يتذكر مشاهدو الشاشة الصغيرة من المخضرمين الدراما التلفزيونية اللبنانية القديمة بكثير من الحنين المشبع بالرمانسية، وما قدمته تلك الدراما من مسلسلات خيالية، فيها الكثير من قصص الحب والمغامرة، ويتذكرون معها اسماء نجوم عاشوا بهذا القدر او ذاك في الذاكرة علامات على فن مرحلة وعلى كيفيات نظرها للعالم والحياة... نجوم من أمثال عبدالمجيد المجذوب، هند أبي اللمع وألسي فرنيني وغيرهم. تلك المسلسلات كانت تنطق باللغة العربية الفصحى كي تجد طريقها للمحطات التلفزيونية العربية التي كانت ارضية فقط، وبالأبيض والاسود، وتمكنت مع ذلك من تحقيق حضور جميل في المشاهدة التلفزيونية للمواطنين العرب في مختلف اقطارهم، وهو حضور كسرته سنوات الحرب اللبنانية الدامية والطويلة، وأوقفت استمراره وتطوره. أين الدراما التلفزيونية اللبنانية اليوم وبعد كل تلك السنوات؟ من بتابع المسلسلات اللبنانية القليلة التي تبثها الفضائيات اللبنانية في هذه الايام، يندفع الى طرح هذا السؤال، خصوصاً وقد تراكمت في الساحة الفنية خبرات كتاب وفنانين من مختلف التخصصات، علاوة على تعدد الفضائيات وما يعنيه ذلك من توافر الجهات الانتاجية التي يمكن ان تتحمل مسؤولية تحقيق الاعمال التلفزيونية. لقد حققت الفورة التلفزيونية الفضائية انتشاراً واسعاً للبرامج الفنية اللبنانية وألغت حاجز اللهجة التي دفعت الاعمال الدرامية اللبنانية القديمة الى اعتماد الفصحى، مما يعني ان الطريق بات مفتوحاً امام المسلسل التلفزيوني اللبناني للوصول الى أوسع جمهور ممكن من المشاهدين العرب في اقطارهم كافة، وخصوصاً اكثر ان الدراما اللبنانية تأتي متسلحة بخبرات فنية عريقة عرفناها سابقاً، وعلى مدذار عقود طويلة في السينما، وفي المسلسلات القديمة ايضاً، ناهيك بمراكمة المواهب والخبرات الجديدة، والأهم من ذلك كله ما شهده لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية من احداث جسام، احدثت تحولات كبرى في بنية المجتمع وخلقت قضايا ومفاهيم جديدة لم تكن موجودة من قبل، وهي بالتأكيد تحتاج الى قراءات ومعالجات فكرية وفنية تضعها في متناول النقاش. نقول ذلك من دون ان نغفل ما نشاهده في هذه الايام من اعمال درامية لبنانية، توافرت لبعضها مستويات فنية مقبولة، لكن ما ندعو اليه هنا هو الارتقاء بهذه المستويات الى درجات أعلى تنسجم مع الامكانات والقدرات الفنية المتوافرة، وتليق بمستوى الفن في لبنان، القادر على المساهمة والمنافسة، والمطالب من ثم بتقديم اسهامات ترفع من سوية الدراما التلفزيونية العربية التي لا تزال نتاجاتها الاهم تقع في القاهرة ودمشق على رغم اعمال جادة متفرقة تتحقق هنا وهناك، وتمنح الدراما العربية الواناً ونكهات بل وموضوعات ومناخات مختلفة. في الانتاج الدرامي التلفزيوني القديم علامات مضيئة في المستويين التراجيدي والكوميدي، نتذكرها ونتذكر نجومها الذين صاروا معروفين في كل الاقطار العربية، حتى في المساحات الضيقة للبث التلفزيوني العربي والتي كانت ضيقة ومحدودة، والاحرى ان تكون مؤهلة في عصر البث الفضائي الانتشار اوسع واكثر سهولة.