صورة الدراما اللبنانية في ذاكرتي مترعة بالرومانسية، لا يغيب منها وجه الراحلة هند أبي اللمع وشريكها (غالباً) عبدالمجيد مجذوب، أو الممثلة الرقيقة والبديعة ألسي فرنيني. هي صورة لعوالم وفضاءات مفتوحة على حكايات الحب والطبيعة والمغامرات، يرويها أبطالها باللغة العربية الفصحى حتى وهم يتحركون في مناخات واقعية. مياه كثيرة جرت في حقل الدراما اللبنانية والعربية منذ تلك الأيام البعيدة كان أبرز ما حفرته الاقتراب أكثر من الواقعية. لا شيء يمنع الدراما اللبنانية من أن تكون في مقدم نظيراتها العربيات، لا حرفية الكتابة التلفزيونية المتوافرة، ولا كفاءات التصوير والإخراج، ولا، بالطبع، براعة الممثلين اللبنانيين وقوة حضورهم. مع ذلك تتلكأ الدراما اللبنانية بسبب معضلات إنتاجية: أتحدث هنا بالذات عن انطلاق «صناعة» درامية وليس عن أعمال متفرقة ومتناثرة هنا وهناك، فوحدها الصناعة تستطيع أن تزجَ الفنانين بكل مفردات فنونهم في زخم درامي يستعيد القدرة على العمل والمنافسة، ويحفر لهذه الدراما العريقة مجرى مختلفاً أثق بأنه سيكون له مذاقه المختلف ويجمع حوله متابعيه في البلدان العربية كلها. هو رهان يحتاج قبل أي شيء آخر الى شجاعة الإنتاج، أعني بالتحديد أن تأتي أية انطلاقة جديدة بذهنية الراهن التلفزيوني العربي وسمته الأهم الانتشار الفضائي الواسع والكثيف وما يحمله من منافسة حامية تدفع باتجاه الأرقى والأجمل والأكثر قدرة على ملامسة موضوعات ذات علاقة وشيجة بالحياة في لبنان، ما يعني القدرة على تحقيق دراما تتمكن من استقطاب جمهور المشاهدين اللبنانيين أولاً وقبل غيرهم من المشاهدين. لا أتخيل دراما لبنانية خارج فضاء فني تتفاعل خلاله مع واقعها المحلي حتى بسلبياته وهمومه التقليدية، بل أكثر من ذلك أجد تلك الدراما المأمولة عامل توحيد للمجتمع اللبناني ذاته. لا شيء يمكنه إعاقة الدراما اللبنانية أكثر من غياب الإنتاج الشجاع الذي يرى العملية الفنية بمنظار مختلف فيوفر لها أدوات عمل مختلفة تتناسب مع نهوض الدراما العربية عموما، ناهيك، بالطبع، بأن غزارة الإنتاج قادرة على تجديد الكفاءات الفنية ومنحها خبرات أعلى للصعود في اتجاه نجاحاتها الكبرى.