فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    الإتحاد يُعلن تفاصيل إصابة عبدالإله العمري    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    جدة تستعد لاستقبال مهرجان "منطقة العجائب" الترفيهي    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الثقة به مخاطرة.. «الذكاء الاصطناعي» حين يكون غبياً !    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    «مهاجمون حُراس»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    رحلة طموح    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    الغرب والقرن الأفريقي    جودة خدمات ورفاهية    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أنابيبستان" الحرب النفطية وبناؤها الصراعي . شركات النفط تستخدم "القبائل الأفغانية" لتمهيد السيطرة السياسية 3 من 3
نشر في الحياة يوم 05 - 04 - 2002

تغير شكل السلطة في كابول، كما تغير عشرات المرات من قبل، ولكن الكل يعرف أن قواعد اللعبة لم تتغير في جوهرها، وأن أفغانستان ذات التاريخ الفريد والثقافات المتنوعة، هي مجرد حجر صغير في موزاييك الاستراتيجية الأميركية في منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين.
هل يمكن بعد كل الدمار الذي حدث والدم الذي أريق اعتبار نتائج الحرب على أفغانستان، أفقر دول العالم، نصراً للولايات المتحدة أقوى الدول عسكرياً؟ استباحت الإدارة الأميركية كل المعايير الأخلاقية ومواثيق الشرعية الدولية، وأزكت لهيب التناحرات العرقية والنعرات الطائفية داخل أفغانستان وجوارها، وعمقت من التناقضات الإقليمية، وأطلقت "الأفكار الأصولية" من عقالها للوصول إلى غاياتها، بعد أن صنعت "طالبان" وأفنتها، وبعدما أطلقت "المجاهدين" وتركتهم.
ان معاداة الحرب الحالية وما سيتلوها من حروب مقبلة في هذه المنطقة من العالم، ليست مجرد تعبير عن رفض سياسة دولة بعينها فقط، بل تجسيد لرفض إنساني قاطع أن تتحكم القوى غير المرئية وفي مقدمها اللوبي النفطي العالمي والمجمع الصناعي - العسكري الأميركي، في مسار التاريخ الإنسانى وفي مصائر مئات الملايين من البشر.
يمكن تقسيم البناء "الجماهيري" لحركة "طالبان" إلى خمسة أقسام رئيسة هي:
أولاً: حلقة القيادة في الحركة التي تمثلت أساساً بلجنة الشورى، وضمت إلى جانب الملا محمد عمر كلاً من الملالي محمد رباني وإحسان الله وعباس وباساني، وتحدرت هذه المجموعة من الطلاب الذين تلقوا تعليمهم في المدارس الديوبندية في باكستان، واحتفظوا بعلاقات أكثر من وثيقة مع جهاز الاستخبارات الباكستانى "إس أي إس".
ثانياً: الحلقة الأوسع في القيادة ضمت كلاً من الملالي وكيل أحمد متوكل ومحمد حسن وشير مالانج محمد ومحمد غوث ومعصوم أفغاني، وهي المجموعة التي شكلت الصف الثاني من قيادات "طالبان" ووزراء حكومة الحركة. وبحكم الممارسة اليومية اكتسبت هذه المجموعة التصاقاً أكبر بالجماهير من مجموعة القيادة، كما أن أفراد هذه المجموعة كانوا حلقة الوصل بين قيادات الحركة ووجهاء العشائر البشتونية، الذين وفروا للحركة عمقها "الجماهيري" في أفغانستان.
ثالثاً: مجموعة المقاتلين ال"طالبانيين" الذين قاتلوا دفاعاً عن حكم الحركة، وعادت أصولهم إلى رافدين أساسيين: أولهما الفصائل البشتونية السابقة مثل فصائل محمد نبي محمدي وقلب الدين حكمتيار، وثانيهما الشبان الذين لم يتجاوزوا الثلاثين عاماً، المتحدرون من القرى التي دمرت بفعل القتال الدائر في أفغانستان منذ 24 عاماً.
رابعاً: وجهاء البشتون ورؤساء العشائر الذين أيدوا حركة "طالبان" باعتبارها الفصيل البشتوني الذي يجلس في مقاعد السلطة في كابول، وليس بسبب توافقهم فكرياً مع أطروحات "طالبان". ويذكر ان الجسم البشتونى ينقسم فعلياً إلى ثلاث مجموعات رئيسة هي: قبائل الدوراني التي يتحدر منها الملك السابق ظاهر شاه، ومجموعة قبائل الغيلزاي التي يتحدر منها قائد حركة "طالبان" الملا محمد عمر، وقبائل البوبلزاي المتحدر منها حميد كارزاي رئيس الحكومة الانتقالية.
