لا بد أن الرئيس جورج بوش قد تنفس الصعداء وشعر بارتياح كبير لنتائج الانتخابات الرئاسية في أفغانستان يوم 9 الجاري، كما شعر بذلك أيضاً حكام باكستان والسعودية الدولتين اللتين عانتا الكثير من"المرض الأفغاني"، خصوصاً أن هذه الانتخابات قد جرت بنجاح وفي جو من الأمن ما كان أحد ليأمل به أو ليتوقعه. ولا شك أن أثر هذه الانتخابات سيكون من الأهمية بمكان سواء بالنسبة الى أفغانستان أو الى جيرانها. فالاستقرار في هذا البلد سيريح هؤلاء من عبء كان خلال السنوات الأخيرة يكاد لا يحتمل. ولا شك أيضاً أن اتفاقات التعاون الدفاعي التي توصلت إليها باكستان خلال هذا الأسبوع مع الأمير خالد بن سلطان مساعد وزير الدفاع السعودي تشير إلى تحليل مشترك من جانب الدولتين للتهديد الذي تواجهانه من الإسلاميين الأصوليين الذين هم في الأصل نتاج الحروب الأفغانية. وفضلاً عن ذلك، يمكن القول بأنه إذا كان بلد من أكثر البلدان محافظة وأكثرها فقراً ودماراً مثل أفغانستان يستطيع أن يجري انتخابات، فلا بد أن يؤدي ذلك ببلدان أخرى أيسر حالاً إلى أن تشجعها هذه السابقة إلى انفتاح أنظمتها السياسية وبناء مؤسسات ذات صدقية، فتحاول بدورها ممارسة تجربة الديموقراطية. هزيمة الطالبان ولقد أكدت جماعة طالبان وحلفاؤها من القاعدة أنهم سيعطلون الانتخابات الأفغانية بل سيحولون دون إجرائها لكنهم فشلوا تماماً في ذلك حين أقدم الملايين على ممارسة حقهم الانتخابي بهدوء، لا في أفغانستان وحدها بل في مخيمات اللاجئين الأفغان المقامة عبر الحدود في باكستان. ولقد شارك الأفغان الذين يعيشون في أفغانستان والذين يوصفون بأنهم أكبر جالية من اللاجئين في عملية الانتخاب، شاركوا من دون أن تقع أحداث عنف تذكر. وهذا لا شك يعتبر إنجازاً مهما لأن مخيمات اللاجئين تحتضن آلاف المدارس الدينية طال ما اعتبرت مرتعاً لنفوذ الطالبان. فلقد اقبل 49 في المئة من أصل 740 ألف ناخب أفغاني المسجلين، أقدموا على التصويت وجرى نقل الصناديق إلى كابول بطائرة خاصة. وكانت هذه العملية بالنسبة لأكثرية هؤلاء اللاجئين المرة الأولى التي يصوتون فيها في انتخابات ديموقراطية. لذلك يمكن اعتبار الانتخابات الأفغانية نكسة كبرى للطالبان الذين اضطروا للتراجع إلى موقع الدفاع وفقدوا اعتبارهم كقوة ناهضة، وبالتالي أصبح طموحهم في طرد الأميركان وحلف الناتو والاستيلاء على كابول من جديد أمراً بعيداً عن الواقع. وحتى لو استمر الطالبان في قتل العمال الأجانب وفي تنظيم هجمات خاطفة ضد الجيش الأفغاني القليل التدريب، وضد أنصاره الأجانب، فإن مجرد وقوع عملية الانتخاب هو رمز يدل على ضعف موقفهم. وبصرف النظر عما سوف يقع فيما بعد فيبدو أن أفغانستان قد اجتازت منعطفا مهماً. ولكن ليس معنى ذلك بأن كل شيء أصبح على ما يرام في هذه البلاد. فلا يزال شيوخ الحرب ومافيات المخدرات يتحدون الحكومة المركزية. ولقد ازداد إنتاج الأفيون وتصديره إلى حد يهدد بقسوة اقتصاد البلاد الضعيف. ولا يزال الطالبان يشكلون خطراً حقيقياً في جنوب البلاد والجنوب الشرقي منها، وإن كانت البلاد قد نجحت في امتحان الانتخابات. كل شيء يتوقف الآن على قوات الدول الغربية الباقية هناك. وأما الاهتمام الأميركي، فمن الواضح أنه أدنى بكثير مما كان عليه. وأيا كان الأمر فإن حكومة الرئيس حميد كارزاي ستبقى في أمان ما دامت القوات الأجنبية هناك وما دام العون مستمرا. وأما إذا أدت انتخابات الرئاسة الأميركية إلى تدافع الغرب إلى الرحيل، فإن حظوظ طالبان سوف تلوح من جديد. والجدير بالذكر أن 14 مرشحا منافسين لكارزاي أعلنوا استنكارهم لمجرى الانتخابات واعتبروها غير شرعية وطالبوا بتصويت جديد. ولكنهم عدلوا بعد ذلك من موقفهم، وأعلن يونس قانوني، مرشح تحالف الشمال والمنافس الرئيسي لكارزاي أنه سيقبل بنتيجة التصويت بعد أن تقوم لجنة مستقلة بالتحقيق في تهمة التزوير. وفي هذا الصدد، أعلن المراقبون الدوليون بأن الانتخابات كانت بشكل عام مقبولة وإن لم تكن مثالية. العلاقة الباكستانية السعودية بأفغانستان من المعلوم أن العلاقات الباكستانية مع السعودية كانت دائماً وثيقة جداً. وكثيرا ما قامت القوات