بعد نحو سنة على هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001 كنت في السفارة الأميركية في لندن. وكان موظفو السفارة علقوا على أحد الجدران الصحفات الأولى من الصحف الصادرة صبيحة اليوم التالي للهجمات. عندما رأيت هذه الصفحات أدركت انها المرة الأولى التي أقرأ فيها تقريراً صحافياً عن هجمات 11/ 9 9/ 11 بالترتيب الاميركي، فما كان علينا عمله آنذاك حرمنا من أي وقت للقراءة. عند وجودي في السفارة لم أستطع تحويل نظري عن تلك الصحف: القصة التي حملتها كانت قد أصبحت معروفة للجميع، لكنها لم تفقد تأثيرها:"أميركا تتعرض للهجوم... مقتل ألوف الأميركيين... أسواقنا المالية تتوقف... مسؤولو بنكنا المركزي مستعدون للتدخل في حال انهيار الأسواق... القوات الأميركية المسلحة في حال التأهب القصوى... الأميركيون يخافون المزيد من الهجمات". وأتذكر انني فكرت: القتلة الذين قاموا بالهجمات لم يحاولوا مجرد ارهاب الولاياتالمتحدة. الواضح من اختيارهم للأهداف انهم كانوا يحاولون، رمزياً، القضاء علينا. لقد اختاروا مركز قوتنا الاقتصادية، ومقر قوتنا العسكرية، ومقر حكومتنا الديموقراطية. هذه لم تكن اعمالاً اجرامية، بل اعمالاً حربية هدفها شلّنا كأمة. أي اننا وجدنا أنفسنا في حرب عالمية ضد عدو شديد التصميم. في بلادنا اليوم نقاش حول ما علينا القيام به في هذه الحرب العالمية على الارهاب. فالبعض يعتبرها اشتباكاً محدوداً، الغاية منه مطاردة ابن لادن و"القاعدة"، واتخاذ موقف الدفاع في بلادنا، وان نضع القضية خارج تفكيرنا ونأمل بأنهم لن يعودوا الى الهجوم علينا. انه في رأي هؤلاء صراع ضيق ضد عدود محدود. لكن هذا خطأ أساسي في فهم ما حدث لنا ذلك اليوم المصيري من أيلول - اليوم الذي كان يجب ان يغيّرنا كلنا. فالحرب العالمية على الارهاب تدعونا، كما فهم الرئيس بوش فوراً، الى حشد كل عناصر قوتنا الوطنية لدحر الارهابيين وايديولوجية الحقد التي تغذيهم وتجذب آخرين الى صفوفهم. نعم، علينا القبض على ابن لادن، وهو في هذه اللحظة هذا يواصل الهرب لأنه مطارد من جانب القوات الأميركية والأفغانية والباكستانية وغيرها. اضافة الى ذلك فإن أكثر من ثلاثة أرباع قادة"القاعدة"المعروفين والمرتبطين بهم قد قتلوا أو هم رهن الاحتجاز. ولم تعد أفغانستان ملاذاً آمناً لهم، بعد ما كانت قبل ثلاث سنوات تستضيف العشرات من معسكرات التدريب التي خرّجت عبر خمس سنوات ألوف القتلة المدرَّبين. كل هذه المعسكرات تم تدميرها الآن، كما أطحنا نظام الطالبان الذي آوى"القاعدة"ودعمها، وحلت محله حكومة أفغانية حرة تساعد جنود أميركا على مطاردة بقايا ارهابيي"القاعدة"والطالبان الذين لا يزالون يتخفون في الكهوف. نعم، علينا حماية بلادنا وضمان المزيد من الأمن لها. لقد شددنا الأجراءات الأمنية في المطارات والمرافىء، واختزنّا الأدوية المطلوبة وطوّرنا خطة شاملة لتحسين دفاعاتنا البيولوجية. كما حطمنا الحواجز البيروقراطية والقانونية التي كانت تمنع أجهزتنا الأمنية الداخلية واستخباراتنا الخارجية في التشارك في المعلومات عن