يبدو ان جنوب افريقيا تحاول ان تكون الأعلى صوتاً في قارتها، في ضوء اقتراح منح القارة السمراء مقعداً دائماً في مجلس الأمن، وبعدما رشحت نفسها لهذا المقعد منافسة كلاً من نيجيريا ومصر. وفي هذا السياق يمكن فهم موقف جنوب افريقيا وإعلانها في ايلول سبتمبر الماضي الاعتراف بالجمهورية الصحراوية. وهذا الإعلان يثير الكثير من الاعتبارات، بخاصة ان قضية الصحراء تمر في مرحلة دقيقة بعد تخلي المبعوث الدولي جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي السابق، عن مهمته في شأنها، مما ولّد ضغطاً كبيراً على المغرب انعكس توتراً حاداً في العلاقات الجزائرية - المغربية. الاعتبار الأول يتعلق بتوقيت القرار. وهذا التوقيت له جوانب متعددة، احدها يتعلق بجنوب افريقيا التي تريد ان تلعب دوراً ملموساً في السياسات الإقليمية، وآخر يتعلق بالمغرب الذي يشعر بأن التطورات تصب في اتجاه رغبة الرباط في ان يصبح اقليم الصحراء جزءاً من التراب المغربي، أو، في احسن الأحوال، يتمتع بالحكم الذاتي في إطار وحدة التراب المغربي. وجانب جزائري يتعلق بشعور الجزائر بأن قضية الصحراء التي تنسحب لا يجوز التخلي عنها سواء باعتبارها ورقة للعلاقات مع المغرب او انها استمرار للموقف الجزائري التاريخي منذ عام 1975، خصوصاً ان حكومة الجمهورية الصحراوية في المنفى تقيم في الجزائر. اما الاعتبار الثاني فيرتبط بجنوب افريقيا نفسها ومصلحتها في الإعلان عن هذا الموقف في هذا الوقت، إذ ان جنوب افريقيا العنصرية كانت تعارض حق تقرير المصير في الصحراء، وهو الحق الذي اكدته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري عام 1975، وترجمته الجمعية العامة للأمم المتحدة الى موقف سياسي لم يلبث ان تبنته منظمة الوحدة الافريقية عام 1982، وأصبح الموقف الدولي في شأن قضية الصحراء هو ان تقرير مصير شعب الصحراء يجب ان يتم من خلال الاستفتاء، ولا تزال الأممالمتحدة تحضر لهذا الاستفتاء حتى الآن. ويلاحظ في هذا الصدد ان الخطوات الجدية لترتيب الاستفتاء كانت دائماً تتأرجح بحسب الفرص السياسية لإجراء الاستفتاء او تجاهله، لكن خطوة مهمة تمت وهي إرسال قوات دولية الى الصحراء. اما مصلحة جنوب افريقيا فترتبط بما يبدو للمراقب من ان جنوب افريقيا الجديدة الديموقراطية ذات الوجه الافريقي تريد ان تلعب دوراً افريقياً حاسماً، ولذلك صححت موقف جنوب افريقيا العنصرية في قضية الصحراء، وربما تريد بهذا الموقف ان تضيف الى ديبلوماسيتها الافريقية ما يقنع افريقيا بأحقيتها في تمثيل القارة على مختلف الأصعدة، وبخاصة الحصول على مقعد افريقيا الدائم في مجلس الأمن. لكن جنوب افريقيا تدرك جيداً عدداً من الحقائق السياسية التي لا يجوز إغفالها، وأولها ان هذا الاعتراف يؤدي الى الإضرار بالموقف المغربي مما يسيء الى العلاقات بين جنوب افريقيا والمغرب، كما انه لا يخدم الموقف الدولي في القضية من الناحية الديبلوماسية، ولكنه يعزز الموقف القانوني على النحو الذي حددته محكمة العدل الدولية. وتعلم جنوب افريقيا ايضاً ان هذا الموقف قد لا يرضي الولاياتالمتحدة التي تساند المغرب في قضية الصحراء، بخاصة ان جنوب افريقيا في حاجة ماسة الآن الى الدعم الأميركي لمساعيها على المستوى الافريقي والدولي. وتعلم جنوب افريقيا ايضاً ان هذا الموقف يعد مرة اخرى انقسام في القارة الافريقية ولكن بطريقة مختلفة، لأن قضية الصحراء عندما عرضت على المستوى الافريقي، وبخاصة قبول الجمهورية الصحراوية عضواً في منظمة الوحدة الإفريقية كانت له ملابسات منها ان ميثاق المنظمة كان يعطي الأمين العام الحق في الاتصال المباشر بالدول الأعضاء لتحديد مواقفها من طالب العضوية، وأن يعلن النتيجة، فانقسمت القارة انقساماً شبه متساوٍ، وهذا يفسر في شكل اوضح في ذلك الوقت ثقل كل من الجزائر والمغرب في القارة، وكانت الجزائر تتمتع بثقل كبير