بتهدئة التوازن في العلاقات بين القوى الكبرى عرضها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في مقدمة «وثيقة الأمن القومي» الصادرة في أيلول سبتمبر من العام 2002.
بيد أن التنافس السلمي للقوى بين الولايات المتحدة والكتل الكبرى الأخرى بقى دوما حاملا لمتضمنات الصراع على النفوذ الدولي، وتلك سنة من سنن العلاقة بين القوى الكبرى .
وفي الفترة الأخيرة، جاءت الأحداث التي شهدتها أوكرانيا على خلفية الانتخابات الرئاسية لتكشف عما يشبه الحرب الباردة بين الشرق والغرب، بعد أن كان العالم قد وضع هذه الحرب خلف ظهره منذ 15 عاما .وقبيل تفجر الحدث الأوكراني، جاءت الأخبار من موسكو لتكشف عن حقيقة مماثلة، وذلك عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السابع عشر من تشرين الثاني نوفمبر الماضي بأن روسيا ستتزود قريبا بأنظمة جديدة من الأسلحة النووية وصفها بأنها «لا توجد ولن توجد خلال السنوات المقبلة لدى القوى النووية الأخرى ... وإننا لا نكتفي بإجراء أبحاث وتجارب لأحدث أنظمة الصواريخ النووية، بل إنني مقتنع أنها ستصبح جزءا من تجهيزاتنا خلال السنوات المقبلة».
و جاء الرد في اليوم نفسه من واشنطن بإعلان من وزارة الخارجية يقول إن خطط روسيا لنشر جيل جديد من الأسلحة النووية لا تمثل تهديدا للولايات المتحدة.
هذا في الوقت الذي تنص فيه معاهدة موسكو، التي وقعها الرئيس الأميركي جورج بوش والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام 2002، على تقليص عدد الرؤوس النووية الإستراتيجية بنسبة الثلثين.
وعلى الرغم من ذلك، كان يتوقع أن تحدِّث روسيا قدراتها النووية بتزويدها بأنظمة أكثر تطورا. وكان معظم التركيز على صواريخ (توبول إم) ذاتية الدفع المتحركة التي تجري روسيا تجارب لها تمهيدا لنشرها في العام 2006 ويرى الخبراء العسكريون أن أنظمة الصواريخ (توبول-أم) مصممة لمواجهة نظام الدفاع المضاد للصواريخ وأنها ستكون أكثر صعوبة في رصدها.
وفي ذات اليوم الذي أعلن فيه بوتين «مفاجأته»، قالت روسيا أن جيشها سيتلقى في العام 2005 معدات تتضمن أربعة صواريخ إستراتيجية قادرة على حمل رؤوس نووية وتسعة أقمار صناعية و17 دبابة متطورة وسفينتين. وأن القوات البرية ستتسلم منصتي إطلاق لصواريخ «اسكندر-ام» و17 دبابة «تي-09»، وناقلات جند مدرعة لثلاثة أفواج .أما سلاح البحرية فسيحصل على سفينتين في حين يتسلم سلاح الجو مقاتلة جديدة «تي-يو 160» وأخرى أعيد تحديثها وسبع مقاتلات «اس-يو 27 اس-ام» تم تحديثها وصواريخ جديدة جو-ارض شديدة الدقة.
وبيانات موسكو لم تصدر من فراغ، بل من شعور بالحاجة إلى إظهار القوة واستعراضها، فهناك امتعاض روسي معلن من قيام حلف شمالي الأطلسي (الناتو) بتنظيم طلعات حراسة جوية على طول الحدود مع روسيا، ونشره مقاتلات من طراز «اف 16» في أراضي استونيا، واستخدام طائرات «أواكس» قرب الحدود الروسية مع جمهوريات البلطيق الثلاث . فقد انضمت جمهوريات لاتفيا وليتوانيا واستونيا السوفياتية السابقة وأربع دول أخرى من دول شرق أوروبا إلى الناتو في نهاية آذار - مارس الماضي.
