حينما نشر الكاتب الصحافي ليستر مقالة في "أتلانتيك منثلي" كانون الثاني/ يناير 1999 Atlantic Monthly عنوانها "ما القرآن؟" What is Koran?أثار قدراً كبيراً من الانفعال المتسم بالغضب عند من قرأ المقال من المسلمين ولا سيما في الغرب وتساءل شباب المسلمين أين علماؤنا كي يردوا على ادعاءات ليستر المشككة في سلامة النص القرآني. كانت المقالة عن مخطوطات جامع صنعاء القرآنية، وادعى ليستر - مستنداً إلى مقالة كتبها المستشرق بوين أحد الباحثين في مخطوطات جامع صنعاء - وجود فروق بين تلك المخطوطات وبين النص القرآني المطبوع الذي بين أيدينا اليوم. واختتم مقالته بتحدٍ سافر قائلاً إن المسلمين عاجزون تماماً عن الدفاع عن عصمة القرآن بطريقة علمية منهجية. الرد على تحدي ليستر أخذ من العلاّمة محمد مصطفى الأعظمي ثلاث سنوات ونصف السنة وكان الرد كتاباً جديداً يضاف إلى قائمة كتب الأعظمي المتميزة وعنوانه: "تاريخ النص القرآني من تنزيله إلى جمعه: دراسة مقارنة مع العهد القديم والعهد الجديد". والأعظمي لمن لا يعرفه سبق أن فاز بجائزة الملك فيصل في خدمة السنّة النبوية. وكان بحثه رداً على المستشرق غولدتسيهر في تشكيكه في السنّة النبوية، وبحث الأعظمي هذا هو أطروحته للدكتوراه التي تخرج بها من بريطانيا. كتاب الأعظمي الجديد جاء في عشرين فصلاً موزعة على ثلاثة أقسام: القسم الأول منها كان عن تاريخ النص القرآني والثاني كان عن تاريخ تدوين العهدين القديم والجديد، أما الثالث فكان تقويماً لأعمال المستشرقين في دراساتهم القرآنية. تناول الأعظمي جمع القرآن في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان رضي الله عنهما وتناول المعايير التي وضعها الصحابة في ذلك. كان توجيه أبي بكر لزيد الذي ترأس فريق جمع القرآن ألا يقبل من احد شيئاً من القرآن حتى يحضره مكتوباً ومعه شاهدان يشهدان أنه تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أصل اعتمادهم على الكتابة الموثقة، أما الحفظ فقط فكان يستخدم للتثبت من الكتابة فقط. وناقش الأعظمي القراءات ومتى تكون معتبرة فذكر ثلاثة معايير لها عند المسلمين وهذه المعايير هي أن تكون القراءة: 1 - ثابتة بأكثر من طريق بالسند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. 2 - ومتفقة في رسمها مع مصحف عثمان. 3 - ومتفقة في النطق بها مع قواعد اللغة العربية. ومما تناوله الأعظمي شكل كتابة الحروف العربية وطريقة كتابة المصحف. ولعل هذا الفصل أهم جزء في الكتاب. والذي دفع الأعظمي لتناول هذا الموضوع هو ما يثيره بعض المستشرقين من أن الكتابة لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يرى أن الخط الكوفي لم يكن معروفاً إلا في القرن الثاني الهجري، وعلى هذا فأي مصحف مكتوب بهذا الخط فهو مكتوب في القرن الثاني أو الثالث وليس في القرن الأول. وكي يناقش الأعظمي مزاعم المستشرقين رجع إلى الحفريات والنقوش العربية الموجودة في المتاحف وأورد ما ينقض تلك المزاعم. ومما ناقشه الأعظمي أيضاً تاريخ إضافة النقط والحركات إلى الخط العربي وأورد في هذا الصدد صوراً لحفريات عربية منقوطة مكتوبة قبل الإسلام. والأعظمي يتفق مع الرأي العام في أن المصاحف الأولى كتبت غير منقوطة، ولكن هذا لا يعني أن العرب لم تكن تعرف نظام النقط. ولكن لعلهم لم ينقطوا المصاحف الأولى مراعاة للقراءات وكي يكون تعلم المصحف من طريق التلقي. واختتم الأعظمي كتابه بوقفة مع المستشرقين ودراساتهم عن القرآن وبيّن أن قضايا المسلمين العلمية ينبغي أن يرجع فيها إلى علماء المسلمين أنفسهم ولا سيما أن كثيراً من المستشرقين أثبتوا أنهم غير موضوعيين في تناولهم القضايا العلمية الإسلامية ومنها دراساتهم عن القرآن. ومما استشهد به الأعظمي على عدم موضوعية المستشرقين ما صرح به البروفسور بوزورث أحد محرري موسوعة "بريل" الإسلامية في محاضرة ألقاها في جامعة كولورادو لما سئل لماذا لا يدعى بعض العلماء المسلمين ممن درسوا في الجامعات الغربية للكتابة في بعض الموضوعات الإسلامية مثل القرآن والحديث والجهاد؟ فأجاب بوزورث بأن الموسوعة عمل كتب بأقلام غربية لأناس غربيين. ومن شبه المستشرقين التي ناقشها الأعظمي ما يتعلق بمقابلة مخطوطات القرآن ببعضها بعضاً، ومن ذلك مخطوطات جامع صنعاء وأورد صوراً لهذه المخطوطات كي يدحض ما يزعمونه من اختلاف في المخطوطات. وبين أن الخلاف المزعوم لا يعدو أن يكون خطأ من الكاتب لأن بعض تلك الوثائق لم تخضع للتدقيق والمراجعة. والخطأ الذي ذكره ليستر في مقاله مستشهداً بما أورده المستشرق بوين هو من مثل حذف الألف من بعض الكلمات مثل قالوا قد تكتب هكذا قالو. وقال قد تكتب هكذا قل. إن كتاب الأعظمي عن تاريخ النص القرآني كتاب شامل متميز كشف عن المعايير الصارمة في تدوين النص القرآني وفق منهج علمي رصين. وهو فوق ذلك سهل القراءة واضح في تناوله قضاياه العلمية يخلو من الاستطراد. وهذا الكتاب لا يستغني عنه الباحث والمثقف والمسلم وغير المسلم ممن يريد معرفة معايير تدوين القرآن وتاريخ تدوينه. إن هذا الكتاب سيبقى معلماً بارزاً في الدراسات القرآنية الموضوعية. عنوان الكتاب The History of The Quranic Text Revelation to Compilation: A comparative Study with the Old and New Testament المؤلف M. M. Al-Azami الناشر UK Islamic Academy. Leicester . England عدد الصفحات p. 376 * كاتب وأكاديمي سعودي