على رغم قلة الأفلام التي أنجزها على مدى نحو عشر سنوات، إلا أن المخرج الشاب محمود سليمان الآتي من جنوب مصر وبالتحديد من مدينة المنيا يصر على أن تظهر بصمته في كل فيلم قصير أو تسجيلي. عرضت أفلامه في العديد من المهرجانات، ولاقت تقديراً وآخرها فوز فيلمه التسجيلي "يعيشون بيننا" بجائزة أفضل فيلم تسجيلي قصير من مهرجان الإسماعيلية الدولي هذا العام. ولكن سليمان غير قانع بهذه الإنجازات الصغيرة ويرى أنه لم يحقق ما حلم به بعد. اختلافه عن أبناء جيله كونه لديه تجربة متميزة في الكتابة الأدبية، وأيضاً من القلائل الذين لم يخوضوا تجربة العمل كمساعد مخرج ولم يعمل في أي من الفضائيات، فقط إخراج الأفلام القصيرة والتسجيلية كان شاغله طوال السنوات المنصرمة. في البداية نرغب في معرفة كيف بدأت علاقتك بالسينما، وكيف تنامى حبك لها ؟ - بدأت علاقتي بالسينما والثقافة عموماً منذ الطفولة، من طريق أخي الأكبر الذي درس السينما في معهد السينما في القاهرة وكان أيضاً يكتب القصص القصيرة. في العاشرة من العمر كنت أدخر ثمن تذكرة الدرجة الثالثة الترسو في "سينما ميامي" في ألمنيا. وكان سعر التذكرة وقتها 4.5 قروش. ولأنني لا أمتلك ثمن تذكرة الحافلة، كنت أذهب إلى السينما سيراً على الأقدام ذهاباً وإياباً. وكانت هذه القاعة تعرض افلاماً لبروس لي مثل "بروس لي يتحدى لي لي" و"بروس لي يتحدى التنين". بعد حصولك على شهادة الدراسة الثانوية، بدأت محاولاتك المتكررة والمصرة على الالتحاق بمعهد السينما... كيف كانت تلك التجربة؟ - بالفعل دخلت اختبارات المعهد 3 مرات. كنت أنجح بتفوق في الاختبارات التحريرية، اثم أرسب في الاختبار الشفوي قبل إقرار نظام الورشة الإبداعية المعمول به الآن. كانت الدهشة تصيب معظم اصدقائي على هذا الأصرار عندما رأوا مدى عدم تواؤمي مع الدراسة في المعهد. في المعهد صدمت بكل شيء ولم تكن علاقتي جيدة به على رغم حبي الشديد للمكان .... ولكنني أعترف بأن المعهد كان بوابتنا جميعاً الى العمل في السينما وعالم الاحتراف والذي ربما لم نطأه في شكل كبير حتى الآن. وأفضل شيء أنني خرجت من ذلك المكان بصداقات عدة وحميمة لبعض أساتدتي وزملائي. كما أنني أخرجت خلال فترة الدراسة فيلمين. أحدهما تسجيلي "رمسيس الثاني" 1993، والآخر روائي قصير "وقت مستقطع" 1997. بين الأدب والسينما إلى أي مدى أثرت تجربتك الأدبية في مسارك السينمائي؟ - بدأت كتابة الأدب بالطبع قبل السينما. أجمل شيء فيها أنك تصنع كل شيء بنفسك، مصيرك في يدك وليس في أيدي الممثلين أو المصورين وغيرهم. في رأيي أن السينما أخطر من الأدب لأن الأدب كل قارئ يقرأه ويخرجه وفق مزاجه الخاص، ويتخيل كل التفاصيل الاقرب للنجاح. فعندما تتخيل مثلاً شخصيات رواية "بداية ونهاية" لنجيب محفوظ فإنك تتخيلها كما يحلو لك لأن هناك قدراً كبيراً من الخيال متروك للقارئ مهما أسهب الكاتب في الوصف. أما السينما فهي محددة في شكل نهائي، فلا تستطيع وأنت تشاهد فيلم "بداية ونهاية" أن تتخيل شخصية أبو الروس قصيراً أو رفيعاً. أصبح أبو الروس هو فريد شوقي، وهنا المخاطرة في السينما، إذا لم يختر المخرج أنموذجاً موفقاً للشخصية كانت الكارثة وبالذات في الأفلام المأخوذة عن أعمال أدبية. استفدت في الادب بالصورة السينمائية، وفي السينما بالخيال والمشاعر الهائلة الموجودة في الأدب. بعد أن حققت عدداً من الأفلام القصيرة والتسجيلية التي حازت جوائز وتقديراً في مهرجانات دولية ومحلية... بدأت السعي جدياً في تحقيقك فيلمك الروائي الطويل الأول، فما هي الخطوات التي قطعتها حتى الآن على هذا الدرب الصعب؟ - كان لدي منذ عام تقريباً مشروع فيلم "سنة أولى سينما"، وتقدمت بالمعالجة الى مسابقة السيناريو في مهرجان الإسكندرية في العام الماضي، وفزت بالجائزة الثالثة البرونزية، يومها ركزت وسائل الإعلام على مسابقة السيناريو، وحصل الفائزون على وعود كثيرة بتنفيذ السيناريوات الفائزة، وبخاصة من ممدوح الليثي المسؤول عن الإنتاج السينمائي في "مدينة الإنتاج الإعلامي" وبخاصة أنه يترأس الجمعية التي تنظم المهرجان. وعلى رغم التقارير الإيجابية التي رفعها أعضاء اللجنة عن السيناريوات الفائزة، ذهبت الوعود أدراج الرياح. والآن لدي مشروع جديد لفيلم طويل كتبه سيناريست كبير، لكنني أفضل الاحتفاظ بالتفاصيل الآن حتى تتبلور صيغة حقيقية ونهائية بعد انتهائنا من التعديلات. هل تعتقد بوجود تيار خلقه المخرجون الشبان الذين خاضوا تجاربهم الإخراجية الأولى في السنوات الأخيرة؟ - لا أعتقد بأن هناك تياراً خلقه المخرجون الشبان لأن المخرجين القادرين على ذلك لم يخوضوا تجربتهم الإخراجية حتى الآن. ولا يزعجني عدم تشكل تيار بل عدم جودة المنتج حالياً، وانحساره في الأفلام الكوميدية فقط إلا في حالات نادرة. من الملاحظ أنك من المخرجين القلائل الذين لم يخوضوا تجربة العمل في الفضائيات، أو العمل كمساعد مخرج... فهل يعني هذا الإحجام أن هناك موقفاً من هذه التجارب؟ - المخرجون الشبان مضطرون للعمل في الفضائيات او غيرها من الأعمال المتعلقة بالمهنة، وعلى رغم أنني لم استطع فعل ذلك لكنني اعذر غيري. أسوأ شيء في العمل في الفضائيات من وجهة نظري أنها زجت في الساحة كمية مخرجين هائلة، 90 في المئة منهم غير موهوبين . أيضاً لم استطع العمل كمساعد لأنها مهنة لا تناسبني ولا أصلح لها على رغم أهميتها واحترامي الشديد لها وللعاملين بها، ربما لعيب في طبيعتي الشخصية.