والآن دعونا نتحدث مباشرة عن العلاقات الأميركية الروسية وآفاقها، فهذا الموضوع هو أول ما تبادر لذهن المحللين والمراقبين وهم يستمعون إلى نبأ تعيين كوندوليزا رايس وزيرة للخارجية، فرايس باحثة وخبيرة في الشؤون السوفياتية والروسية، وقد ارتبط تاريخها العلمي والأكاديمي بهذا المجال أيما ارتباط .و سوف نتطرق لذلك عند التعرض لبعض جوانب سيرتها الذاتية . فيما يرتبط بالعلاقات الأميركية الروسية، ينقل عن الرئيس جورج بوش قوله في تصريح له في فيلادلفيا في أيار مايو من العام 2000، أي قبل أن يصبح رسميا مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية، أنه «قد حان الوقت لأن نترك الحرب الباردة وراءنا وندافع عن أنفسنا ضد التهديدات الجديدة التي يحملها القرن الحادي والعشرون وهناك طرق ايجابية وممارسات كي نثبت لروسيا بأننا لم نعد أعداء».
وتقليديا، اتخذ صحافيون ومراقبون كبار من أمثال مايكل ماندليوم وتوماس فريدمان وجورج كينان وغيرهم موقفاً واضحاً ضد أي عمل من شأنه استفزاز الروس، كما عارضوا توسيع إطار الحلف الأطلسي لأن ذلك بدا لهم بمثابة موقف لا يمكن لموسكو أن تتحمله.
وفي مقابل هذا الاتجاه، كان هناك من الخبراء من رأى في السلوك الأميركي حيال موسكو نوعا من الليونة والاسترخاء . وقبل وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض، وجد بعض الخبراء أنفسهم في التيار المعارض لإدارة كلينتون ولما أسموه ب «التالبوتية» نسبة إلى ستروب تالبوت، المهندس الرئيسي للسياسة الأميركية حيال روسيا خلال فترتي رئاسة بيل كلينتون .
وكانت تلك المعارضة ترى أن أميركا قد قامت من جانبها بكل ما هو مطلوب منها، بل وإنها بالغت فيما قدمته مما سمح لروسيا بموقع تطالب فيه بأكثر من دون أن تفي من جانبها بالتزاماتها، وخاصة على صعيد التسليح. واعتبرت هذه القراءة للسياسة الأميركية بأن الدعم الشخصي جداً للقادة الروس، وخاصة لبوريس يلتسين، أدى إلى عمى واشنطن وعدم قدرتها على رؤية الواقع.وكانت كوندوليزا رايس من القائلين بتلك الرؤية النقدية .
بيد أن مواقف رايس من موسكو، كما سنرى، قد أخذت أشكالا مختلفة، وتغيرت وفقا لمعطيات متغيرة، الأمر الذي يصعب علينا معه إدراجها ضمن تيار أيديولوجي محدد .
الوزيرة الجديدة
وكوندوليزا رايس هي التي أشرفت على كتابة البيان أو الأجندة التي ما برحت الإدارة الأميركية تتبعها في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية على وجه الخصوص. كان ذلك في العام 2000 ويومها كتبت كوندوليزا رايس خلال اشتداد الحملة الانتخابية للمرشح آنذاك الجمهوري جورج بوش قائلة: ينبغي للأميركيين أن ينطلقوا من الأرضية الوطيدة الثابتة التي تتمثل في المصلحة القومية وليس من مصلحة مجتمع دولي وهمي.
وعند سؤالها عما إذا كان هناك مفكر مختص بالسياسة الخارجية الأميركية قد أعجبت به على نحو خاص خلال دراستها العلاقات الدولية، قالت كوندوليزا رايس إنها معجبة جدا بهانز مورغنتو. ففي العام 1951 نشر مورغنتو كتيبا بعنوان: «دفاعا عن المصلحة القومية: دراسة نقدية للسياسة الخارجية الأميركية»، وفي ذلك الكتاب قدم المؤلف دحضا غير عاطفي للمثالية في السياسة الخارجية .
وقد قال عنها الرئيس جورج بوش، الذي يقدر أعظم التقدير مسألة ولاء الموظفين والمسؤولين لرئيسهم : «إنها وسيط نزيه، إنها لا تعرض علي وجهات نظرها الخاصة بشأن القضايا المختلفة» .
وقد ولدت كوندوليزا رايس، التي سميت باسم مقطوعة موسيقية إيطالية، في مدينة بيرمنغهام بولاية الاباما في العام 1954 وتزامنت طفولتها مع واحدة من فترات الغليان الاجتماعي الخطيرة في التاريخ الأميركي فقد كان عمر كوندوليزا ثماني سنوات في بيرمنغهام في العام 1963، حينما كانت المدينة الميدان الرئيسي لمعركة الحقوق المدنية .