التهديدات. وأعدنا تنظيم حكومتنا ونقوم باصلاح اجهزةالاستخبارات. لكن الارهابيين لا يحتاجون الى أكثر من نجاح واحد، فيما علينا ان ننجح مئة في المئة من الوقت في منعهم. من هنا فمن الاجحاف بحقنا أن نبقى في وضع الدفاع. بل اننا اذا لم نغير الظروف التي انتجت ايديولوجية على درجة من الحقد واليأس تدفع البعض الى صدم الأبنية بالطائرات أو ارتداء أحزمة النسف سنرى أبناءنا وأحفادنا يقاتلون في هذه الحرب بعد عقود من اليوم. لكن اذا اخترنا شن حرب واسعة ضد هذا الخطر العالمي، واذا اخترنا خلق أساس دائم للسلام، سنتمكن من دحر الارهابيين وايديولوجيتهم القاتلة وبناء عالم أفضل. شكّلت أميركا منذ 11/ 9 تحالفاً يضم نحو 90 دولة تتشارك في المعلومات وتتعاون في شكل وثيق لمكافحة خطر الارهاب العابر للحدود. وتمكنا من قتل أو اعتقال الوف الارهابيين، وقضينا على الكثير من المؤامرات وشتتنا خلايا ارهابية في مناطق تمتد من أوروبا الى الشرق الأوسط الى جنوب شرق آسيا. اننا نقوم بتغيير الميزان الجيو-استراتيجي ونقلّص عالم الارهابيين، وذلك من خلال العمل المباشر والديبلوماسية. ان من بين الأهداف الرئيسية لكل حرب أخذ أرض العدو، والحرب الحالية لا تختلف عن ذلك. لكن الطريقة التي نأخذ بها أرضهم تختلف. وأمام الدول الراعية للارهاب الخيار: التخلي عن دعم الارهاب أو مواجهة العواقب. وقد اختار الطالبان الطريق الأسوأ. لكن دولاً أخرى اختارت درب المسؤولية وهي الآن حليفة نشيطة في الحرب على الارهاب. فقد كانت باكستان قبل 11/ 9 من بين الدول القليلة التي اعترفت بنظام طالبان. وقبل فترة ليست بعيدة تمكنت"القاعدة"من تجنيد المؤيدين هناك من دون معارضة جادة. أما اليوم فرئيس باكستان صديق وحليف، وساعدت حكومته على اعتقال قتلة مثل خالد الشيخ محمد، مخطط هجمات 11/ 9 . كما تبذل قوات باكستان جهدها في اعتقال الارهابيين على الحدود مع أفغانستان. وكان للارهابيين حتى وقت قصير وجود مترسخ في المملكة العربية السعودية من دون مراقبة أو معارضة تذكر. أما اليوم فوضعت الحكومة السعودية يدها على المتعاونين مع الارهاب ومسانديه الماليين، كما اعتقلت أو قتلت ضمن حدود المملكة الكثيرين من أهم قادة"القاعدة". نتيجة كل هذه الجهود واضحة: عالم الارهابيين يزداد ضيقاً. الأمكنة التي يستطيعون فيها التحرك من دون خوف تتناقص باستمرار، ولن نهدأ الى ان لا يبقى للارهابيين مكان للاختباء. الجبهة الثانية للحرب العالمية على الارهاب هي وقف انتشار الأسلحة الأخطر في العالم. وقد أحرز الرئيس نجاحاً حقيقياً في وقف انتشار هذه الأسلحة القاتلة. سياسة الرئيس في ما يخص أسلحة الدمار الشامل واضحة: للدول أن تسعى الى أسلحة الدمار الشامل وتواجه ما يحمله ذلك من خطر وأكلاف. أو ان لها ان تتراجع عن ذلك وتدخل في علاقات أفضل مع المجتمع الدولي. وهناك بعض الدول التي أنصتت بعناية. وكان العقيد القذافي حكيماً عندما اختار التخلي عن أسلحته. وبفضل قيادة الرئيس بوش الصريحة والحازمة في مكافحة أسلحة الدمار الشامل نُقل الى الولاياتالمتحدة للخزن والتأمين العديد