خامساً: الكوادر التي سيّرت دولاب العمل في العاصمة الأفغانية، وتنتمي إلى أصول شيوعية، بسبب أن حركة "طالبان" استعانت على عدم خبرتها الإدارية بفلول الشيوعيين من أصول بشتونية. فحزب "الشعب الأفغاني الديموقراطي" الماركسي الحاكم في أفغانستان سابقاً، كان انقسم قبل انهياره إلى قسمين أيديولوجيين في العلن، وعرقيين في الواقع، فانضوى الطاجيك تحت الراية "بارشام"، في حين التف البشتون الشيوعيون حول الشعب "خلق"، ومن هؤلاء كان يتم تسيير دولاب العمل في كابول.
تأسيساً على هذا البناء يمكن القول ان الحراك السياسى في أفغانستان يستند حتى الآن الى اعتبارات عرقية في المقام الأول، وليس الى افتراضات أيديولوجية، وهو ما ينطبق على الحكومات الأفغانية المتعاقبة منذ تأسيس الدولة الأفغانية، بداية من الملكية ومروراً بالشيوعيين والمجاهدين وحتى "طالبان". ومن هنا أصبحت الحياة السياسية انعكاساً لموازين القوى العرقية، وصار الساسة الأفغان محكومين بتمثيلهم لعرقية بعينها، وأمست العرقية مرادفة للوطن.
مؤتمر بون: النتائج والدلالات
دخلت مدينة بون الألمانية التاريخ الأفغاني من أوسع أبوابه، باعتبارها المدينة المضيفة لمؤتمر الفرقاء الأفغان للبحث في المستقبل السياسي لبلادهم بعد إقصاء حركة "طالبان" عن الحكم. ولكن الأمور في أفغانستان لا تسير بصورة ذهنية مجردة، حيث ان خصوم "طالبان" لا يمثلون تلقائياً القيم المعاكسة لما مثلته "طالبان"، بل تتحكم في أفعالهم بالأساس الطموحات العرقية والمصالح الإقليمية لدول الجوار التي طالما صبت الزيت على النار. عقد المؤتمر بضغط قوي من الولايات المتحدة وغطاء من الأمم المتحدة، على مختلف الفرقاء للوصول إلى نتائج يمكن إعلانها للعالم. فما تود الولايات المتحدة إفهامه أن عملياتها العسكرية هي التي أدت إلى الوصول لنتائج ما كان يمكن الوصول إليها قبل هذه الأعمال العسكرية بهدف تلميع بعضٍ من صدقيتها المهتزة في العالمين العربي والإسلامي. وانعكست موازين القوى العسكرية والدولية والإقليمية على تمثيل الفصائل المختلفة، اذ جاء "تحالف الشمال" في مقدم الوفود عدداً وحضوراً، فهو الطرف الذي يسيطر عسكرياً على العاصمة كابول وعلى غالبية الشمال الأفغاني، وتلى وفد "تحالف الشمال" من حيث الحضور والعدد وفد "مجموعة روما" القريب من ملك أفغانستان السابق محمد ظاهر شاه، الذي يحظى بدعم أميركي وغربي لافت، ثم جاءت الوفود التي تمثل المصالح الإقليمية لكل من إيران وباكستان في الترتيب الثالث، فكانت "مجموعة قبرص" القريبة من إيران و"مجموعة بيشاور" القريبة من باكستان هي من جلس الى جانب الطرفين الأساسيين في المفاوضات.
واجه المؤتمر مشكلة أساسية هي عدم اتفاق الأطراف المختلفة على آليات التفاوض، بسبب اختلاف التصورات التي يمثلها أساساً وفد "مجموعة روما" ووفد تحالف الشمال، الأول باعتباره الممثل الأفغاني الأقرب للمصالح الأميركية، والثاني باعتباره الأقوى عسكرياً على الأرض.
أدرك المندوب الدولي ومدير المؤتمر الأخضر الإبراهيمى هذه العقدة فأدرج على جدول أعمال المؤتمر أربعة محاور رئيسة هي: تشكيل مجلس أعلى موقت لقيادة أفغانستان، تشكيل حكومة انتقالية يسميها المجلس الأعلى، التمهيد لعقد مجلس الحل والعقد الأفغاني لويا جيركا، وتشكيل قوة حفظ سلام في أفغانستان عموماً والعاصمة كابول خصوصاً.