والصحيح أن كوندوليزا قد عاشت في ثقافة ثانوية أصبحت الآن محطاً لحنين كبير بين السود في أميركا، وإن الأميركيين البيض لم يعترفوا تماماً حتى الآن بوجود طبقة وسطى سوداء مستقرة ومتطورة ومتدينة في الجنوب، قبل أيام الحقوق المدنية.
تخرجت كوندوليزا من جامعة دينفر في العام 1974، ثم أمضت عاماً في نوتردام لتحصل على درجة الماجستير في الدراسات الحكومية والدولية، قبل أن تعود إلى دينفر .ثم أصبحت طالبة دراسات عليا في قسم الدراسات الدولية. والميدان العملي الذي اختارته رايس ميدان يستطيع فيه الأكاديمي الطموح أن يناور دوماً ليجد لنفسه موقعاً حكومياً. وفي العام 1981 دخلت رايس مرحلة أكاديمية كبيرة حينما منحت زمالة مركز ستانفورد للأمن الدولي والسيطرة على التسلح .
ويرى بعض كتاب سيرتها أن العديد من المناصب السياسية التي شغلتها في واشنطن كانت نتيجة مباشرة لحضورها حفل عشاء بعد حلقة بحث أكاديمية في جامعتها ستانفورد في العام 1984، ألقى فيها سكوكروفت الذي كان رئيسا لمفوضية القوات الإستراتيجية في عهد الرئيس رونالد ريغان، خطابا عن السيطرة على التسلح. وبعد المحاضرة، تقدمت رايس، التي كانت تحتل منصبا في قسم العلوم السياسية في جامعة ستانفورد، لتتحداه على المنبر بخصوص بعض الأفكار التقليدية السياسية بملاحظة شديدة القوة. وعن ذلك اليوم قال سكوكروفت: «قلت في نفسي هذه امرأة يجب أن أتعرف عليها أكثر إنه موضوع مخيف للخوض فيه جدلا وها هي شابة تجادل فيه من دون خوف».
وهكذا بدأ سكوكروفت يجهز رايس لتحصل على منصب حكومي عبر دعوتها مرارا للمؤتمرات والندوات تتحدث وتقابل الناس . وفي العام 1989 حينما أصبح سكوكروفت مستشارا رئاسيا للأمن القومي عينها في مجلس الأمن القومي في موقع جعلها المرجع الرئيسي له في شؤون الاتحاد السوفياتي . وكان من حسن حظ كوندوليزا أن عينها سكوكروفت في مجلس الأمن القومي في العام 1989 في وقت اخذ حلف وارسو يتداعى وجدار برلين يتهاوى وكانت رايس منخرطة عن قرب في السياسة الأميركية تجاه هذين الحدثين وهذا ما كان له أثره في مكانتها العملية.
وبعد عودتها من واشنطن إلى ستانفورد، وصلت رايس إلى راع مهم آخر في شخص جورج شولتز، وهذا ما أعطاها الفرصة لتصبح عضوا في مجلس إدارة شركة شيفرون للنفط (وهو ما أدى بدوره أيضا لتعيينها في مجلس إدارتي مؤسستي تشارلز سكواب وترانس أميركا) كما أن شولتز شجع كوندوليزا على المشاركة في بعثات سياسية مهمة وشرفية إلى الشرق الأوسط وغيره من أنحاء العالم، التي لم تتعرف عليها في دراساتها . وفي العام 1993أصبحت كوندوليزا وهي في سن الثامنة والثلاثين في الموقع الثاني في جامعة ستانفورد.