من الخطط النووية الحساسة وألوف القطع من المعدات الخطرة. لقد عبّأ الرئيس العالم في هذا الصراع. وقادت الولايات الجهود في مجلس الأمن لإصدار القرار 1540 الذي يطلب من الدول اصدار تشريعات لتجريم نشاطات نشر اسلحة الدمار الشامل، واصدار وتنفيذ تشريعات للسيطرة الفاعلة على الصادرات، وتأمين المواد الخطرة. كما أشار الرئيس في خطاب القاه في جامعة الدفاع الوطني في 11 شباط فبراير الماضي الى خطوات اضافية لتقوية نظام حظر الانتشار. اضافة الى ذلك نتخذ خطوات لوقف المتاجرة بهذا النوع من الأسلحة. ففي"مبادرة ضمان عدم الانتشار"، وهي من البرامج المتميزة لدى الرئيس، تتشارك أكثر من ستين دولة في المعلومات وتستعمل سلطاتها السيادية لتفتيش السفن والقطارات والطائرات والشاحنات التي تنقل حمولات مشتبه بها، ومصادرة المواد الخطرة اذا وجدت. وصادرنا السنة الماضية، بالتعاون مع حلفائنا البريطانيين والايطاليين والألمان، حمولة بحرية ضخمة من معدات الطرد كانت في طريقها الى ليبيا، وجاء ذلك في الوقت المناسب لإقناع الزعيم الليبي باتخاذ موقفه الجديد. قبل أقل من سنة كانت في باكستان شبكة يقودها العالم المختص بالسلاح النووي عبد القدير خان تتاجر بالمخططات والمعدات النووية لدول مثل ليبيا وايرانوكوريا الشمالية. وتمكنا من خلال تعاون وثيق مع حكومات أخرى من الرصد الدقيق لطبيعة الشبكة ونشاطاتها، التي كانت تعمل في ثلاث قارات. هذا المصدر الخطير للأسلحة القاتلة لم يعد موجوداً اليوم. واعترف عبد القدير خان بجرائمه، فيما يقبع نائبه في السجن، كما اعتقل أحد أهم عملاء الشبكة في جنوب أفريقيا السنة الماضية. وتستمر أميركا وبريطانيا وجنوب أفريقيا في مطاردة بقية اعضاء الشبكة لضمان عدم عودتها الى العمل أبداً، ولردع الآخرين عن التفكير بأن في امكانهم جمع الثروات ببيع تلك الأسلحة التي تهدد سلام العالم. اضافة الى ذلك كانت الولاياتالمتحدة الطرف الذي فضح المساعي الخطرة من ايرانوكوريا الشمالية لخدع المجتمع الدولي. ويركز العالم الآن أنظاره على ايران من خلال"الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، كما وجهت دول خمس الصين وروسيا وكوريا الجنوبية واليابانوالولاياتالمتحدة رسالة واضحة موحدة الى كوريا الشمالية، بأن عليها التخلص من برامجها للتسلح النووي. لكن هذه الانتصارات - على"القاعدة"، وعلى عبد القدير خان وأمثاله في العالم، وفي ما يخص ليبيا - ليست سوى معارك في الحرب العالمية على الارهاب. ولا بد لنا من أجل الانتصار الدائم أن نقوم بالمزيد - علينا تأكيد الحقيقة القائلة بأن تقدم مسيرة الحرية يجعل أميركا أكثر أماناً، وتراجع المسيرة يجعلها أكثر تعرضاً للخطر. وكان هذا دافع الرئيس ليخالف 60 عاماً من الاعذار والتساهل مع الافتقار الى الحرية في الشرق الأوسط أملاً في شراء الاستقرار عن طريق التضحية بالحرية. لكن المخاطر على أرهب ما تكون. فما دام الشرق الأوسط بمعناه الأوسع منطقة للطغيان واليأس والغضب فإنه سينتج رجالاً وحركات تهدد سلامة أميركا واصدقائنا. التزامنا الحرية يساعد الآن بالفعل في اثارة النقاش في انحاء الشرق الأوسط الكبير. ونرى من المغرب الى الأردن الى قطر اجراء الانتخابات والمزيد من الحماية للمرأة وبدايات التعددية السياسية. وأصدر القادة السياسيون وقادة المجتمع المدني ودوائر الاعمال نداءات متحمسة للتغير السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ورأينا في أفغانستان الأسبوع الماضي تلك الشهادة المثيرة على ما للتصويت من قوة. وتكلم جندي أميركي، مأخوذاً بما رآه في الانتخابات، واصفاً اصطفاف الأفغان قبل شروق الشمس وتحت الثلوج في انتظار دورهم للاقتراع. وتحدث عن صبرهم، وبعضهم من المعاقين، في الصفوف التي امتدت في واحدة من الحالات كيلومترين ونصف كيلومتر. وعن عناصر من الطالبان حاولت دخول بلدة لتخويف السكان ومنعهم من الاقتراع لولا ان السكان واجهوهم ومنعوهم من الدخول. لقد وجه شعب أفغانستان بهذا تأنيباً ساحقاً الى اولئك الذين لم يروا في البلد سوى الفوضى، وأن الولاياتالمتحدة فشلت في أفغانستان، والى الذين لم يعتقدوا بقدرة الحرية على تغيير حياة الناس، أو ان أميركا ستضطر الى فرض الحرية على شعب أفغانستان. لقد فشل الطالبان في وقف تقدم الحرية، وأدلى الأفغان بأصواتهم، ونجحت الانتخابات. التحديات المستقبلية موجودة، لكن أفغانستان بيّنت ما هو ممكن عندما تكون الديموقراطية بديلاً من الارهاب والقمع والخوف. وعندما يذهب العراقيون الى الاقتراع السنة المقبلة لانتخاب حكومة وانهاء تاريخهم الوحشي سنجد برهاناً آخر على قوة الديموقراطية. هذه الفرصة متاحة اليوم لأن أميركا وقوى التحالف أسقطت واحداً من أفظع وأخطر الأنظمة في الشرق الأوسط. فصدام لم يكن الطاغية الوحيد في زمننا الذي امتلك أسلحة الدمار الشامل فحسب بل انه استعملها في جرائم القتل الجماعي. لقد أنتج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ثم رفض الافصاح عن وجودها. وقام بعملية خداع منظمة لمفتشي الأممالمتحدة وانتهك عملياً قرار مجلس الأمن 1441 . لقد توقعنا كلّنا العثور على أسلحة الدمار الشامل. كل أجهزة الاستخبارات في العالم توقعت العثور عليها. لكن ما وجدنا كان ان استراتيجية صدام حسين برهنت على اننا لن نستطيع التأكد من عدم حيازته تلك الأسلحة. وكانت الطريقة الوحيدة لانهاء طموحاته، المدعومة بالمال والمعرفة والقدرة، هي تغيير النظام، وهي الحقيقة التي أدركها الكونغرس الأميركي في 1998 . لقد كان صدام حسين، كما جاء في تقرير دوليفر، ينتظر انتهاء العقوبات لكي يستطيع معاودة برامجه التسلحية من دون عائق. وكان يتحايل على العقوبات ويضعفها ويحصل على دخل غير مشروع وينفق قسماً منه على مواد وبضائع ثنائية الاستعمال من خلال شركات وهمية وخداع برنامج النفط مقابل الغذاء. موقفه لم يكن مجرد انتظار انتهاء العقوبات بل العمل على انهائها. واعطى المغريات لدول وشركات وأفراد ليجعل لهم مصلحة في نجاح النظام. ويبين تقرير دوليفر ان صدام كان سيصبح عاجلاً أم آجلاً في وضع يسمح له بالعودة الى هدفه في امتلاك اسلحة الدمار الشامل وجعل العراق القوة