قليل من الأحمر لشفتين لا تقاومان. قليل من البودرة لسمرة طبيعية لا تشوبها شائبة. قليل من المرطب لوجه أكثر نعومة. وقليل من "الماسكارا" لنظرة ساحرة جذابة... وها أنتَ أكثر جمالاً من أي يوم مضى. أنتَ بفتح التاء تعود للمذكر، مما يعني أن مواد التجميل المذكورة مخصصة للرجال، و"للرجال فقط". تفاجأ الفتاة العاملة في أحد متاجر بيروت من السؤال. ترفع حاجبيها عالياً كأنما تسمعه للمرة الأولى. "نعم، ماكياج للرجال... أين المشكلة؟"، ترد على السائل كما لو انه قادم من كوكب آخر، حيث الماكياج حكر على النساء. دقائق معدودة وتنصرف إلى شاب يستفسر عن مستحضر معين قبل شرائه. "نمرر هذا القلم على الزاوية الداخلية للعين، فيجعلها اكثر اتساعاً وإشراقاً... هذا يناسبك تماماً"، تقول له. لم ترتسم أي من إمارات الاستغراب على وجه الشاب. لم يرفع كتفيه قليلاً دليلاً على استغرابه، وهي تخبره عن أنواع المستحضرات الكثيرة. إنما على العكس تماماً، بدا الشاب مهتماً بالمستحضر. هو يريد أن يصبح اكثر جمالاً. منصة عرض أدوات التجميل في المتجر الكبير حديثة العهد. الزاوية الصغيرة تقتصر ألوانها على الرصاصي والأسود. وتغمرها صور رجال "جميلين"، بملامح ذكورية قاسية. تقف الأنثى الوحيدة في كوكب مخصص للرجال مستنكرة نظرات المارة. الرجال في الصور خلفها "جميلون". الأول يسد ثغرات قليلة في حاجبه بما يشبه قلم الكحل الأسود. الثاني، يغطي الهالات السوداء تحت عينيه بمسحوق طبيعي مئة في المئة، "كما لو أنك انتهيت للتو من عطلة مريحة". الثالث يلون أظافر يديه بقلم "لا يترك لوناً أو رائحة، لأظافر قوية ونضرة". والرابع يمرر قلم "الحمرة" على شفتيه ليحصل على "ابتسامة مضيئة وشفاه ملساء". الرجال في الصور لا يأتون من كوكب آخر. هم رجال جميلون تجعلهم مستحضرات التجميل أكثر جمالاً، تماماً كما في الأغاني المصورة. ينافسون النساء على واحدة من اكثر ميزاتهن خصوصية. وقد يسرقون منهن صفة السطحية التي تلتصق منذ قرون بالنساء الباحثات عن الجمال. "وجدنا أن الرجال يستعينون بالمستحضرات الخاصة بنسائهم. أطلقنا مساحيق اكثر ملائمة لبشرة الذكور"، يقول مسؤول في احدى شركات مستحضرات التجميل. الشركات التي خاضت التجربة عريقة ومشهورة والأهم من ذلك كله انها تتجاوب مع متطلبات السوق. تدرك ان "الرجال يتابعون ما تقدمه المجلات وشاشات الفضائيات. ويريدون التشبه بما يشاهدونه". وان "الزمن تغير والأشياء لم تعد كما كانت في الماضي. الرجال باتوا اكثر اهتماماً بأناقتهم وبشرتهم. واصبحوا يهتمون بجمالهم، من دون أن يلقبوا بالمخنثين". المستحضرات المركونة على الرف المقابل، ذكورية الطابع والشكل. أوعية حديد رصاصية اللون، اسماؤها نافرة كبيرة الحروف، كأنما خصصت للجنود المتوجهين الى ساحة المعركة. أسعار المستحضرات المذكورة باهظة نسبياً، وتفوق تلك الخاصة بالنساء. إلا انها