القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    النفط يقفز 3%    البرلمان الألماني يبحث الأربعاء تفشي الحمى القلاعية في البلاد    قوة نمو الوظائف الأمريكية تزيد الشكوك إزاء خفض الفائدة مجددا    أمريكا وبريطانيا توسعان عقوبات كاسحة على صناعة النفط الروسية    البيت الأبيض: بايدن سيوجّه خطابا وداعيا إلى الأمة الأربعاء    الإعاقة.. في عيون الوطن    ابعد عن الشر وغني له    أمين الطائف هدفنا بالأمانة الانتقال بالمشاركة المجتمعية للاحترافية    فريق جامعة الملك عبدالعزيز يتوّج بلقب بطولة كرة السلة للجامعات    "لوريل ريفر"، "سييرا ليون"، و"رومانتيك واريور" مرشحون لشرف الفوز بلقب السباق الأغلى في العالم    العروبة يتعاقد مع العراقي عدنان حمد لقيادة الفريق فنيّاً    هاو لم يفقد الأمل في بقاء دوبرافكا مع نيوكاسل    مهاجم الأهلي: قدمنا مباراة كبيرة واستحقينا الفوز على الشباب    رئيس مصر: بلادنا تعاني من حالة فقر مائي    ما بين الجمال والأذية.. العدار تزهر بألوانها الوردية    ضبط يمني في مكة لترويجه (11,968) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    «الغذاء والدواء» تحذّر من منتج لحم بقري لتلوثه ببكتيريا اللستيريا    «سلمان للإغاثة» يوزّع 2.910 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في حلب    لاعب الشباب يغيب عن مواجهة الأهلي لأسباب عائلية    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    مجموعة stc تمكّن المكفوفين من عيش أجواء كرة القدم خلال بطولة كأس السوبر الإسباني    ملتقى الشعر السادس بجازان يختتم فعالياته ب 3 أمسيات شعرية    «حرس الحدود» بعسير ينقذ طفلاً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    الشيخ طلال خواجي يحتفل بزواج ابن أخيه النقيب عز    عبرت عن صدمتها.. حرائق كاليفورنيا تحطم قلب باريس هيلتون    أنشيلوتي يبدي إعجابه بالجماهير.. ومدرب مايوركا يعترف: واجهنا فريقًا كبيرًا    جوزيف عون يرسم خارطة سياسية جديدة للبنان    مزايا جديدة للمستوردين والمصدرين في "المشغل الاقتصادي السعودي المعتمد"    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    "الزكاة والضريبة والجمارك" تُحبط محاولتي تهريب أكثر من 6 كيلوجرام من "الشبو"    لإنهاء حرب أوكرانيا.. ترمب يكشف عن لقاء قريب مع بوتين    فن الكسل محاربة التقاليع وتذوق سائر الفنون    «عباقرة التوحد»..    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    ماذا بعد دورة الخليج؟    الحمار في السياسة والرياضة؟!    وزارة الثقافة تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    كُن مرشدَ نفسك    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    أسرار الجهاز الهضمي    المقدس البشري    الرياض تستضيف الاجتماع الوزاري الدولي الرابع للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    الألعاب الشعبية.. تراث بنكهة الألفة والترفيه    أفضل الوجبات الصحية في 2025    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جامعات اوسيتيا تتسلح "للثأر" ومشاعر الكراهية تتضاعف بعد المجزرة
نشر في الحياة يوم 12 - 10 - 2004

سيمر وقت طويل على الروس وهم يعيشون فاجعة مدرسة بيسلان وتداعياتها، وصور المأساة التي بثت في كل انحاء العالم لن تغيب عن ذاكرة ابناء المدينة الصغيرة بعدما انحفر المشهد الدموي عميقاً في كل بيت منها. ومهما كانت نتائج التحقيقات التي بدأت لكشف ملابسات المجزرة التي اودت بحياة مئات التلاميذ مع معلميهم وذويهم، فإن الأثر الذي خلفه الاعتداء في قلوب كثيرين يبدو انه لن يمحى بسهولة، إذ يكفي القول ان مدارس منطقة شمال القوقاز كلها لم تتمكن من العودة الى الحياة الطبيعية بعد مرور شهر على الكارثة، وما برح غالبها شبه فارغ بسبب رفض نحو نصف التلاميذ، الذين لم تستفق شرائح واسعة منهم من صدمة العملية الوحشية، العودة الى مقاعد الدراسة على رغم فرض تدابير امنية لم تكن معهودة في اي وقت داخل المؤسسات التعليمية.