وتوخت خطة الأمم المتحدة أن تحتفظ للملك الأفغاني السابق ظاهر شاه بدور في رسم مستقبل البلاد، وتحجيم طموحات تحالف الشمال الذي استثمر الضربات العسكرية الأميركية، فدخل العاصمة الأفغانية ومدن الشمال، وهي التي استعصت عليه طوال فترة حكم "طالبان". وأفاد التحالف من قلة حرفية الإدارة الأميركية، المشغولة بتجربة ترسانتها من الأسلحة الحديثة، فانتزع مواقع مهمة بدعم من إيران والهند وروسيا العاصمة. ولتدارك هذا الخطأ مارست الديبلوماسية الأميركية و"الدولية" ضغوطاً على وفد التحالف لحمله على اعطاء جماعة الملك السابق دوراً أكبر في المستقبل الأفغاني، على رغم أن الملك لا يسيطر على أي مدينة في أفغانستان عسكرياً، ولا وجود فعلياً لسلطته التي انقضت منذ 27 سنة. وبدأ رئيس وفد التحالف يونس قانوني المفاوضات باعتباره رئيساً لوفد "جمهورية أفغانستان الإسلامية"، التي كانت الأمم المتحدة، ومعها أكثر من أربعين دولة، تعترف بها ممثلاً شرعياً للشعب الأفغاني حتى لحظة عقد المؤتمر. وبعد اشتداد الضغوط صار يستخدم مصطلح "الجبهة الإسلامية الموحدة" بدلاً من تحالف الشمال إنكاراً للصفة الجهوية والعرقية للوفد الذي قاده. ثم كان أن أفلحت الضغوط على التحالف - في حدود موازين القوى -، فوافق على جدول الأعمال ووافق على فكرة المجلس الموقت، بعد أن ضغطت الأمم المتحدة على رئيس "جمهورية أفغانستان الإسلامية" برهان الدين رباني للقبول بالمقترحات، ومن ثم إبلاغ موافقته لرئيس وفده.
وبموافقة الأطراف الرئيسة على تشكيل المجلس الموقت يتكون من 12 شخصاً تكون الأمم المتحدة، أو بالأحرى الولايات المتحدة، أفلحت في إيجاد النواة الرئيسة لهياكل الدولة، تمهيداً للاعتراف بها ممثلاً وحيداً للشعب الأفغاني. تركت الإدارة الأميركية مسألة توزيع المقاعد لتكون الشغل الشاغل للوفود المتحاورة في بون، ولكنها فرضت على الفرقاء الأفغان إسم رئيس السلطة الانتقالية الجديد، حميد كارزاي.
كان معروفاً لدى المتفاوضين أن الولايات المتحدة سوف تضع شخصية بشتونية في منصب رئيس السلطة الانتقالية، وفي المحادثات اقترح وفد الملك السابق ظاهر شاه إسم هدايت أمين أرسلا، المقرب من الملك كرئيس للمرحلة الانتقالية، إلا أن الولايات المتحدة فرضت كارزاي، غير المعروف على الساحة الأفغانية، على البشتون والطاجيك. وأصر المسؤولون الأميركيون، الحاضرون للمفاوضات من وراء الكواليس، على أن يتحدث كارزاي للمجتمعين عبر الأقمار الاصطناعية، وتلميعه وممارسة ضغوط قوية على المجتمعين حتى وافقوا عليه.
وبتأمين الغطاء الدولي والقانوني للسلطة الجديدة في أفغانستان، المتكونة ضمناً من تحالف البشتون والطاجيك، تكون الأمم المتحدة نجحت في فرض أجندتها على الأفغان، الذين تفاوضوا عرقياً على توزيع الحصص في السلطة الجديدة. ولعل هذا ما يفسر انسحاب القائد البشتوني عبدالقادر من المفاوضات احتجاجاً على التمثيل غير المتناسب لعرقيته الذي يبلغ حوالى 40 في المئة من السكان، في حين يبلغ عدد الطاجيك الذين يهيمنون على تحالف الشمال حوالى 25 في المئة من الأفغان.
