فاقت حصيلة مؤتمر المغتربين السوريين الاول في دمشق "توقعات" معظم المشاركين ال 450 القادمين من 36 دولة. فالتوصيات التي ناهزت 30 بندا والصادرة عن ورشات: "الموارد البشرية"، "البنى التحتية والتعاون التقني"، "التعاون الطبي وتطوير الخدمات الصحية"، "التحديث المؤسساتي"، "الاستثمار"، "الاعلام والتبادل الثقافي"، و"شؤون المغتربين" أحاطت بكل ما طرحه المتحدثون في ورشات العمل بحيث لم "يبق شيء لم يتم تناوله وتحويله الى توصية" كما علق مشاركون، قالوا "اننا ربما نواجه مشكلة في الاعوام المقبلة بالتوصيات التي ستتبناها المؤتمرات المقبلة بعدما حشدت هذه التوصيات دفعة واحدة؟"! واللافت أن معظم المشاركين وعلى مختلف اهتماماتهم وتوزعهم الاغترابي ركزوا في المناقشات التي امتدت يومي 9 و10 تشرين الاول أكتوبر الجاري على موضوع تعديل قانون خدمة العلم الذي "يشغل بال معظم المغتربين السوريين المقدر 15 مليوناً حول العالم" كما يقول أيمن نور رئيس الرابطة الفرنسية - السورية، مضيفاً "طرحت شخصيا المشاكل التي يعانيها السوريون في فرنسا والبالغ عددهم نحو 75 ألفاً، وأهمها تسهيل إجراءات عودتهم الى القطر خصوصا ممن لم يؤد الخدمة العسكرية". ويقول نور الذي غادر دمشق قبل نحو 33 عاما الى مدينة تور جنوبباريس: "هناك مشاكل كثيرة ومتشابهة لدى جميع المغتربين خصوصا ما يتعلق منها بالبدل النقدي الذي يدفعه المغترب السوري في الدول العربية والاوروبية بدلا من الفارق الكبير حاليا بمعدل خمسة آلاف دولار للأولى و15 ألفا للثانية". وامل نور بأن تجد "التوصية الصادرة عن ورشة المغتربين طريقها للتنفيذ" علما أن توصياتها جاءت بدعم جهود وزارة المغتربين بالتعاون مع وزارة الدفاع لاعداد مشروع قانون يتضمن تعديلات جوهرية تتعلق بالبدل النقدي وتسهيل زيارة المكلف بخدمة العلم الى سورية والخدمة العسكرية المؤداة في بلد الاغتراب والإعفاءات الممنوحة للمغتربين". وشغل الاستثمار والتبادل الاقتصادي، الذي تعول عليه الحكومة السورية كثيرا من أجل دفع عملية الاقتصاد الوطني، حيزاً مهماً من النقاشات، وظهرت بجلاء انتقادات المغتربين بعض "الاجراءات البيروقراطية التي تعيق دخول أموالهم الى القطر لاستثمارها في مشاريع مجدية". وأعرب وزير المال السوري الدكتور محمد الحسين عن تفاؤله متوقعاً نتائج إيجابية للمؤتمر على صعيد الاستثمار المحلي من خلال تأسيس شركة مساهمة بين المغتربين ورجال أعمال محليين. وأكد في تصريح ل"الحياة" عن "جملة مهمة" من الاصلاحات المالية والاقتصادية وصلت الى إصلاح 70 في المئة من التشريعات المالية خلال العامين الماضيين فضلا عن مواصلة العمل لاقامة "هيئة للأوراق المالية وفتح قطاع التأمين امام القطاع الخاص وتطوير كبير لعمل المصارف الحكومية وتوحيد سعر صرف الدولار والعمل على إصدار تشريع خاص بالمصارف الاسلامية". وعود الحسين لاقت ارتياحا لافتا بين المغتربين ولا سيما رجال الاعمال منهم، لكن تساؤلاتهم وانتقاداتهم شكلت ما يتجاوز ربما اختصاص وزارة أو إدارة لتشكل ما يمكن وصفه ب"دعوة لتعديل وإصلاح كثير من