وإذا كانت حال مدارس المنطقة مؤشر على ان اعتداء بيسلان اطلق مرحلة جديدة في حياة الروس، فإن الأمر ينسحب على مختلف مناحي الحياة في روسيا كلها، ما دفع كثيرين الى الحديث عن تداعيات الكارثة بلغة "روسيا قبل بيسلان، وروسيا بعدها".
والأكيد ان اول آثار العملية بدأت الظهور مباشرة بعد انقشاع غبار المعركة داخل وفي محيط المدرسة رقم واحد التي غدت أطلالاً بعدما تهدم غالب اقسامها. فبعد ايام قليلة على الحادث قررت جامعات اوسيتيا الشمالية طرد الطلاب الشيشانيين الذين يدرسون فيها بعذر عدم قدرتها على ضمان امنهم، وبدت العملية بداية لحملة "تنظيف" شاملة طاولت مختلف المدن الأوسيتية، إذ اجبر الأهالي الغاضبون عدداً من العائلات الشيشانية والأنغوشيتية التي عاشت بين الأوسيتيين زمناً طويلاً على النزوح عن مدنهم بعدما ثبت ان بين ارهابيي المدرسة كان يوجد شيشان وانغوشيت.
وإذا كانت المجموعة الإرهابية اخفقت في تحقيق الأغراض المعلنة لعمليتها وهي "تحرير الشيشان وإخراج القوات الروسية منه"، فإن المخاوف تزايدت من احتمال ان تسفر عملية المدرسة عن موجة جديدة من العنف العرقي في المنطقة وربما تفتح على مواجهات مسلحة تعيد الى الأذهان ما شهده القوقاز بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة.
اصلان في العشرين من عمره ولد في بيسلان وعلى رغم انه لم يفقد في كارثة المدرسة قريباً مباشراً، فإن معظم اصدقائه ومعارفه دفنوا اباً او ابناً او اختاً بعد الاعتداء، ولا يبدو هذا غريباً في المدينة التي لا يزيد عدد سكانها عن 30 ألف نسمة، وقال اصلان ل"الحياة" ان المدرسة - المقبرة تركت فاجعة في كل عائلة بيسلانية.
ويستعد الشاب لحمل السلاح مع رهط من اقرانه ومهاجمة القرى الأنغوشيتية المجاورة لمدينتهم لكنه قال ان ذلك سيكون بعد مرور اربعين وماً على المذبحة في إشارة الى تقاليد صارمة في منطقة القوقاز تدعو الى الثأر للضحايا بعد ان يمر "الأربعون"، وقال اصلان ان ألوف الشبان في المدينة سيحذون حذوه، ومعلوم ان للأوسيتيين ثأراً قديماً عند الأنغوش يعود الى بداية التسعينات من القرن الفائت عندما اندلعت مواجهات مسلحة بين الجانبين كانت الغلبة فيها للأنغوشيين.
ولا يكاد بيت في بيسلان مثلما هو الحال في كل اوسيتيا الشمالية، يخلو من السلاح غير المرخص، وتسعى السلطات المحلية الى تسريع وتيرة حملة شاملة لجمع السلاح المخبأ في البيوت والتنبيه لخطر زج الجمهورية في صراع عرقي سيكون من الصعب التحكم بتداعياته ونتائجه.
