قتل الاسرائىليون في أسبوعين 140 فلسطينياً، معظمهم من المدنيين وبينهم أكثر من 30 طفلاً، وتركوا قطاع غزة مثل "اليوم التالي" لحرب نووية، فماذا تذكر ماثيو ليفيت؟ "بالتيمور صن" الراقية نشرت له الاثنين مقالاً بدأه وأترجم حرفياً: مضت سنة على مهاجمة قافلة ديبلوماسية أميركية في غزة قُتل فيها ثلاثة أميركيين... ماثيو ليفيت، وهو باحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وليكودي حتى العظم، أكمل يقول وأترجم حرفياً مرّة أخرى: القافلة التي استهدفها الارهابيون كانت تضم مسؤولين من وزارة الخارجية الأميركية في مهمة سلمية لاختيار مرشحين فلسطينيين محتملين لزمالات فولبرايت والأميركيون الثلاثة القتلى جون برانشيزيو ومارك بارسونز وجون مارتن ليند جونيور كانوا متعهدين أمنيين. وهكذا، فأطفال يقتلون اليوم وليفيت يتذكر مقتل ثلاثة حراس قبل سنة، وهو موقف يشرح على بساطته واختصاره لماذا تستطيع اسرائيل ان ترتكب جرائم نازية كل يوم، فوجود الاعتذاريين لها، والاسرائىليين من المحافظين الجدد في الادارة يمكنها من القتل، ما يجعل المدافعين عنها شركاء في جرائمها ودم الأطفال على أيديهم. ويستشهد ليفيت بعد ذلك بقول الأخ جبريل رجوب ان هوية المهاجمين معروفة، وأبو رامي صديقي الا انه مسؤول في الضفة الغربية، ومعلوماته عن القطاع محدودة، مع وجود منافسة أمنية معروفة. الفارق بيني وبين أمثال ليفيت انني أعارض العمليات الانتحارية، بل أعارض إطلاق صواريخ القسام وكل قتال أو قتل، وانه يؤيد اسرائيل أخطأت أو أصابت، ويؤيدها اذا كان اسحق رابين يسعى للسلام، واذا كان آرييل شارون يَلِغُ في الجريمة. وبكلام آخر فأنا أؤيد هدف قيام دولة فلسطينية من دون عنف، وهو يؤيد عنف دولة قائمة. ربما كان ماثيو ليفيت أحقر الباحثين في معهد واشنطن، وهو لوبي اسرائيلي نشط، الا ان رئىسه دنيس روس معتدل يذكره القراء من عمله منسقاً لعملية السلام. وقد خلف مارتن أنديك الذي أستطيع ان أختلف معه كل يوم، الا انني أستطيع ان أتّفق أيضاً، فهو يريد السلام على طريقته وأنا أريده على طريقتي. ليفيت من معدن مختلف تماماً، فهو من نوع طلاب الدين اليهود في القدس الذين يبصقون على المسيرات الدينية المسيحية، ويعتدون على القساوسة. ولا أقول سوى ان مع أمثال هؤلاء لا يوجد سلام، وهم بالتالي لا يتحمّلون فقط حصتهم من قتل الأطفال الفلسطينيين، وإنما أيضاً قتل الاسرائىليين في مواجهة لا تنتهي. كنتُ قبل قراءتي بذاءة ليفيت قرأت في "لوس أنجليس تايمز" مقالاً كتبه باتريك كلوسون، وهو باحث آخر في معهد واشنطن، عن المواجهة مع ايران حول خططها النووية. كتبتُ قبل أيام انني أتمنى لو ان المسؤولين الايرانيين يكذبون، ورجوت ان يكون البرنامج الايراني يهدف الى صنع قنبلة نووية وليس للاستعمال السلمي، بسبب ما نعرف من امتلاك اسرائيل أسلحة نووية ووسائل ايصالها