وحين وصلت رايس لجامعة ستانفورد كانت ديمقراطية من الناحية الحزبية اسميا وتقول الآن إن السبب في تحولها إلى الحزب الجمهوري كان ملاحظة ذكرها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في العام 1980 مفادها انه شعر بالصدمة من الغزو السوفياتي لأفغانستان ورايس شعرت بالصدمة لكون الناس شعروا بالصدمة حيال هذا الغزو. وتقول إنها غيرت تسجيلها الحزبي في العام 1982، ومع ذلك فقد عملت بشكل غير رسمي في العام 1984 مستشارة لفاري هارت في حملته الانتخابية للحصول على ترشيح حزبه الديمقراطي له للرئاسة لكنها في العام 1988 حينما عرضت عليها ابنة كوربيل، مادلين أولبرايت، وظيفة في حملة مايكل دوكاكيس الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية، رفضت العرض لأنها ستصبح جمهورية . وحينما عادت رايس من واشنطن في العام 1991 بعد سنتين قضتهما في البيت الأبيض في عهد جورج بوش الأب لاحظ زملاؤها أنها أصبحت أكثر محافظة وعلى الرغم من أنها ظلت عضوا في قسم العلوم السياسية إلا أنها بدأت تمضي جزءا اكبر من حياتها المهنية في معهد هوفر.
غير أن أعضاء التيار الجمهوري المحافظ فعليا ضمن أوساط السياسة الخارجية الأميركية كانوا لا يزالون لا يرون في رايس واحدة منهم، ففي ذلك العالم من الجميل أن يكون المرء ديمقراطيا مرتدا شرط أن يكون ارتداده قد سبق موعد ارتداد رايس، أي قبل أن تحتمل مشاركة في مساعدة شخص ما ممن أرادوا إبعاد رونالد ريغان عن البيت الأبيض. وفي العام 1992، كعضوة في لجنة البحوث الرئاسية في جامعة ستانفورد، نجحت في ترك انطباع ممتاز لدى احد المرشحين وهو جيرهارد كاسبر في أول لقاء لهما حتى انه ما أن حصل على منصب رئيس الجامعة حتى عينها في منصب مدير الجامعة . وفي عام 1998 استقالت رايس من جامعة ستانفورد، وأصبحت رئيسة فريق مستشاري بوش للسياسة الخارجية.
ولنعد الآن لرؤية رايس للعلاقات الأميركية الروسية، في إحدى دراساتها السابقة، تقول رايس حول التكتيك الذي اتبعه جوزيف ستالين في عشرينيات القرن العشرين: « انتقل يميناً في البداية ليعزل اليسار السياسي، ثم تحرك يساراً ليعزل اليمين قبل أن يعود لليمين، بحيث لم يعد أمامه حينها أي منافسة من أي نوع، وقد وجدت أن هذا النوع من السياسة البيزنطية ممتع جداً. دائماً ما وجدت أن ذلك الجمع بين القوة والمرجعية الأخلاقية ظاهرة مثيرة بشكل خاص».
وفي رسالة الدكتوراه التي تقدمت بها عن العلاقات الحزبية - العسكرية في تشيكوسلوفاكيا، توصلت رايس إلى أن شبه الاستقلال الذي يتمتع به الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي هو افتراض مظلل لأن البلاد لا تزال تخضع لسيطرة محكمة من قبل موسكو، عبر آليات حلف وارسو. بيد أن رايس لم تكن من دعاة التشدد مع الاتحاد السوفياتي، أو لنقل لم تكن من أتباع المدرسة المثالية في رؤيتها لما يجب أن يكون عليه موقف واشنطن من موسكو .وقد كانت للمحافظين الجمهوريين تحفظاتهم على رايس في هذا الأمر .
وخلال أول عهد رايس بمجلس الأمن القومي في فترة بوش الأب كانت الكتلة السوفياتية تتفكك، وداخل الاتحاد السوفياتي كان بوريس يلتسين الشيوعي السابق وأول مسؤول روسي رفيع منتخب شعبيا نجما صاعدا في البلاد، غير أن ميخائيل غورباتشوف الإصلاحي والباقي على شيوعيته هو زعيم الدولة، وكان الرئيس بوش ومستشاره للأمن القومي برينت سكوكروفت ملتزمين بمواصلة العمل مع غورباتشوف بدلا من دعم يلتسين، على أمل التعجيل بزوال الإمبراطورية السوفياتية، فلم يكونا يتنبآن بزوالها بعد .
وضمن إدارة بوش كانت هناك مجموعة من أنصار يلتسين، من أعضائها بعض من أرفع مسؤولي إدارة بوش الابن، مثل نائب الرئيس تشيني ونائب وزير الدفاع بول وولفويتز، و لوسي ليبي، كبير موظفي تشيني . وكان الجدل الدائر بين الجانبين هو ما إذا كانت الولايات المتحدة يجب أن تدعم التغيير الديمقراطي في الخارج، وهو الجدل الذي لا يزال سائداً اليوم بخصوص أجزاء أخرى من العالم.
