يكدس الرئيس الأميركي باراك أوباما الكارثة تلو الأخرى لسياسة بلاده الخارجية. فهو ينتهج في ثلاث مناطق على الأقل تعتبر أساسيةً للسلام العالمي وللمصالح الأميركية، وهي المنطقة العربية - إسرائيل وأفغانستان - باكستان واليمن - الصومال، مساراً لا يمكن نعته إلا بالمتهور والمجازف. وفي الحقيقة، يمكن أن تؤدي مشاعر الغضب والكراهية حيال الولاياتالمتحدة التي يتسبب بها أوباما الى تشتيت جيل بأكمله. استسلامه المذل لإسرائيل في ما يختص بالقضية الفلسطينيّة صدم جزءاً واسعاً من العالم كما ألحق ضرراً فادحاً بمكانة أميركا أمام العرب والمسلمين، ففي سبيل الحصول على أصوات اليهود في انتخابات العام المقبل الرئاسية، قام أوباما بقلب سياسة الانفتاح على العالم العربي، التي عبّر عنها ببلاغة في الخطاب الذي ألقاه في القاهرة عام 2009، رأساً على عقب. وهو إن كان في الوقت الحالي ينوي استخدام حق النقض الأميركي في مجلس الأمن بغية رفض طلب الدولة الفلسطينية المتعلق بالعضوية في الأممالمتحدة، فسيكون بذلك انهزم أمام قوى التطرّف والإسلاموفوبيا والمحافظين الجدد، ونتيجة التوسع الإسرائيلي الذي كان يأمل في وضع حد له. وتبدو سياسة أوباما في أفغانستان منحرفة، فهو من جهة يبدو راغباً في جذب طالبان الى المفاوضات، في حين أن قادة جيشه والديبلوماسيين الكبار يريدون في المقام الأول القضاء على طالبان. وهذه السياسة قلما تستطيع جلب المتمردين الى طاولة المفاوضات. يُشار الى أنه خلال مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال»، لفت السفير الأميركي الجديد في كابول راين كروكر الى ضرورة استمرار الصراع الى أن يتم قتل المزيد من عناصر طالبان، الأمر الذي يدعو الى التساؤل حول هوية المسؤول عن السياسة الخارجية. من جانب آخر، بدا زعيم حركة طالبان أفغانستان الملا محمد عمر في خطبة عيد الفطر، وكأنه يلمح الى جاهزيته لإجراء مفاوضات شاملة. لقد ذكر هذا الأخير أنه «بالإمكان النظر في أي خيار شرعي»، بغية بلوغ الهدف الرامي الى إقامة نظام إسلامي مستقل في أفغانستان. كما أنه طالب القوى الخارجية بسحب قواتها «فوراً» من أجل التوصل الى حل دائم للمشكلة. وفي تلميح لمعارضيه المحليين، شدّد على أن حركة طالبان لم ترغب باحتكار السلطة وأن كافة الإثنيات ستشارك «في نظام إسلامي حقيقي يقبله جميع أبناء البلد». ألا يتعيّن على الولاياتالمتحدة وعلى حلفائها الرد بإيجابية على هذه الرسالة؟ من المرتقب أن يناقش مؤتمرٌ ينعقد في مدينة بون خلال كانون الأول (ديسمبر) المقبل، حرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) على أفغانستان، هذه الحرب التي تبدو فرص خسارتها أكبر من فرص الانتصار فيها. تجدر الإشارة أن 25 ألف جندي أفغاني فروا من الخدمة العسكرية خلال النصف الأول من هذا العام لأنهم فقدوا ثقتهم بقدرة حكومة كارزاي على حمايتهم وحماية عائلاتهم، وأنه من المقرر أن تنسحب قوات التحالف من البلاد مع حلول نهاية عام 2014. وبالتالي، أما من مبرر يدعو الى تقديم عرض فوري بإجراء مفاوضات والى التعهد بالانسحاب في وقت مبكر؟ وفي الواقع، لا تبدو المصالح الإستراتيجية التي يدافع الغرب عنها في أفغانستان، في حال وجدت، واضحةً على الإطلاق. باتت هذه المسألة ملحةً للغاية منذ أن وقعت الإستراتيجية الأميركية المكافحة للإرهاب في مأزق حقيقي. ففي تموز (يوليو) تم اغتيال أحمد والي كارزاي، شقيق الرئيس حامد كارزاي، الذي يتمتع بنفوذ واسع في قندهار. وفي آب (أغسطس) شنت قوات طالبان هجوماً على السفارة البريطانيّة في كابول. وفي 10 أيلول (سبتمبر) الجاري انفجرت شاحنة مفخخة في قاعدة عسكرية للناتو جنوب غرب كابول وأدت الى مقتل خمسة أشخاص وجرح 77 جندياً. الجدير ذكره أن حصيلة الإصابات الناتجة من هذا الهجوم تعتبر أعلى حصيلة تسجل في صفوف القوات الأجنبية في حادث واحد خلال هذه الحرب المستمرة منذ عشر سنوات. وفي 13 أيلول أيضاً، نفذ المتمردون اعتداء استمر عشرين ساعة على السفارة الأميركية وعلى مقر الناتو في كابول، اللذين من المفترض أنهما يقعان في أكثر منطقة محصنة في البلد بأسره. وفي 20 أيلول، تم اغتيال برهان الدين رباني رئيس المجلس الأعلى للسلام. لقد تم تكليف رباني، المتحدر من إثنية الطاجيك، مهمة السعي الى السلام مع طالبان من الرئيس