لا يُعقل أن يكون الرئيس الجزائري أخطأ في استخدام الكلمات التي ضمَّنها رسالته الى الأمين العام لجبهة "بوليساريو". الأرجح انه تعمَّد الحديث عن "استقلال" الصحراء، وعدم استخدام الديبلوماسية التي تفترضها اطلالته الأولى على هذا الملف الشائك والمزمن بين الجزائر والمغرب. هذا يعني ان عبدالعزيز بوتفليقة يفضل تأجيل كل شيء مغاربياً، من تحقيق انفراج في العلاقة مع المغرب الى إحياء الاتحاد المغاربي. ويعني ايضاً ان الجزائر تفضل استضافة القمة الافريقية المقبلة في غياب ممثلي الرباط، التي دأبت على مقاطعة منظمة الوحدة الافريقية طالما انها لا تزال تحتفظ بعضوية "بوليساريو" او ما يسمى "الجمهورية الصحراوية". هذا الوضع لم يكن يوماً موضع ارتياح الافارقة، الذين لم يشأوا مع ذلك طرح الموضوع لمعالجته بحل منطقي. والمنطق يقول انه طالما ان ليست هناك "جمهورية صحراوية" معروفة دولياً ومعترف بها فلا داعي لاقحام منظمة الوحدة في انحياز لا معنى له. اكثر من ذلك، لا داعي لاستخدام منظمة الوحدة نفسها اداة في صراع ثنائي غير معلن، فحتى لو ان الظروف السياسية اتاحت للجزائر مثل هذا "الانتصار" فإنه بالتأكيد "انتصار" فقد فحواه ومغزاه ليتحول الى مجرد مماحكة اقليمية لا جدوى منها. على رغم ان بوتفليقة حرص على الاشارة الى قرارات الأممالمتحدة واتفاقات هيوستن، وكلها تدور حول اجراء استفتاء لتقرير مصير الصحراء، الا ان تجاهله الكلام عن الاستفتاء وتغليبه الكلام عن "الاستقلال" لفتا الى ان المصطلحات البومدينية لا تزال في اذهان "اللوبي الصحراوي" في صفوف الضباط. لكن الأهم ان الرئيس الجزائري لم يفوّت الفرصة المتاحة، او المبرمجة، للتلويح بأن الجزائر لا تعتبر ملف الصحراء محسوماً او منتهياً من جانبها وانما هي لا تزال عازمة على استثماره في اعادة ترتيب العلاقات الاقليمية، بل العلاقات المغاربية - الدولية. أقل ما يمكن ان توصف به خطوة الرئيس الجزائري انها "غير ودية" حيال المغرب. وهي تناقض المعلومات التي توافرت عن وجود اتصالات بين البلدين، عبر وساطات، بغية تحسين العلاقة بينهما وتطويرها. لكن بوتفليقة قد يكون اختار الورقة الخطأ لتحقيق ما سماه في حملته الانتخابية "اعادة الاعتبار والمكانة المحترمة" للجزائر. فمهما قيل عن "إلتزام" الجزائر قضية الصحراء، فإن الواقع يكذب ذلك، لأن الصحراء ليست قضية وطنية ولا تعني اياً من القوى السياسية الجزائرية في توقها الى ترتيب الوضع الداخلي واخراج البلد من الاجواء الثقيلة التي خلَّفتها الحرب الأهلية. كثيرون يعتبرون انه باستفتاء او بغير استفتاء لن تحل قضية الصحراء عملياً إلا بتوافق مغربي - جزائري. والمشكلة ان الجزائر لم تعطِ يوماً انطباعاً او اشارة بأنها "جاهزة" لمثل هذا التوافق، وقد أدت مشاكلها الداخلية الى بلبلة هذه "الجهوزية" وتأجيلها الى ما لانهاية. لكن الواقع هو الواقع، وهو يقدم معطيات واضحة بأن الصراع حُسم عسكرياً، بل حُسم بشرياً بدليل ان المخيمات التي تؤويها الجزائر لم تعد تحوي شعباً يمكن ان يشكّل نواة دولة. وإذا كانت الدولة تعني ايضاً، وخصوصاً، بنية اقتصادية واجتماعية وتنموية فإن هذه البنية لا توجد في تلك المخيمات وانما في المغرب. من حق الصحراويين ان يقرروا مصيرهم، وقد اقرّت لهم الأممالمتحدة هذا الحق، ثم اوجدت له آلية تحققه عبر استفتاء يؤجل من سنة الى سنة من دون أي سبب جوهري. فحتى لو جاء هذا الاستفتاء بنتيجة مرضية للجزائر، فهل يعني ذلك انها ستجترح دولة من لا شيء؟ الأكيد ان ما يمكن ان تعتبره انتصاراً لن يكون شيئاً آخر سوى مزيد من المشاكل، ولدى الجزائر من المشاكل ما يكفيها ويزيد. والصحراء بصحراوييها لم تكن ولن تكون اولوية جزائرية. هناك فارق بين استخدام قضية لمجرد العبث، وجعلها قضية وطنية كما فعل المغرب. ففي هذه الحال، على الأقل، يجد الصحراوي لنفسه ولعياله مكاناً يعيش فيه ويمارس حياة بمواصفات أي حياة انسانية.