الى أهدافها. بكلام آخر أختلف كلياً مع كلوسون الذي يبحث في إمكانات وقف البرنامج النووي الايراني، ومع ذلك لا أجده نابياً أو حاقداً، فهو يعرض وجهة نظره مدعمة بمعلومات موضوعية، ويقول ان فرض عقوبات على ايران لحملها على تغيير رأيها غير ممكن لوجود معارضة، وان ضربة عسكرية قد لا تحقق الهدف لأن مراكز تشبيع اليورانيوم في ايران، غير معروفة كلها وثابتة، وستكون هناك معارضة كبرى للضربة العسكرية، ويقترح بعد ذلك ان تسعى أميركا وحلفاؤها الى احتواء ايران، مع انه لا يستبعد غارة جوية في النهاية. موقفي المغاير لا يمنعني من ان أعترف بالمنطق في تحليل كلوسون، ثم أقارن ما كتب بأحقاد ليفيت وأمراضه التي تعطل السلام. ليفيت أقل أهمية من ان أكتب عنه مقالاً كاملاً فأكمل بليكودي آخر هو الكندي مارك ستاين الذي ما كنتُ لأقرأ له أصلاً في "التلغراف" لولا انه كتب غير مرّة عن الدكتور غازي القصيبي بسماجة اعتقد انها خفة دم. وكان يوماً من الوقاحة ان اعتبر عودة السفير السعودي الى الرياض خفضاً من رتبته مع انه عاد وزيراً رأى ستاين في وزارة المياه "تعذيب بالماء" على الطريقة الصينية، ولا أعرف كيف يرى وزارة العمل الآن؟. هذه المرّة لفتني الى ستاين سطور عنه كتبها ماثيو نورمان في "الاندبندنت" وعلمت منها ان "التلغراف" رفضت نشر مقال له عن الرهينة البريطاني كنيث بيغلي. وعدت الى صفحة ستاين على الانترنت لأقرأ المقال الممنوع، ووجدت عجباً، أو سفاهة من نوع لا يقدر عليه سوى أمثال ليفيت وستاين وبقية الليكوديين الشارونيين. ستاين يعترض لأن بيغلي قال قبل موته: "توني بلير لم يفعل ما يكفي من أجلي" وهو كان يفضّل موتاً على طريقة الرهينة الايطالي فابريزيو كواتروكي الذي أزاح القناع عن وجهه، وقال: "سأريكم كيف يموت ايطالي". لا بد من ان ستاين بطل، وأرجو ان يقع في أيدي ارهابيين في العراق لأسمعه يقول: "الآن أريكم كيف يموت كندي". طبعاً البطولة عن بعد عشرة آلاف ميل سهلة، وأنا لا أدعي شيئاً منها قريباً أو بعيداً، فقبل سنوات كنتُ بين نوم ويقظة في طائرة متوجهة من لندن الى دبي، وسمعت الكابتن يقول ان الطائرة تحلّق فوق العراق، ولا تزال هناك ساعة قبل الوصول. وتملّكني رعب حقيقي من الهبوط في بغداد، وكيف سأقتل بعد تعذيب. غير انني استعدت وعيي وأدركت ان الكابتن قال: "ايران" وليس "ايراك" بالانكليزية، لأن العراق محاصر والطيران فوقه ممنوع. ستاين، وهو كندي من مخلفات كونراد بلاك وبرباره امييل، من الوقاحة ان يشكك في "بريطانية" بيغلي لأنه قضى وقتاً طويلاً خارج بلاده، ثم يعطف على شقيقه بول لمجرد ان هذا أدلى بتصريحات كان يرجو منها ان تنقذ شقيقه. ستاين يقول في مقدمة عن منع الجريدة نشر مقاله انها ربما وجدته "من دون قلب" أي قاسياً. وقد وجدته كذلك، وأيضاً من دون ضمير، الا انه يظل مفيداً فهو، مثل كلام ليفيت، يدين أصحابه.