كارزاي. لكن، يبدو أنه أحرز تقدماً لا يذكر. كان رباني قائداً للمجاهدين خلال الحرب ضد السوفيات في ثمانينات القرن الماضي، ومن ثم أصبح رئيساً لأفغانستان بين عامي 1992 و1996 قبل أن تخلعه طالبان. وعقب ذلك، أصبح شخصية بارزة في تحالف الشمال بين الطاجيك والأوزبيك والهازارة الذي حارب الإسلاميين الى أن تم طرد قوات طالبان من الحكم نتيجة الغزو الأميركي للبلاد في 2001. لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن مقتل رباني بيد أن الشبهات تحوم حول شبكة «حقاني» المدعومة من باكستان. ثمة مصلحة استراتيجية حيوية لباكستان في أفغانستان، تتمثل في رغبتها بإبقاء التأثير الهندي بعيداً عن بلد تعتبره عمقها الإستراتيجي، علماً أنها تشك في أن كارزاي متواطئ مع الهند. من الواضح أن باكستان تفضل أفغانستان يحكمها طالبان على نظام كارزاي المدعوم من الولاياتالمتحدة. على أي حال، لقد حرم موت رباني الرئيس كارزاي من حليف أساسي وأدى الى توتير علاقاته مع باكستان. ومن الممكن أن يشكّل هذا الأمر خطوة نحو حرب أهلية في حال عدم القيام بمحاولة مبكرة لجذب طالبان. ومع دخول الحرب الأفغانية عامها الحادي عشر، يتضح أنها تكبّد دافعي الضرائب الأميركيين ثمناً باهظاً، حيث أنها تضطرهم الى دفع 120 بليون دولار سنوياً. كما يتجلى أن هذه الحرب استنزفت الموارد الأميركية وقوّضت الدولة الباكستانية على نحو خطير وأنها تهدد بتدمير التحالف الأميركي الباكستاني القائم، فخلال كلمة أمام مجلس الشيوخ في منتصف أيلول الجاري، اتهم رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الأميرال مايك مولن، الجيش الباكستاني ووكالة الاستخبارات الباكستانية والاستخبارات العسكرية الباكستانية القوية بالتواطؤ مع شبكة «حقاني». وأشار مولن في معرض حديثه الى أن باكستان «باستخدامها التطرف كأداة للسياسة» تقوّض الجهود العسكرية الأميركية وتعرّض الشراكة الباكستانية الأميركية الإستراتيجية للخطر. بيد أن رد باكستان على هذا الاتهام لم يتأخر، فخلال مقابلة مع برنامج «العالم هذا المساء» على قناة «بي بي سي» في 22 أيلول الجاري، تحدث رئيس الاستخبارات العسكريّة الباكستانية السابق الجنرال أسد دوراني عن العلاقات الباكستانية - الأميركية واصفاً إياها بأنها في حالة «صراع منخفض الحدة». كما أشار الى أنه يتعين على باكستان دعم معارضي أميركا في أفغانستان في حال استمرت الولاياتالمتحدة في شن هجمات للطائرات من دون طيار ضد أهداف في باكستان. في الوقت الحاضر، وفي معرض مطاردتها عناصر طالبان ومؤيديهم، تشن القوات الأميركية الخاصة غارات ليلية متكررة على أفغانستان، على غرار غارة 2 أيلول التي أدت الى مقتل الرجل الأفغاني الثري صابر بلال في منزله في جلال آباد. وتشير التقارير الصحافية الى أن الأميركيين اقتحموا منزله وعصبوا عينيه وقيدوا يديه وقاموا بالأمر نفسه مع ضيوفه ومن ثم اقتادوه الى الشرفة وقتلوه. لقد حارب هذا الأخير السوفيات في أفغانستان وأمضى خمس سنوات في معتقل غوانتانامو ومن ثم أسس حياة جديدة مع عائلته، لكن، من الواضح أن هذا الأمر لم يكن كافياً لتبديد الشكوك الأميركية بوجود علاقات تربطه بالمتشددين الإسلاميين. أما في اليمن وفي القرن الأفريقي، فتستخدم الولاياتالمتحدة أكثر فأكثر الطائرات من دون طيار، على رغم عدد الضحايا المدنيين المحتم الذي تخلفه، مما أدى الى إغضاب الشعوب المحلية والى حثها على الارتماء في أحضان المتشددين. أفادت جريدة «واشنطن بوست» أن إدارة أوباما استخدمت الطائرات من دون طيار التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية لشن هجمات قاتلة ضد تنظيم القاعدة في أفغانستان وفي العراق وليبيا وباكستان والصومال واليمن، وتسببت هذه الطائرات بمقتل أكثر من ألفي مسلح ومدني منذ عام 2001. ألم يحن الوقت بعد لنتساءل عما إذا ما كانت السياسة الأميركية أنتجت مزيداً من الإرهابيين يفوق عدد أولئك الذين تمكنت وكالة الاستخبارات المركزية من قتلهم؟ ألم يكن من الأجدى للولايات المتحدة أن تعلن ببساطة فوزها في أفغانستان، وبالطبع في الأماكن الأخرى التي تعمل القوات الخاصة فيها، وأن تعيد قواتها الى بلادها في أسرع وقت ممكن وأن تصب اهتمامها على بلسمة جراح مجتمعها المحطم؟ * كاتب بريطاني مختص بقضايا الشرق الأوسط