شغلني محور الشر المؤلف من معهد اميركان انتربرايز والمعهد اليهودي لشؤون الامن القومي وعصابة اسرائىل في واشنطنوالعراق، عن متابعة نشاط معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى، غير انني خصصت نهاية الاسبوع للمادة الصادرة عنه ولما نشرت وسائل الاعلام للباحثين فيه، ولم اطلع بمفاجآت، فالمعهد هذا يجمع بين البحث المعتدل والمتزن، وبعض التفاهات التي تكاد تكون مضحكة لولا جدية الموضوع. لا استطيع ان احيط بكل شيء، لذلك اكتفي بما كتب دنيس روس، رئىس المعهد ومنسق عملية السلام السابق في الشرق الاوسط، وماثيو ليفيت، وهو باحث في المركز. وتحديداً اكتفي ببعض ما جمعت منذ بداية هذا الشهر. روس كتب مقالين عن الحكومة الفلسطينية الجديدة، احدهما عنوانه ان محمود عباس لا يستطيع ان يقوم بالمهمة المطلوبة وحده، والثاني انه يجب اخذ الامور في الشرق الاوسط يوماً بيوم. يقول السفير روس ان ابو مازن يشق طريقاً جديداً، ويواجه ثلاثة تحديات، الاول ان السيد ياسر عرفات سيحاول عرقلة عمله والحد من سلطته، وسيعارض تجريد "حماس" و"الجهاد" و"كتائب شهداء الاقصى" من سلاحها، والثاني ان "حماس" سترفض نزع سلاحها، والثالث ان هناك شعوراً عندما يبدأ العمل بأنه ينفذ سياسة اسرائىل. وسجل روس ان ابو مازن دان الارهاب بجميع اشكاله ومن اي طرف، وقال ان رئىس الوزراء بحاجة الى ان يظهر للفلسطينيين انه يستطيع تحسين اوضاعهم، وان يوقف العنف، وان يضمن ان الجيش الاسرائىلي لن يعرقل مهمته. وتحدث روس في المقال الثاني عن صعوبة تنفيذ "خريطة الطريق" وسأل عن آلية المراقبة، ولاحظ ان استمرار النزاع يؤدي الى قتل مدنيين من الطرفين، ثم نصح ان تكون التوقعات الاسرائىلية في حجم القدرة الفلسطينية، وان النجاح ممكن فقط بمساعدة اميركية. يستطيع اي معلق عربي ان يضع اسمه على المقالين اللذين كتبهما روس، من دون ان يشعر بحرج، فالمعلومات صحيحة، والاستنتاجات دقيقة، ووجود ملاحظة او تحفظ على سطر او كلمة لا ينفي ان في الامكان الاتفاق بسهولة مع فكر السفير روس. في المقابل كتب ماثيو ليفيت مقالين عن "الارهاب من دمشق"، الاول عن المنظمات الفلسطينية، والثاني عن "حزب الله". ولو ان رئيس الموساد اختار ان يكتب عن الموضوع لما احتاج ان يزيد حرفاً على ما كتب هذا الباحث الذي اجد ان موقعه الطبيعي في المعهد اليهودي، لا معهد واشنطن. ليفيت يقول ان سورية اعلنت ان مكاتب الفلسطينيين في دمشق هي مكاتب اعلامية "على رغم ادلة على العكس". ما هو مصدر هذا العكس؟ ليفيت يستشهد مرة بعد مرة بالاستخبارات، ثم يستشهد بجريدة ال"صنداي تلغراف" الصهيونية، وهذا من نوع اتفاق في المصادر بعد الخواطر. الاستخبارات المزعومة قالت ان دليلاً من "حماس" او "حزب الله"، ارشد الانتحاريين البريطانيين عبر الاردن وأوصلهما الى جسر اللنبي. والقارئ لا بد لاحظ ان الانتحاري ولد بحاجة الى من يقوده، وان "حزب الله" اقحم في الموضوع لينال حصته من ممارسة الارهاب او دعمه، فالكاتب لن يفوت مثل هذه الفرصة. عندما لا يستشهد ليفيت بالاستخبارات، يستشهد بالقوات الاسرائىلية، فهي ضبطت وثائق تظهر ان رئيس الجهاد الدكتور رمضان شلّح، وبسام السعدي، المسؤول عن مالية الفصيل في مخيم جنين دفعا 127 ألف دولار لأسر القتلى والمعتقلين. هل هذه تهمة؟ يفترض في كل عربي ومسلم ومحب للسلام حول العالم ان يساعد ضحايا العنف الاسرائىلي والجريمة. غير ان ليفيت يزيد ان المال المتوافر للجهاد في الاراضي المحتلة كثير الى درجة ان تمول عمليات فصائل اخرى. الاستخبارات المزعومة المتوافرة للكاتب هي التي قالت ان في العراق اسلحة دمار شامل، ولعلها استخبارات العصابة الاسرائىلية حول وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. اما الجيش الاسرائىلي فهو جيش جريمة وقتل ولا يستطيع ان يوجه التهمة الى احد، لأن وزير الدفاع ورئىس الاركان والقادة في المناطق مجرمو حرب يجب ان يحاكموا في لاهاي قبل اي مجرم حرب آخر. المقال الثاني عن "حزب الله" اغرب، فالكاتب لا يربط سورية ب"حزب الله" وحده، وانما يربط "حزب الله" ب"القاعدة" ويربط سورية بهما معاً، بل يزعم ان سورية سمحت ل"القاعدة" بالعمل من اراضيها، ويزيد شيئاً عن علاقة سورية بأنصار الاسلام. ليست عندي مصادر استخبارات، وأبصق على الجيش الاسرائىلي ومجرمي الحرب في قيادته وأحيي الذين سجنوا لرفضهم الخدمة. وأسجل ما رأيت بنفسي. ف"حماس" و"الجهاد" لا تملكان قواعد تدريب او اي سلاح في سورية، وقد زرت مكاتبهما في المخيمات حول دمشق، كما زرت القادة في بيوتهم، ولم ارَ اي سلاح فلسطيني. فكل السلاح في سورية سوري، وهذه شهادة شاهد عيان لا كذب استخبارات اسرائىلية او غيرها، وقد كنت شاهداً في سورية منذ استضافت الثوار الاريتريين في الستينات، ثم المنظمات الفلسطينية في السبعينات والثمانينات فبقيت عندها، وأكراد تركيا في التسعينات، وفصائل المقاومة الاسلامية اليوم.