منذ تشرين الثاني نوفمبر الماضي، قرر الاتحاد الأوروبي ان الاتفاقات التي توقع مع دول من غير الأعضاء، واتفاقات الشراكة الأوروبية، ينبغي أن تتضمن بنداً ينص على امتناع أي من الدول الموقعة على اتفاق مع الاتحاد، عن تطوير أسلحة دمار شامل والتزامها العمل على مكافحة انتشارها في العالم. وخلال مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي، لم تعترض سورية على هذا البند، ولم تجعل منه موضوع عرقلة لاتفاق الشراكة بينها وبين الاتحاد. لكن تصريح الرئيس السوري بشار الأسد لصحيفة "دايلي تلغراف" بشأن موضوع أسلحة الدمار الشامل وقوله ان "من البديهي أن نبحث عن سبل للدفاع عن أنفسنا"، وأنه "ليس من الصعب الحصول على هذا النوع من الأسلحة من أي مكان في العالم"، لا يصب في هذا الاطار. صحيح ان هذا التصريح يعكس استياء العالم العربي ورأيه العام إزاء الحرية التامة المعطاة دولياً لاسرائيل، على هذا الصعيد، لكنه قد يؤثر سلباً في موقف بعض الدول الأوروبية، التي قد تجعل منه عقبة أمام مفاوضات سورية مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاق الشراكة. فبعدما زارت لجنة المفوضية الأوروبية دمشق في أوائل كانون الأول ديسمبر الماضي، أكدت انها أنهت المفاوضات مع الجانب السوري بشأن الاتفاق، وعادت الى بروكسيل لتقدم الى الدول الأعضاء ما حصلت عليه عبر التفاوض. وينتظر بعد ذلك ان توافق الدول الأعضاء على اتفاق الشراكة هذا حتى يمكن القول ان المفاوضات انتهت فعلاً. الموعد المهم اذن هو الاعلان عن انتهاء المفاوضات، وهذا متوقع حسب مصادر مختلفة خلال الشهر الجاري، ثم تجري بعدئذ مصادقة البرلمانات، وهذه تتطلب بعض الوقت. لذلك تأتي تصريحات الرئيس السوري، لتعطي ذريعة لدول أوروبية قد تريد عرقلة المرحلة النهائية من الاتفاق، على رغم الانفتاح والتعاون اللذين أبدتهما سورية حيال الاتحاد الأوروبي. ويأسف بعض الدول الصديقة لسورية، وفي طليعتها فرنسا، لأنه على رغم النصائح التي قدمت الى دمشق بشأن ضرورة أن تؤكد للعالم ان نظامها في طور التغيير والانفتاح وأنه يقوم بالاصلاحات المطلوبة ويعمل على الخروج من عزلته، فإن شيئاً لم يتحقق حتى الآن من هذه المتغيرات. وعلى رغم ذلك يبقى الرهان الأوروبي، بأنه لا بد للتغيير من أن يأتي عن طريق رئيس سوري شاب يؤمن بالاصلاح والتحديث. والتأخير في هذا المسار يخيب آمال الأصدقاء الذين يعتبرون أن عزلة سورية مسيئة للمنطقة العربية وللغرب. فسورية ستكون الدولة الأولى التي تنهي مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي، بعد ادخال الاتحاد للبند المتعلق بأسلحة الدمار الشامل. وما قاله الأسد عن سهولة الحصول على مثل هذه الأسلحة لا يخدم مصلحة سورية على الصعيد الأوروبي، على رغم ان مفاوضاتها مع الاتحاد التي استمرت خمس سنوات بلغت نهايتها. ولاتفاق الشراكة الأوروبية السورية أهمية كبيرة في دولة عربية تحتاج الى خبرات في مجال تأهيل الموارد البشرية للقيام بالاصلاح، على غرار ما تفعله فرنسا حالياً على المستوى الثنائي، من خلال تعاونها مع سورية في مجالي الادارة والقضاء. فسورية تعاني من نقص كبير في الخبرات واتفاق الشراكة سيمكنها من اطلاق برامج تعاون جديدة، خصوصاً في القطاع الاقتصادي، كما يفتح أمامها أسواق أوروبا بعدما كانت بمثابة سوق اشتراكية مغلقة. واتفاق الشراكة سيؤمن لسورية الانفتاح الاقتصادي، وحتى اذا استغرقت مسيرة فتح الأسواق عشر سنوات، فإنها ستكون مفيدة على المدى الطويل وتتيح لها الدخول الى السوق الضخمة الممثلة بدول الاتحاد. والرئيس السوري يدرك أهمية هذا الاتفاق لبلده، والسؤال المطروح هو: لِمَ الجمود وعدم التغيير؟