المسيطرة في الشرق الأوسط والمهددة للولايات المتحدة وحلفائنا. نظام صدام حسين الوحشي والخارج على القانون شكّل تهديداً فريداً في نوعه لأميركا والشرق الأوسط والعالم . لقد عذّب شعبه وغزا جيرانه واطلق النيران على الطيارين في منطقتي حظر الطيران. كان الخطر من صدام حسين يعتمل منذ سنين من دون حل يلوح على الأفق. الا أن هجمات 11/ 9 ألقت عليه ضوءاً مختلفاً تماماً: الاحتمال الأكثر اثارة للرعب في زمننا هو قيام دولة مارقة بتقديم أسلحة للدمار الشامل الى شبكة ارهابية. وكان صدام حسين آوى ارهابيين وادام صلات مع ارهابيين، وكان عدواً معلناً لأميركا وعدواً معلناً لحلفائنا. ولم يكن لأي رئيس أميركي بعد 11/ 9 ان يقف مكتف الأيدي ازاء خطر كهذا. وما دام صدام حسين في السلطة مهدداً شعبه ومهدداً العالم من موقعه في قلب المنطقة الأكثر اضطراباً في العالم فهو كان سيبقى عدواً رئيسياً للأمل والتقدم في الشرق الأوسط الأوسع. المرحلة منذ تحرير العراق كانت صعبة. لكن هناك الآن حكومة عراقية موقتة تهيء لانتخابات انتقالية هي الانتخابات العامة الحرة الأولى في تاريخ ذلك البلد. وفي نهاية السنة سيصل عديد قوات الأمن العراقية الى 125 ألف عنصر، ليقوم العراقيون بقسط أكبر من المسؤولية عن أمنهم. العراقيون اليوم يواجهون التحديات بكل شجاعة وصلابة. السنة المقبلة سيقوم مجلس منتخب بإعداد دستور جديد بلائحة للحقوق تؤطر عمل الحكومة الدائمة المقبلة. وحسب الدستور سيتوجه العراقيون مجددا الى صناديق الاقتراع في كانون الثاني ديسمبر 2005 لانتخاب حكومة دائمة. فيما سيصل عديد قوات الأمن بحلول شباط فبراير المقبل الى 145 ألف عنصر، ثم الى 200 ألف بالتزامن مع موعد الانتخابات الجديدة. عند تلك النقطة سيكون العراق أنجز لنفسه ما سعت اليه الشعوب عبر قرون: حكومة صالحة تحمي حقوقهم وتمكنهم من تلبية تطلعاتهم بحرية وسلام. يحاول الارهابيون وبقايا نظام صدام حسين، عن طريق التفجيرات الانتحارية وقطع الرؤوس وغير ذلك من الاعمال الارهابية البشعة، منع العراقيين من التوصل الى هذا الهدف. ولا شك ان الأسابيع المقبلة ستشهد المزيد من العنف. ذلك لأن هؤلاء القتلة يدركون ان العراق سيتخلص منهم ومن وحشيتهم وايديولوجيتهم للقتل. انهم يعرفون ان نجاح الديموقراطية في العراق سيوجه ضربة قاتلة لتطلعهم الى فرض نظام مشابه للطالبان على الشرق الأوسط بأسره. العراق جبهة مركزية في الحرب على الارهاب ولا بد من دحرهم هناك. انهم سيُهزمون بالتأكيد. ان تكتيكاتهم، بوحشيتها وما تكلفه يوميا من الدم والدمار، تجتذب عناوين الصحف. لكن استراتيجيتهم لن تنجح. انهم يسعون الى تخويف قادة العراق من خلال الاغتيالات وغيرها من أشكال العنف. انهم يحاولون تدمير الروح المعنوية لدى قوات الأمن العراقية ومنع انضمام العناصر الجديدة، لكن نشهد كل يوم المزيد من العراقيين الشجعان الذين يتطوعون لخدمة بلدهم. انهم يحاولون اذكاء العنف الطائفي لكن الشيعة والأكراد والسنة والأقليات الأخرى يواصلون العمل على بناء عراق موحد. العراقيون سيحصلون على المستقبل