الباكستانية في أوقات الأزمات ببذل تعاونها مع المملكة لتدعم الدفاع عنها. غير أن زيارة الأمير خالد وتركيزها على التدريب العسكري وعلى الإنتاج المشترك للعربات المصفحة والصواريخ والدبابات أعطت العلاقة بعداً جديداً يوحي بأن هنالك مشروع حلف دفاعي إقليمي قد يكون قيد الإعداد. والجدير بالإشارة أنه خلال زيارة الأمير خالد، وببعض المصادفة، أطلقت باكستان بنجاح صاروخ غوري الذي يستطيع أن يحمل قنبلة نووية ويبلغ مداه 1500 كم. وهذا الصاروخ تنتجه مخابر خان للأبحاث، وهي مرفق السلاح الرئيسي في باكستان، يحمل اسم العالم عبد القادر خان الذي يعتبر الأب الحقيقي للبرنامج النووي الباكستاني والذي عزل من منصبه بعدما اتهم ببيع التكنولوجيا لإيران وليبيا وكوريا الشمالية. وقد كشفت دراسة صدرت اخيراً عن معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن على أن باكستان تملك 50 إلى 90 قنبلة نووية في حين تملك الهند 55 إلى 115. وكلا الدولتين، باكستان والسعودية، فرغتا بارتياح من تدخلهما المكلف في أفغانستان، ذلك أنهما خلال الكفاح الطويل لطرد السوفيات قامتا بدعم المقاومة الأفغانية بحيث أصبحت باكستان دولة مواجهة رئيسية تعبر منها المخدرات والأسلحة، وإليها موجات اللاجئين. وهي لا تزال إلى الآن تعاني من آثار تلك الحرب. أما الإسهام السعودي في مقاومة السوفيات في أفغانستان فقد كان بالدرجة الأولى ماليا وكان يعادل الإسهام الأمريكي بنسبة مئة في المئة. ولكن حين غسلت أميركا يديها من أفغانستان بعد انسحاب السوفيات - الأمر الذي يدل على لا مسؤولية فتاكة - ظلت السعودية تتحمل عبء المقاتلين الذين أغضبهم تحالف المملكة مع أميركا. لذلك فحين احتل صدام حسين الكويت وهدد السعودية، اتخذ المقاتلون الأفغان موقف التأييد للزعيم العراقي ضد السعودية. ولعلنا نستطيع أن نؤرخ بدء تمرد أسامة بن لادن على السلطات السعودية اعتبارا من أزمة الكويت في عامي 1990-1991 التي أعقبت مباشرة الانسحاب السوفياتي من أفغانستان. غير أن المشكلة بالنسبة لباكستان والسعودية هي أن المقاومة الأفغانية لم تكن حركة وطنية موحدة ومنضبطة - كالمقاومة الفيتنامية مثلاً - بل كانت منقسمة إلى ولاءات قبلية أو مذهبية. لذلك رأينا التحالف ينفرط عقده بعد انسحاب السوفيات، وأخذن تكتلات المقاومة تحارب بعضها بعضاً. وتحملت كابول نتائج هذه المعارك إذ لحقها من الدمار أكثر مما لحقها من حربها ضد السوفيات. أما باكستان فقد غرقت في النزاع الأفغاني، فأيدت حركة الطالبان - مع أن ذلك كان ولا شك خطأ سياسياً فادحاً - ولكنه خطأ لا بد منه نظراً لمشاعر التعاطف لدى باكستان تجاه الأفغان الباشتون ونظراً الى اقرب الجغرافي من المناطق التي تسيطر عليها طالبان في جنوبأفغانستان وملايين اللاجئين الذين اتخذوا مأواهم في الأراضي الباكستانية. ولا تزال للطالبان جذورهم هناك إلى اليوم. وأما الرئيس الباكستاني برويز مشرف فهو حاكم معتدل يسير كالمسؤولين السعوديين على صراط صعب بين الضغوط الأميركية من جهة والإسلاميين المتطرفين من جهة أخرى. ولكي يحظى بمزيد من القوة والنفوذ قام هذا الأسبوع بتشجيع أحد النواب على طرح مشروع قانون في البرلمان يخوله الاحتفاظ بمنصبه كقائد عام للجيش إضافة إلى منصبه كرئيس وذلك بعد نهاية العام الحالي. ولقد ثارت المعارضة في وجه هذه المشروع متهمة الرئيس بأنه حنث بوعده بالتحلي عن البزة العسكرية. وعلى أثر الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 اختار مشرف التحالف مع أميركا في الحرب ضد الإرهاب، وما كان في الواقع ليستطيع أن يفعل غير ذلك فبلاده كانت معزولة وبأمس الحاجة للعون الأميركي. غير أن هذه السياسة لم تخدم شعبية مشرف في بلاده خصوصاً بعد الغارات الأميركية على الأفغان الباشتون. ولذا أصبح عليه الآن أن يشرك الآخرين في السلطة ويشجع على قيام حوار جدي في البرلمان حول المسائل الوطنية الجوهرية. والحاصل فإن المغزى من الانتخابات الأفغانية هو أن على كل رئيس أن يدعم شرعيته في الداخل إذا كان يريد الصمود في وجه الضغوط الخارجية. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط.