يبدو أن دور منظمة الاممالمتحدة ينبعث انبعاثاً شكلياً غير فعلي. فالدول البارزة طلبت موافقتها قبل التدخل في ليبيا وساحل العاج. وراعى مجلس الامن الاصول، وشاركت الدول المعنية في حربين اهليتين في القارة الافريقية مشاركة تحترم القوانين الدولية. ولكن لا مؤشرات الى انتصار الشرعية الدولية وغلبة هيبة المؤسسة الدولية، بل ثمة شعور بتفتت المؤسسات الدولية وتقويض الاسس الدولية. فالدول التي لم تؤيد قرار التدخل في ليبيا تنحّت جانباً لأهداف تكتيكية، و «تركته يمر» ويقر. هي ترفع اليوم اصواتها ضد العملية الجارية على أساسه مسوغة اعتراضها بتجاوز التدخل قرار مجلس الامن، على رغم أن نص القرار صيغ صياغة مرنة. ولم تخف المرونة هذه على احد يوم اقراره. وتجربة العقد المنصرم في دول العالم بأن لا فائدة ترتجى من السياسات الأحادية و «الاجتياحات الأحادية»، ولو بادرت اليها قوة جبارة مثل الولاياتالمتحدة. وفي ولاية الرئيس الاميركي جورج بوش الثانية، بدأت الولاياتالمتحدة تعود الى كنف الاممالمتحدة. وفي عهد باراك اوباما، احترام الاممالمتحدة راجح وغالب. وفي ايار (مايو) 2010، بدا وكأن عجلة مجلس الامن تدور. فهو أصدر قرار فرض عقوبات على ايران، على رغم تحفظ البرازيل وتركيا. والحالة الليبية هي مرآة تطور نموذج عمل مجلس الامن. فالدول الغربية وجامعة الدول العربية – كل جهة منهما لأسبابها الخاصة – رأت ان التدخل ضروري. اما الباقون فلم يوافقوا على ذلك، وامتنعوا عن المشاركة في النزاع لأسباب براغماتية. ومنظمة الاممالمتحدة هي المؤسسة الدولية الوحيدة التي تملك شرعية لا أحد يطعن فيها. وهيئتها العامة تمثل الأسرة العالمية بكاملها، ومجلس الأمن هو جهازها التنفيذي القانوني. وعلى رغم تواضع قدراته، فهو مرآة أمينة لنظام العلاقات في الكرة الأرضية. ولكن طريقة تحديد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وهم يملكون مفاتيح المشكلات الشاملة وحق النقض، لا تظهر واقع توزيع القوى المعاصرة. ويبدو ان الحاجة تلح على توسيع نادي الدول الدائمة العضوية، ولو لم تمنح الدول الجديدة حق النقض. فلا أحد يرغب في حيازة اعضاء جدد هذا الحق. والحق ان من العسير اصلاح مجلس الامن من غير الاستناد الى معيار متفق عليه. وفي 1945، كانت نتائج الحرب العالمية هي المعيار. والمنتصرون فيها حازوا امتيازات يدافعون عنها الى اليوم. فهل يفترض بالمجتمع الدولي انتظار حرب عالمية جديدة لإجراء التغييرات اللازمة؟ والمراهنون على الانضمام الى مجلس الأمن هم :البرازيل، والمانيا، والهند واليابان. وتعارض الارجنتين والمكسيك عضوية البرازيل، وترى الواحدة منهما انها المخولة وحدها تمثيل اميركا اللاتينية. وتمانع الولاياتالمتحدة عضوية المانيا، واليوم تحذو حذوها دول اوروبية، ومنها ايطاليا وإسبانيا الطامحتان الى عضوية المجلس. ويؤيد كبار اللاعبين عضوية الهند. ولكن الصين وباكستان تعارضان العضوية هذه. والصين تعارض كذلك ارتقاء اليابان عضواً دائماً في مجلس الامن. وهذا شأن روسيا، على رغم أنها لا تعلن معارضتها. اما الوضع في افريقيا فهو معقد. وتقف نيجيريا وكينيا ومصر ضد عضوية افريقيا الجنوبية في المجلس. وشرعية مجلس الامن في منأى من الطعن، على رغم ان قاعدة تمثيل الدول تجافي التمثيل الواقعي. ولذا، تبادر الدول الى انعاش دور منظمة الاممالمتحدة من طريق طرق ملتوية. فأنشأت «مجموعة الثماني» التي بدأت شعلتها تنطفئ، و «مجموعة العشرين» التي لا يسع أحد انكار وزنها نظرياً. فهي تشتمل على 20 اقتصاداً من الاضخم في العالم. ولكن يستحيل تحويلها نظاماً جديداً ل «حكومة عالمية». وهي لم ترتق ساحة ادارة الاقتصاد العالمي الشامل. ومجموعة الخمسة «بريكس»، البرازيل وروسيا، والهند والصين وجنوب افريقيا، لا تنوي خلافة منظمة الاممالمتحدة. ويشير نمط تصويت دولها في مجلس الامن الى تطابق اهدافها ومصالحها. وهي لا تسعى في مجابهة الولاياتالمتحدة، بل الى الالتفاف حول مبادراتها. واذا اصلحت المؤسسات الدولية هذه اصلاحاً يلائم الواقع الحديث، فقدت موسكو شطراً راجحاً من نفوذها. ويوم أنشئ نظام مجلس الامن، كان الاتحاد السوفياتي في ذروة جبروته الجيوبوليتيكي، ما لا يمكن قوله عن روسيا الحالية. وانتقاد الاممالمتحدة يسير. ولكنه من قبيل شتم المرآة اذا تمرأى فيها مخلوق قبيح. ومنظمة الاممالمتحدة هي مرآة أمينة لوضع العالم، وجعبتنا خالية من مرآة اخرى، او نموذج آخر للكرة الارضية. * محلل سياسي، عن «غازيتا رو» الروسية، 21/4/2011، اعداد علي ماجد