ويمكن القول ان المؤتمر هو بداية تقاسم جديد للسلطة بين البشتون والطاجيك باعتبارهما العرقيتين الأكبر في أفغانستان، في الوقت الذي يمكن الاحتفاظ للأوزبك والهزارة بمكاسب ثانوية، وتكريس وضعهم كظواهر مناطقية الأوزبك في مزار شريف والهزارة في باميان، لأن الحلول التحالفية بين البشتون والطاجيك كرافعتين للسلطة تجعل بقية الأعراق الأفغانية في وضع لا يسمح لها بالطموح في المشاركة بمراكز الحكم البشتون والطاجيك يشكلان معاً حوالى 65 في المئة، في حين تشكل بقية الأعراق 35 في المئة من مجموع السكان. على هذه المعطيات تأسس مبنى الحكومة الانتقالية التي اختارها المجلس الموقت، علماً أن المجلس الموقت هو أيضاً نتاج التوافق بين الطاجيك والبشتون، وعليه يمكن تصور أن الوزارات المهمة كالدفاع والخارجية سوف تبقى موزعة على الفريقين في الفترة المقبلة، مع السماح للأوزبك والهزارة والقوميات الصغيرة بالحصول على أنصبة ضئيلة نسبياً، لضمان تأمين "التمثيل الأوسع" للأعراق الأفغانية المختلفة.
كارزاي وشركات النفط
توسلت الولايات المتحدة في اختيارها كارزاي ليكون شريكها الأول وفرضه على الفرقاء الأفغان في مؤتمر بون مجموعة من العوامل، يتصدرها ارتباط كارزاي، وعلى مدار سنوات عدة، بالولايات المتحدة وشركاتها النفطية وتحديداً شركة "يونوكال" النفطية الراعية لخط الأنابيب الذي يمر من تركمانستان إلى باكستان عبر الأراضى الأفغانية. فكارزاي عمل مستشاراً لشركة "يونوكال" وارتبط بعلاقات شخصية مع زلماي خليل زاد المبعوث الشخصي للرئيس بوش إلى أفغانستان منذ العام 2000. كما أن وجود خمسة من أخوته في الولايات المتحدة يثبت روابط عائلته الممتازة بها، ويمتلك أخوته سلسلة مطاعم أفغانية باسم "هلمند"، وهو إسم مقاطعة تقع في غرب قندهار، في ولايات: شيكاغو، إلينوي، بوسطن، ماساشوسيتس، بالتيمور، ماريلاند وسان فرانسيسكو. كما أن كارزاي ورث عن أبيه عبدالأحد كارزاي زعامة قبيلة البوبلزاي البشتونية المتمركزة في قندهار، ويقدر عدد أفرادها بحوالى نصف مليون شخص. وإضافة إلى تزكيته من شركة "يونوكال" وولاء أسرته للولايات المتحدة وزعامته القبلية، أثبت كارزاي غير مرة استيعابه البراغماتي للتطورات على الساحة الأفغانية، فهو كان من أشد المؤيدين لحركة "طالبان" عند ظهورها في العام 1994، وأمدها بالمال والأسلحة حتى سيطرت حركة "طالبان" - بتسهيلات من القبائل البشتونية وفي مقدمها قبيلة البوبلزاي - على قندهار والمناطق المحاذية للحدود مع باكستان في أقل من عام. وعرف الشاب كارزاي ذو الميول الغربية كيف يستثمر قدراته ويطورها. فعند دخول الجيش الأحمر السوفياتي إلى أفغانستان هرب كارزاي إلى الهند فدرس القانون من 1979 الى العام 1985. بعدها انتقل إلى باكستان فاشترى فندقاً صغيراً في مدينة بيشاور، وظل في الصفوف الخلفية للديبلوماسية الأفغانية. وبعد سقوط حكم نجيب الله في أفغانستان في العام 1992 إثر انسحاب الجيش الأحمر، قامت حكومة للمجاهدين في كابول كان صبغة الله مجددي أحد أبرز رموزها. ونظراً للصراع الذي احتدم بين مجددي البشتوني وغيره من زعماء المقاومة ضد السوفيات، سواء كانوا من البشتون مثل حكمتيار وعبدالرسول سياف، أو من الطاجيك مثل برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود، كان الوصول إلى تأييد قبلي واسع بين القبائل البشتونية أمراً مهماً لمجددي لتثبيت وجوده على الساحة الأفغانية. في هذا السياق كان تقريب حميد كارزاي من دوائر السلطة، بمثابة إحدى الأدوات المهمة لمجددي، لنيل تأييد بشتوني أوسع. ووفق هذا المقتضى صار كارزاي، الذي لم يشترك في مقاومة الاتحاد السوفياتي، نائباً لوزير الخارجية في حكومة المجاهدين.