بيد أن رايس التي اختلفت مع المحافظين حيال التشدد مع غورباتشوف لم تكن في السنوات التالية راضية عن السياسة التي اعتمدها كلينتون حيال روسيا يلتسين، وقد وصفتها بأنها سياسة الأحاديث المرحة .
وقالت في مقابلة أجرتها معها مجلة «السياسة الدولية» الفصلية الصادرة في باريس في عددها لشتاء 2000/2001 في معرض الرد على سؤال حول تشخيصها لمستقبل العلاقة مع موسكو أنه « ليس سراً بالنسبة لأحد أنني لا أوافق على السياسة الروسية لإدارة كلينتون وخاصة فيما يتعلق بالمساعدة الاقتصادية لموسكو طيلة تلك الفترة، وفي الوقت الذي كان يعرف فيه الجميع بأن الفساد يستشري في ذلك النظام.. ليست ضد دعم عملية التحول، لكن على الروس أن يظهروا من جهتهم إرادة ولوج طريق الإصلاحات. المشكلة هي أن إدارة كلينتون قد ذهبت في دعمها لبوريس يلتسين حداً نسيت معه أن ترى على مستوى الحكومة وفي البلاد كلها. والنتيجة هي رؤية واشنطن كانت خاطئة تماما».
ورداً على سؤال عن توقعاتها بخصوص التوجهات التي ستنتهجها موسكو في السنوات المقبلة، قالت كوندوليزا رايس: «تشخيصي هو أن روسيا سوف تقترب أكثر فأكثر من الأمم العربية بما في ذلك العراق، وسوف يؤدي بها هذا التطور في النهاية إلى رفض بذل الجهود من أجل المساهمة في السلام»، وأضافت «اعتقد بإخلاص أن روسيا تشكل تهديداً بالنسبة للغرب عامة وللحلفاء الأوروبيين بشكل خاص، وهم ونحن لسنا على درجة كافية من الحذر في مواجهة المخاطر التي تمثلها الترسانة النووية وصواريخ موسكو».
وفي مقالة لها في «فورين افيرز»، عنونتها « بدعم المصالح القومية»، أكدت رايس على الاتجاه الفكري ذاته، فعبرت عن نفاد صبرها من هاجس كلينتون بمبدأ بناء الأمم، ذي الدافع الأخلاقي في بلدان مثل البوسنة وهاييتي والصومال وكوسوفو، واقترحت إعادة التركيز على الصفقات المتشددة بين الدول الكبرى.
تلك هي رايس الواقعية، المتأثرة بكتابات هانز مورغنتو، إلا أن قناعات رايس، كما أسلفنا، بدت على درجة ملحوظة من التحول .فلقد بدت رايس قريبة من المدرسة المثالية، ربما بسبب انخراطها المتزايد في الحزب الجمهوري الذي بدا متغيرا هو الآخر، أو لنقل متأثرا بتيار محافظ جديد.
وفي هذا الاتجاه، انتقدت كوندوليزا رايس الميول الدكتاتورية لدى موسكو، وقالت في نهاية شباط فبراير الماضي إن هناك أسبابا وجيهة لكي تشعر واشنطن بالقلق بخصوص روسيا نظرا لمخاطر التركيز الكبير للسلطات في أيدي الكرملين. ورأت في حديث لصحيفة «دي فيلت» : «إن الدوما (مجلس النواب في البرلمان) لا يتمتع سوى بتأثير بسيط فيما بدأ القضاء كما يرى العديد من الأشخاص يفقد استقلاله ووسائل الإعلام السابقة التي كانت مستقلة باتت الآن في معظمها تحت السيطرة الجزئية للدولة». وحول الوضع في الشيشان، رأت رايس في تصريح لها في السادس عشر من تشرين الثاني نوفمبر من العام 2002، أن السبيل الأفضل لإنهاء الصراع الدائر هناك هو الأخذ بالحل السياسي الذي «يمكن أن يأخذ في الاعتبار التطلعات المشروعة للشعب الشيشاني ويقر بان الشيشان هي جزء من روسيا .. حيث للمجموعات الاثنية تطلعات وعلاقات ثقافية خاصة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.