تبدو أوفر اذا ما قورنت بأسعار المزينين. مزين الرجال "الرجال في مجتمعنا يقمعون أنفسهم ويخافون التباهي بجمالهم. لا يجب أن يحكم الرجل على نفسه من منظار كم يضع من مساحيق التجميل على وجهه"، يقول رجل جالس في زاوية محل الحلاقة. الرجل ليس إلا مزيناً نسائياً يتحول إلى رجالي بحسب الطلب. فالأيام تغيرت و"السوق" باتت اكثر تطلباً، كما يقول. ومحلات التزيين أصبحت مجبرة على "التعاطي مع البشرة كبشرة بغض النظر عما إذا كانت لذكر أو لأنثى". واحد في المئة على الأقل من زبائن المزين ذكور، يقصدونه طالبين "الحصول على نظرة مشرقة، وظلال أعين داكنة، تماماً مثل عارضي الأزياء وشبان الفيديو كليب". يستاء من النظرة الدونية أو "وصمة العار التي تلاحق من يضع مستحضرات التجميل، فتصل إلى حد التشكيك برجولته". ويعتبر أن "لكل رجل الحق في أن يكون مختلفاً. أن يكسر التقاليد والقيم السائدة، كي يبدو على احسن حال". يلم المزين بالأساسيات التاريخية للدفاع عن وجهة نظره. "في العصور القديمة وضع الرجال مساحيق التجميل على وجوههم"، يقول مستشهداً بالمصريين القدامى الذين "استخدموا الكحل والفحم لتكحيل أعينهم، ولحماية أنفسهم من الأمراض والشمس. وهكذا فعل الفايكينغ، ومثلهم رجال الرومان الذين وضعوا بودرة الطبشور على وجوههم لجعلها اكثر بياضاً، واستخدموا أصباغ الفراولة لتلوين شفاههم بالزهر الطبيعي. وفي أيام السلالة الصينية الحاكمة كانت وجوه الرجال أشبه بفطائر اللحم، الأبيض... كانوا يضيفون الزرنيخ ظنا منهم انه يجعل البشرة اكثر بياضاً". اجبره على وضع الماكياج! على رغم أن ظاهرة "ماكياج الرجال" لم تخرج عن إطارها الضيق على رفوف بعض المتاجر الكبرى، فإن ردود الفعل الأولى عليها تباينت منذ البداية. وفي حين لم يتقبل كثيرون "منظر شاب يضع الماسكارا والحمرة ويلون أظافره"، يدرج آخرون الظاهرة في إطار "حق الشاب في اختيار أسلوب الحياة الذي يناسبه". إن الشبان المؤيدون لهذه الظاهرة لا يرون فيها عيباً. "في السابق كان المجتمع يرفض الشعر الطويل للرجل أو الوشم، اليوم لم تعد هذه الأمور موضوع نقاش. لا أحد يغصب الشاب على وضع الماكياج... هي مسألة حرية شخصية"، يقول أحدهم مشيداً ب"مساحيق تؤخر بوادر الشيخوخة، وتخفي إمارات التعب والسهر. وتجعل الشاب اكثر ثقة بنفسه". الصديقات، عنصر آخر له رأي في المسألة. وفي حين تصب آراء غالبيتهن في خانة رفض الرجل المتبرج، وتصل إلى حد "الاشمئزاز من النظر في وجه رجل يجهد ليبدو اكثر جمالاً من الفتيات"، تتباهى إحداهن بجمال صديقها الذي تحب طريقته في مواكبة الموضة "أحب أن أراه جميلاً في الأوقات كافة. عندما تظهر البقع الداكنة تحت عينيه بسبب قلة النوم. اجبره على وضع الأنتيسير بودرة سائلة تخفي الهالات السوداء لتغطيتها. كما اشتري له بنفسي الgloss الحمرة السائلة من دون لون حتى تبقى شفتاه رطبتين".