القوانين والتشريعات بل وآليات العمل" كما يقول المهندس وضاح صائب رئيس الجالية السورية في الكويت، مشيرا الى أن أموال السوريين المستثمرة في الخارج تزيد على 84 بليون دولار بحسب تقديرات المؤسسات الدولية المختصة وهذه لا تشمل أموال من اندمجوا في المجتمعات التي استوطنوها. وأضاف صائب أن "المسألة ذات وجوه عدة أهمها جهل المغتربين بفرص الاستثمار ببلادهم وبآليات الاستثمار وغياب المؤسسات المصرفية داعيا الحكومة الى إنشاء مراكز معلومات ومكتب لخدمة المستثمرين وطرح لوائح بالمشاريع المعدة للاستثمار وتسهيل إجراءات الترخيص. وفيما أكد عبدالله الدردري رئيس هيئة تخطيط الدولة أن سنة 2005 ستكون "نقطة تحول" للاستثمار في سورية مشيرا إلى تغيير في الذهنية لنظرة الحكومة للاستثمار، اكد نور أن المغتربين يريدون من حيث المبدأ إعادة اموالهم أو جزء منها على الاقل للاستثمار في البلد لكن "الخشية موجودة من البيروقراطية وبعض أشكال الفساد" فيما طرح بعض المغتربين مشروعات استثمار بشكل مباشر وعلى الملأ أملا بالحصول على الموافقات سريعاً من دون المرور بإجراءات روتينية كما قال إلياس حنا في طلبه العلني بعد جلسة افتتاح المؤتمر. وأشار حنا المهاجر منذ ثلاثة عقود الى بوسطن في الولاياتالمتحدة: "غادرت القامشلي اقصى شمال شرق سورية قبل 33 عاما ولم تكن هناك جامعة وأعود الآن من دون ان تنشأ جامعة في المنطقة"، طالبا من الوزراء الحاضرين وفي مقدمهم وزير التعليم العالي الدكتور هاني مرتضى مساعدته في مشروعه الذي "أخدم به أهلي ولا أريد من ورائه ربحاً" الأمر تكرر في طروحات أخرى كثيرة عرض أصحابها إقامة جامعات ومنشآت صناعية وزراعية وسياحية وجمعيات سكنية ومشاف. وبرز لافتا في المؤتمر التوصيات "الجريئة" الصادرة عن ورشة الاعلام والتبادل الثقافي من قبيل التشديد على "حرية الصحافة وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني" و"تشكيل هيئة عليا لإدارة الإصلاح" الأمر الذي جعلها تتجاوز كثيرا ما قيل من أجل جذب استثمارات تحتاجها البلاد أو في موضوع تسهيل عودة المغتربين إلى قضايا الإصلاح ليس بمعناه الاقتصادي والإداري بل بمضمونه السياسي أيضاً. والحديث في الورشة التي حضرها وزير الاعلام السوري الذي تسلم منصبه أخيراً الدكتور مهدي دخل الله تناولت طروحات جوهرية لم يسبق تناولها في المؤتمرات الرسمية، وشملت صورة سورية لدى المجتمع الغربي وقصور الاتصال بوسائل الإعلام الغربية والاستراتيجية المطلوبة لابراز دور سورية خارجيا ، فضلا عن "إنشاء صندوق يموله المغتربون لتأليف هيئة إعلامية مهنية ومستقلة لدعم قضايا الوطن في المحافل الدولية" و"فتح المجال أمام مؤسسات الإعلام الخاصة المستقلة عن تأثيرات المؤسسات الحكومية وإنشاء مركز إعلامي خارجي". التوصيات التي خرج بها المؤتمر بدت "كبيرة جدا". والمغتربون الذي جاؤوا من القارات الخمس ينتظرون البدء بالتنفيذ الذي ستتولاه هيئة متابعة خاصة بالمؤتمر فضلا عن المجلس الاستشاري الذي انتخبه المغتربون من 12 شخصا وأمانته العامة التي تتخذ من وزارة المغتربين مقراً.