لم يحسم موضوع اصلاح مجلس الأمن على رغم اطلاق كوفي أنان مبادرة جديدة لمناسبة الدورة الأخيرة للجمعية العامة لمعاودة تشكيل المجلس الذي يقتصر منذ ستين عاماً على خمسة أعضاء دائمين فقط يملكون وحدهم حق النقض. وهناك عقبات أمام اصلاح المجلس بسبب اعتراضات أوروبية على منح المانيا مقعداً دائماً واعتراضات آسيوية مماثلة على اعطاء مقعد لليابان وانقسامات افريقية على من سيفوز بالمقعد الذي سيخصص للقارة، وتباعد في أميركا اللاتينية بشأن اسناد مقعد للبرازيل. مع ذلك بات الاصلاح مؤكداً، بعدما ارتفع عدد أعضاء الأممالمتحدة الى 191 عضواً، أي انه تضاعف أربع مرات في العقود الستة الماضية. وهناك بلدان رئيسية مبعدة من مركز القرار مثل المانيا واليابان اللتين تساهمان في موازنة الأممالمتحدة بنسبة 28 في المئة، والهند التي تضم واحداً على ستة من سكان العالم. وبدا من مناقشات الدورة الأخيرة للجمعية العامة ان هناك إجماعاً على فكرة التوسعة التي يرجح أن تبت في دورة العام المقبل في مستوى رؤساء الدول في ضوء التقرير الذي أعدته لجنة شكلها أنان ومالت الى اضافة فئة جديدة من ثمانية بلدان ستتولى مقاعد شبه دائمة لفترة خمس سنوات قابلة للتجديد استناداً لمساهماتها المالية ومشاركاتها في عمليات حفظ السلام. هكذا بات الأمل جائزاً بإخراج الأممالمتحدة من قبضة قوة واحدة تسيطر على القرار الدولي كي تتكيف مع واقع العالم في القرن الحادي والعشرين، المختلف تماماً عن المشهد الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، خصوصاً بعد انهيار صدقيتها وهيبتها المعنوية خلال الحرب على العراق التي قرر بوش شنها مخالفاً إرادة أكثرية أعضاء الأممالمتحدة والتيار الغالب في المجتمع الدولي. إلا أن الايطاليين يضعون فيتو على منح المانيا مقعداً في المجلس الموسع من دون أن يطالبوا هم بهذا المقعد أو يرشحوا بلداً آخر للحصول عليه، وتشيلي والأرجنتين تشككان بحق البرازيل بأخذ مقعد أميركا اللاتينية كونها البلد الوحيد في القارة الذي يتحدث البرتغالية، فيما تتنافس كل من نيجيريا ومصر وجنوب افريقيا وليبيا على مقعد افريقيا. وطالما أن بت الموضوع مؤجل الى السنة المقبلة فمن غير الطبيعي أن لا يتوصل العرب الى موقف موحد من الاصلاحات ومن المرشح الافريقي للمقعد الدائم، خصوصاً أن هذه الخطوة تشكل حلقة مهمة في مسار الاصلاحات الذي ستسير فيه الأممالمتحدة. فالعرب من أكثر المجموعات تضرراً من البنية الحالية للمنظمة، والاقدام على الاصلاحات سيؤدي لإرساء علاقات جديدة تقترب من التوازن بين الدول على نحو ينهي الهيمنة المتنامية لدولة عظمى وحيدة على مصير العالم أو يحد منها في الأقل. لقد شكل تكافؤ القوة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي السابق ضمانة لنوع من التوازن في العلاقات الدولية، وان على حساب دول أخرى في كثير من الأحيان. أما الانفراد بالقرار فوضع المنظمة على سكة التفكك وربما الاندثار مع انهيار سمعتها. ويمكن القول ان الاصلاحات المنوي ادخالها لن تكون اصلاحاً فعلاً ان لم تشمل في الدرجة الأولى مجلس الأمن والامتيازات الممنوحة لأعضائه، وقطب الرحى هنا هو حق النقض الذي فرضه ستالين، عندما رفض الانضمام للأمم المتحدة إذا لم يمنح هذا الحق كي لا يفرض عليه الأميركيون إرادتهم بالاستناد على 22 بلداً عضواً من أميركا الوسطى والجنوبية من أصل خمسين عضوا كانت تأتمر بأوامرهم. واضطر روزفلت للقبول بالشرط الروسي مكرهاً. لكن مع ارتفاع عدد الأعضاء لاحقاً الى الضعفين زاد عدد أعضاء مجلس الأمن الى 15 عضواً لكن من دون مراجعة حق النقض أو زيادة مقاعد الأعضاء الدائمين، مما يعني ان بنية"حكومة الأممالمتحدة"ظلت مثلما كانت في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ومع ارتفاع عدد الأعضاء اليوم الى أكثر من 190 عضواً تبدو زيادة عدد المقاعد في المجلس منطقية وضرورية، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وأفول الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية منذ أكثر من ربع قرن. أما حق النقض فالظاهر ان ميزان القوى الراهن لا يسمح بإلغائه، لكن المتغيرات الكبيرة تتيح ربما تقييد المستفيدين منه. وهذا يرتب على العرب الذين يملكون موقعاً مؤثراً في القرار الافريقي انهاء التعاطي الفردي مع الموضوع والاتفاق على مرشح جدي تتوافر فيه شروط موضوعية لتمثيلهم في مجلس الأمن الموسع كي لا يهدروا الفرصة المتاحة أمامهم.