استمر كارزاي في الحكومة الأفغانية حتى العام 1994، أي بداية انحسار دور مجددي على الساحة، وظهور دور برهان الدين رباني الطاجيكي. عاد كارزاي إلى موطن قبيلته في قندهار ليشهد قيام حركة "طالبان"، ويدعمها بالمال والسلاح، وبعد وصولها إلى الحكم في كابول، عرضت عليه الحركة أن يصبح الممثل الدائم لأفغانستان في الأمم المتحدة، ولكن نجاح رباني في الاستمرار ممثلاً للشعب الأفغاني على الساحة الدولية حال دون حصول "طالبان" على مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة، وبالتالى على تعيين كارزاي فيه.
وظل كارزاي منذ استيلاء "طالبان" على الحكم يتنقل بين باكستان وقندهار. وهناك استطاع إظهار نفسه للمسؤولين الباكستانيين مستخدماً موقع والده القبائلي، ونسج العلاقات مع الصحافيين الأجانب عموماً والأميركيين خصوصاً، معتمداً على إنكليزيته المشوبة بلكنة أميركية واضحة. وفي العام 1999 قتل والده عبدالأحد في مدينة كويتا الباكستانية من جانب أشخاص مجهولين، قال كارزاي لاحقاً انهم من حركة "طالبان". ورث كارزاي زعامة والده القبلية، على رغم وجود أخوة له أكبر سناً، بسبب قربه من الأحداث وبسبب وجود أخوته في الولايات المتحدة وعدم احترافهم السياسة. قام كارزاي بدفن أبيه في قندهار بعد الحصول على إذن من حركة "طالبان"، التي لم ترغب في منع الدفن خوفاً من تمرد قبيلته البشتونية عليها. واستمر كارزاي يقيم في باكستان حتى بدء الضربات العسكرية الجوية الأميركية على أفغانستان، وفي اليوم الثاني للهجوم دخل كارزاي إلى قندهار طامحاً الى استثمار الفرصة للانقلاب على "طالبان"، مثله مثل رجل بشتوني آخر هو عبدالحق، أحد قادة المجاهدين في مقاومة الاتحاد السوفياتي، ومثل الكثير من الأفغان الطامحين الى لعب أدوار في الساحة الأفغانية. ثم جاء القبض على عبدالحق وإعدامه ليزيد من حظوظ كارزاي لدى الإدارة الأميركية، التي ذهب وزير دفاعها دونالد رامسفيلد إلى حد اعطاء الأوامر لقواته بحماية كارزاي بأي ثمن، فكان أن أنقذته القوات الأميركية من حصار أحكمته حوله حركة "طالبان" في قندهار، ونقلته القوات الأميركية جواً إلى باكستان.
وحتى نهاية شهر تشرين الأول اكتوبر 2001 كانت الاستخبارات الباكستانية تراهن على تعديل شكل السلطة في كابول، من طريق وجوه معتدلة من حركة "طالبان"، للحفاظ على مكاسبها المتحققة حتى ساعتها في أفغانستان. ولكن الولايات المتحدة كانت تريد تقديم "انتصارات" للرأي العام الأميركي أولاً والدولي ثانياً، فسمحت لكارزاي بالدخول مجدداً إلى قندهار ودعمته علناً. وكان ما كان في مفاوضات بون، وتمت تسمية كارزاي رئيساً للحكومة الأفغانية الانتقالية رغماً عن كل الفرقاء الأفغان بمن فيهم البشتون.
قطع كارزاي شوطاً طويلاً خلال أقل من 16 عاماً، من طالب لاجئ في الهند في العام 1979 إلى أول شخصية سياسية في أفغانستان في نهاية العام 2001 من دون أن يكون له تاريخ أو ماض "نضالي" على غرار الشخصيات الأفغانية الأخرى، ومن دون أن ينتمي إلى أحزاب سياسية تقولب أطروحاته، أو حتى ميليشيا عسكرية تدعم سلطته. ولعل في غياب ميليشيا تابعة له فائدة لوجوده من المنظور الأميركي. فطبقاً لهذا المنظور لن يستطيع كارزاي الانقلاب - وهو أمر مستبعد جداً - على الأميركيين وسيظل موقعه على رأس الحكومة الأفغانية رهناً بالمشيئة الأميركية وصانعيها في المجمع الصناعي - العسكري وفي دوائر اللوبي النفطي.
* رئيس تحرير مجلة "شرق نامه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.