شاهد آخر على المأساة هو غيورغي. عمره 16 عاماً وكان بين الرهائن، وعلى رغم انه دخل الى المدرسة في ذلك الصباح في الأول من ايلول سبتمبر وحيداً لكنه خرج برفقة طفلتين تمكن من إنقاذ حياتهما، وقال انه حاول ان ينقذ طفلاً آخر لكنه مات امامه وأقسم "أن ينتقم له". غيورغي مسيحي الديانة شأنه شأن ثلاثة ارباع سكان الجمهورية القوقازية وهو يتهم الإسلام بأنه "أنجب ارهابيين". ودخل في مناقشة حادة مع صديق له حاول ان يقنعه بأن "الإرهابيين مسلمون لكن الإسلام ليس ارهابياً". والأكيد ان لهجة الكراهية التي ملأت حديث غيورغي خلفت عند مستمعيه شعوراً بالإحباط والخوف، وبعد لحظات من الصمت جاء صوته خافتاً وواثقاً "قتلة الأطفال سيدفعون عاجلاً او آجلاً ثمن فعلتهم".
ويخشى خبراء تحدثت معهم "الحياة" من تأثيرات عملية المدرسة على سلوك كثيرين انغرست المأساة في نفوسهم بعمق، وقال ليونيد غابريليف وهو طبيب نفسي، ان المراكز المختصة استقبلت حالات عدة اصيب بعضها بصدمة شديدة، واللافت ان اعمار المراجعين تراوح بين اطفال باتوا يعتقدون انهم سيقتلون في مدارسهم وراشدين هزهم الحادث بعنف، كما لم تقتصر الحالات المراجعة على مراكز بيسلان والمدن الأوسيتية بل تجاوزتها الى كل اقاليم روسيا.
فاطمة اليكوفا 26 سنة نجت بأعجوبة من المذبحة، ولم تصب حتى بخدوش بسيطة، لكنها تركت في نفسها جرحاً لا يندمل، تقول انها في اليوم التالي للعملية فقدت احساسها بالوقت ثم بدأت تفقد قدرتها على تمييز الأحداث من حولها ولم تعد تتذكر سوى صور متشابكة مقطعة الأوصال منها مشهد طفلة عمرها نحو اربعة اعوام سمح لها الإرهابيون بالتوجه الى دورة المياه في ثاني ايام الاحتجاز فحملت داخل فمها بعض الماء لأمها العطشى، وماتت الطفلة اثناء اقتحام المدرسة فيما بقيت هذه الحادثة حية في ذاكرة امها التي خرجت من المدرسة نصف مجنونة.
فاطمة قضت غالب الوقت بالدعاء والصلاة وقالت انها قبل المدرسة كانت تهتم بقراءات حول العلاقة بين الحياة والموت، وشعرت في لحظات عدة ان الموت يحوم حولها وأخبرت طبيبها انها "لم تعد تخشاه" وهي الآن لا تفكر بمواصلة قراءاتها حول هذا الموضوع.
وبعيداً من مسرح المأساة فإن تداعيات حادث المدرسة ظهرت في كل اقاليم روسيا تقريباً، اذ تفجرت من جديد موجة العنف القومي وعاد نشاط المجموعات المتطرفة الى ذروته من خلال حملات "تمشيط" جرت في موسكو ومدن روسية اخرى تحت شعار "اطردوا القوقازيين قتلة الأطفال". وطاولت الحملة مترو أنفاق موسكو الذي بات دخول ذوي البشرة السمراء إليه محفوفاً بالمخاطر.
وذكرت فتيات انهن بتن يخشين التجول من دون مرافقين في المدن الروسية وخصوصاً إذا كنّ يرتدين حجاباً. وقالت مريم 23 سنة إنها تصاب بالرعب في كل مرة تعبر فيها باب عربة القطار عندما تتجه انظار الشك نحوها. وأضافت انه "امر مريع ان تحيطك النظرات ويبدأ الركاب بمغادرة القطار فور دخولك". وزادت ان احدى صديقاتها المحجبات قوبلت بصرخات فور صعودها الى احد الباصات اذ ردد الركاب عبارات مثل "ارهابية اخرجي من هنا". كما تعرضت اخريات الى محاولات لنزع حجابهن بالقوة، ولفتت مريم الى شعورها بالذل وهي تضطر الى الخضوع لإجراءات تفتيش تطاول حقيبتها وأنحاء من جسدها، وقالت: "ان تكون ملامحك قوقازية او ان تغطي رأسك بغطاء هو سبب كاف لأن تستدير كل العيون نحوك وتصيبك بنظرات الشك كأنها سهام حامية، اشعر وأنا في الشارع بأنني اسير عارية لأن الجميع ينظر إلي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.