مما اعتبر هزيمة للديبلوماسية المغربية، فانسحب المغرب من المنظمة الافريقية، وأعلن نظريته في عدم الاعتراف ومؤداها ان اعتراف اي دولة بجمهورية الصحراء يؤدي الى قطع العلاقات الديبلوماسية للمغرب مع هذه الدولة. وإذا علمنا انه في عام 1982 اعترفت حوالى 112 دولة وهي الغالبية الساحقة من اعضاء الأممالمتحدة بالجمهورية الصحراوية، اتضح مدى المأزق الذي وقع فيه المغرب من الناحية الديبلوماسية. وفوجئ المغرب بأن نظريته فشلت فشلاً كاملاً وأثرت في علاقاته الخارجية. اما الآن في عام 2004 فإن قضية الصحراء لا تثير حماسة كبيرة في افريقيا بعد تصدع الجبهة المؤيدة لها، وهي جبهة الدول اليسارية والاتحاد السوفياتي السابق. ولذلك لن يساعد قرار جنوب افريقيا بالاعتراف بالبوليساريو في حل القضية، ولكنه يؤدي الى تفاعلات في السياسات الاقليمية، ولذلك يثار السؤال حول مدى درس الآثار المترتبة على هذا القرار بالنسبة الى عدد آخر من الاعتبارات وأهمها الاتحاد الافريقي والعلاقات العربية - الافريقية. وقد يطرح السؤال حول ما اذا كان قرار جنوب افريقيا يمكن ان يكون ايجابياً ام سلبياً في العالم العربي، وعن اثره في فرص التعاون العربي - الافريقي، وأثره في فرص جنوب افريقيا للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. يبدو ان هذا القرار ليس مفهوماً في العالم العربي في ظل قضية قديمة يتابعها هذا العام من منطلق واحد وهو الحرص على العلاقات الجزائرية - المغربية، اكثر من حرصه على حصول شعب الصحراء على الحق في تقرير المصير، فهي في الواقع قضية نائمة في المفهوم العربي، وربما نظر الكثيرون بدهشة الى هذا القرار، بل ربما شعر المراقبون بأن جنوب افريقيا تصدّر للمرة الأولى مشكلة للعلاقات العربية. اما أثر القرار على مستقبل التعاون العربي الافريقي، فيبدو، ومن دون تسرع في إصدار الأحكام، ان القرار في مجمله قد لا يكون ايجابياً في هذا الاتجاه، ولكن ذلك يعتمد على موقف الدول العربية - الافريقية، وكذلك موقف الدول الافريقية الأخرى من القضية. وهناك ثلاثة معايير ينبغي ان تحكم التعامل مع هذه القضية اولها العلاقات الجزائرية - المغربية، وثانيها التعاطف مع شعب الصحراء ومنحه فرصة تقرير مصيره، والثالث دعم جهود الأممالمتحدة الواضحة التي تقوم على ان لشعب الصحراء الحق في تقرير مصيره، وأن الوسيلة الوحيدة لمعرفة رأيه في كيفية تقرير مصيره هي الاستفتاء. ولا شك في ان الاستفتاء إما ان يكون مفتوحاً، حيث تتضمن ورقته السؤال عما يريد شعب الصحراء، وإما ان يضع خيارين: بين الاستقلال او الانضمام الى المغرب. ويمكن ان يكون الانضمام كوحدة سياسية، كما يمكن ان يكون بمثابة ضم للإقليم ضمن التراب المغربي. لا شك في ان موقف جنوب افريقيا تمليه اعتبارات المبدأ، كما انه ينطلق من قناعة بحق شعب الصحراء في تقرير مصيره. لكن حسن النية لا يدفع الاعتقاد بأن الاعتراف بجمهورية الصحراء الآن يتناقض مع الموقف الدولي، لأن هناك فرقاً بين الاعتراف بجمهورية الصحراء والاعتراف بحق تقرير المصير، ويبدو ان قرار جنوب افريقيا الاعتراف بالجمهورية الصحراوية قد يعقد مساعي المجتمع الدولي لترجمة حق تقرير المصير والوصول به الى صورة من الصور المقبولة في التعامل الدولي. ومعنى ذلك ان الاعتراف بالجمهورية الصحراوية هو مصادرة لما يمكن ان يسفر عنه الاستفتاء، وهو تشجيع لاتجاه الاستقلال، وهذا هو السبب في ان رد فعل المغرب كان عنيفاً وتضمن استدعاء السفير للتشاور، وربما ادى ذلك الى تجميد العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. فهل تدرك جنوب افريقيا هذه الملابسات ولكنها تخاطر في سبيل مصلحة واضحة لها، على اية حال فإن جنوب افريقيا لا تزال جديدة على الساحة الافريقية، لكنها بالتأكيد يملؤها طموح الدور الإقليمي الكاسح الذي لا يحتمل ادواراً موازية او منافسة. * كاتب مصري.