الذي يريدون والحكومة التي يستحقون بالرغم من العنف في العراق. في أفغانستان والعراق يتواصل العمل على احلال الحرية محل الطغيان. انها مرحلة اضطراب لكنها أفضل بكثير من الاستقرار المزيف الذي كان للعالم قبل انهيار البرجين في نيويورك. واذ نقف هنا اليوم يواجه أميركيون وأميركيات يرتدون البزة العسكرية الأخطار في دفاعهم عن الخط الأمامي للحرية. المحزن ان كثيرين منهم قدموا التضحية الأعظم، فيما اصيب غيرهم بجروح خطيرة معيقة. لكن لا يمكن أبداً الظفر بشيء ذي قيمة من دون تضحيات. وستكون تركتهم عالماً تم فيه دحر التنظيمات الارهابية وايديولوجيا الحقد التي تستولد تلك التنظيمات. وسيأتي ذلك لأبنائنا واحفادنا بالسلام والأمن الدائمين. بدأت كلامي اليوم بالقول أن هناك نقاشاً واسعاً في بلادنا عمّا تتطلبه منا الحرب العالمية على الارهاب. سيداتي وسادتي، انها ليست اشتباكاً محدوداً، بل الصراع الأكبر في زمننا. اننا لسنا الجيل الأول الذي يواجه صراعاً حاسماً أو الذي يُستدعى لحماية الحرية. المرة السابقة التي كنت فيها في الحكومة في واشنطن كانت من 1989 الى 1991 . وكنت محظوظة، اذ كنت خبيرة في الشؤون السوفياتية في البيت الأبيض في نهاية الحرب الباردة، وتمكنت من المشاركة في تحرير أوروبا الشرقية، وأيضاً من المساهمة في توحيد ألمانيا ومشاهدة انهيار الاتحاد السوفياتي. كانت مرحلة مثيرة لكل منا. لكننا ندرك عندما ننظر الى الماضي اننا في الحقيقة لم نفعل أكثر من قطف ثمار القرارات الحكيمة التي اتخذت في 1946 و1947 و1948، عندما أيقن ترومان وكيننان وغيرهما اننا لم نكن في اشتباك محدود مع الشيوعية، بل كان ذلك الصراع الحاسم في زمننا. ولا بد ان العالم بدا بالغ الصعوبة وقتها، لأن الشيوعيين في فرنسا وايطاليا احرزوا انتصاراً كبيراً في انتخايات 1946- ما يصل الى 40 في المئة من الأصوات في البلدين. وكان الألمان في 1946 يعانون المجاعة، وقال كثيرون ان عملية اعادة اعمار ألمانيا قد فشلت. وفي 1947 كانت هناك حرب أهلية في تركيا. وفي 1948 تم تقسيم المانيا من خلال جدار برلين، وسقطت تشيكوسلوفيا بيد الشيوعيين اثر انقلاب. وفي 1949 فجر الاتحاد السوفياتي قنبلة نووية، مستبقا الجدول الزمني المحدد لذلك بخمس سنوات، كما شهدت السنة نفسها انتصار الشيوعيين في الحرب الأهلية الصينية. هذه كلها لم تكن مجرد نكسات تكتيكية. وعرف شعب الولاياتالمتحدة وقيادته ان لا سبيل الى التراجع أمامها، بل انها دعتنا الى التقدم، الى النظر الى اعماقنا والايمان بقوة الحرية وقوة الديموقراطية، والصمود أمام التهديد العسكري السوفياتي وتعبئة كل عناصر قوتنا، ولأنهم قاموا بذلك كان للرئيس بوش بعد 15 سنة على سقوط السوفيات أن يجلس الى الطاولة مع المستشار الألماني غيرهارد شرودر أو رئيس وزراء اليابان كويزومي، وان يجلسوا سوية ليس فقط كأصدقاء وحلفاء، بل كأصدقاء وحلفاء ديموقراطيين. أوروبا وآسيا أصبحتا أكثر أماناً بالنتيجة، وهذا ما سيحصل في الشرق الأوسط. * مستشارة الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي.