بات الأمل ممكناً بإخراج الأممالمتحدة من قبضة قوة واحدة تسيطر على القرار الدولي مع تكليف اللجنة التي شكلها الأمين العام كوفي أنان تقديم مقترحات في شأن الإصلاحات الجوهرية الواجب إدخالها على المنظمة الدولية. ومراجعة دور الأممالمتحدة صارت اليوم ملحة ليس فقط كي تتكيف مع واقع العالم في القرن الحادي والعشرين، المختلف تماماً عن المشهد الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، وإنما ايضاً بسبب انهيار صدقيتها وهيبتها المعنوية بعد الحرب على العراق التي شنها الرئيس بوش مخالفاً إرادة أكثرية أعضاء الأممالمتحدة والتيار الغالب في المجتمع الدولي. يبدو الحرص على التوازن والفاعلية واضحين في تشكيلة اللجنة قليلة العدد التي ضمت، بين شخصيات أخرى، يفغيني بريماكوف وعمرو موسى وبرنت سكوكروفت والتي ينتمي ثلثا أعضائها للقارة الآسيوية، إلا أنها لم تضم أي عضو من أميركا اللاتينية مع أن وزنها السكاني كبير على رغم ضمور دورها السياسي على الساحة الدولية. وطالما أن دور اللجنة هو إعطاء توصيات تخص إصلاح المؤسسات الرئيسية للأمم المتحدة، بما فيها مجلس الأمن الذي لم يبصر سوى إصلاحات طفيفة منذ إنشاء المنظمة الدولية قبل أكثر من نصف قرن، فإن جميع البلدان ستكون معنية بالنتائج التي ستنتهي إليها أولاً لأن التفويض الذي حصلت عليه من أنان واسع، وثانياً لأن توصياتها ستؤثر في توجيه مسار الإصلاحات التي ستسير فيه الأممالمتحدة. وعليه فالقضية لاتخص العرب بالتحديد وإن كانوا من أكثر المجموعات تضرراً من البنية الحالية للمنظمة، وإنما يتعلق الأمر بإرساء علاقات تقترب من التوازن والديموقراطية بين الدول على نحو ينهي الهيمنة المتنامية لدولة عظمى وحيدة على مصير العالم أو، في الأقل، يحد منها. فتكافؤ القوة بين الولاياتالمتحدة والإتحاد السوفياتي السابق كان ضمانة لنوع من التوازن في العلاقات الدولية، وإن على حساب دول أخرى في كثير من الأحيان، أما الإنفراد بالقرار فوضع المنظمة على سكة التفكك وربما الإندثارمع انهيار سمعتها. بيت القصيد في الإصلاحات المنوي إدخالها يخص مجلس الأمن والإمتيازات الممنوحة لأعضائه، أما قطب الرحى فهو حق النقض الذي فرضه ستالين لما رفض الإنضمام للأمم المتحدة إذا لم يمنح هذا الحق كي لايفرض عليه الأميركيون إرادتهم بالإستناد على 22 بلداً عضواً من أميركا الوسطى والجنوبية {من أصل خمسين عضواً كانت تأتمر بأوامرهم. واضطر روزفلت للقبول بالشرط الروسي مكرهاً. لكن مع ارتفاع عدد الأعضاء لاحقاً إلى الضعف زاد عدد أعضاء مجلس الأمن إلى 15 عضواً لكن من دون مراجعة حق النقض أو زيادة مقاعد الأعضاء الدائمين، ما يعني أن بنية "حكومة الأممالمتحدة" ظلت مثلما كانت في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ومع ارتفاع عدد الأعضاء اليوم إلى 187 عضواً تبدو زيادة عدد المقاعد في مجلس الأمن منطقية وضرورية، خصوصاً بعد انهيار الإتحاد السوفياتي السابق وأفول الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية منذ أكثر من ربع قرن. أما حق النقض فالظاهر أن ميزان القوى الراهن لايسمح بإلغائه، لكن المتغيرات الكبيرة تتيح ربما تقييد المستفيدين منه. غير أن إصلاح الأممالمتحدة ليس قاصرا على مجلس الأمن فالجمعية العامة تبقى المرجع الأخير في حماية الأمن الدولي، وإن لم يمنحها الميثاق آلية للتنفيذ أسوة بما أعطاه لمجلس الأمن من صلاحيات في البند السابع الذي يجيز استخدام القوة عند الإقتضاء لتنفيذ قرارات الأممالمتحدة. ومن الضروري في هذا المجال إنهاء الفراغ القانوني الذي يجعل أي دولة تفشل في الحصول على تفويض من مجلس الأمن لاستخدام القوة تلجأ لشن حرب من طرف واحد وضد إرادة الأكثرية في المجتمع الدولي. والثابت أن الأممالمتحدة تقف اليوم أمام انعطاف مصيري وأنها بحاجة لتحديد هويتها في ظل المستجدات الكبيرة التي غيرت وجه العالم كي تقوم بالدور الذي لحظه ميثاقها في ضمان السلم والأمن العالميين، لكنها لن تكسب هوية جديدة ما لم تعاود بناء الثقة بجدواها وتبدد قلق الشعوب من استمرار هيمنة حفنة من الأقوياء على قراراتها وخضوعهم هم أيضا لابتزاز قوة عظمى وحيدة.