أسمع بيل كلينتون يتحدث فلا أملك الا ان اقارنه بجورج بوش، وأسمع الرئيس الأميركي يتحدث فأقارنه بالرئيس السابق. وسمعت قبل أيام الرجلين، كلينتون في مؤتمر دافوس، وبوش عبر التلفزيون. وبقدر ما يبدو الأول مقنعاً، يبدو الثاني وكأنه غريب عن الموضوع. وأترك الرئيس بوش يتراجع عن اصراره على مدى سنتين ان صدام حسين يملك اسلحة دمار شامل، ويعد الأميركيين بالذهاب الى القمر والمريخ. وقرأت في تفسير طموح بوش هذا ان الرئيس يريد أن يذهب الى المريخ ليبحث عن أسلحة الدمار الشامل. وكان هناك كاريكاتور يبدو فيه بوش وقد وضع وزير الخزانة السابق بول اونيل على المريخ، فقد فضح اونيل اسلوب عمل الحكومة في كتاب جديد ركز على جهل الرئيس بالمواضيع المطروحة وعدم رغبته في أن يعرف التفاصيل. ربما زدت من عندي انني كنت أعتقد ان جورج بوش في الفضاء الخارجي فعلاً. كلينتون، بالمقارنة، يجمع بين الدهاء وحسن الالقاء، ويأسر المستمعين، خصوصاً المستمعات، وقد سمعته في دافوس يدافع عن العولمة، وفي حين انني لا أرى رأيه، فإن من الصعب ان يخطّئه المستمع في الأفكار. وهو قال ان معارضي العولمة يسجلون عليها ما هو خطأ، وينسون الصحيح، وانهم يريدون العودة الى "أيام سعيدة ماضية" لم توجد أصلاً. وتحدث كيف أخذ العالم يتحول من العزلة الى اعتماد الدول بعضها على بعض، ليصل الى الدمج. وهو تحدث عن العمل معاً لتغيير المستقبل، ولاقتسام المعرفة، إلا انه كان "يدبل" عيونه للسيدات، وكانت تجلس بقربي واحدة تتنهد بصوت عال مع كل عبارة قالها، فلم أفهم بعض كلامه. أو لعل كلامه لم يكن مفهوماً، فهو عندما وصل قال انه وصل في ساعات الصباح الباكر من جدة، ويشعر بدوار، فإذا لم نفهم ما يقول فالسبب ان افكاره مشوشة. في المقابل كنت في جلسة، وأحد المشاركين يتحدث بصوت خفيض، ولم أسمع كلامه، وطلبت أن يقترب أكثر من الميكروفون، ففعل وعندما سمعته وجدت انه لا يقول شيئاً يستحق السماع. طبعاً مثل هذا المتحدث استثناء فالقاعدة هي ان مؤتمر دافوس يضم بعضاً من أفضل العقول السياسية والاقتصادية في العالم. وبما انني كنت ضمن قادة الميديا، فقد وجدت نفسي بين بعض أفضل الصحافيين العالميين، وسمعت منهم ما يصيب الصحافي العربي بإحباط، فعندهم كل شيء، أما نحن... فعندنا اخلاق حميدة. هم بحثوا في كيفية منع الاعلان من التأثير في استقلالية المهنة، ونحن نبحث عن الاعلان. وهم حذروا من نفوذ الميديا الى درجة التأثير في القرار السياسي لحكومة منتخبة ونحن نبحث عن الاعلان لتأمين قسط من الاستقلالية يمنع القرار السياسي من التأثير فينا. وكل هذا من دون أن أدخل في تفاصيل ما سمعت عن التكنولوجيا، والجيل الجديد من الكومبيوتر، وكيف يمكن استغلال وجود "بلوغرز"، أي صفحات رسائل الكترونية تقتحم المواقع على الانترنت، ويصبح أصحابها مراسلين للمطبوعة وقت الحاجة القصوى في بلاد لا يوجد فيها مراسل لها، وسجل بعضهم ان "بغداد بلوغر" كان بين أفضل مصادر المعلومات في بغداد خلال الحرب على العراق. مع ذلك شعرت أحياناً بأنني أفضل حظاً من قادة دول ان لم أكن أفضل حظاً من زملاء، فنائب الرئيس تشيني تحدث مع خلفية طرد شركته السابقة هالبرتون اثنين من موظفيها لتلقي رشوة في عمل للشركة في العراق، ما ألقى ظلاً على كلامه، زاد من شكوك المستمعين في صدقيته. أما الرئيس برويز مشرف، فدافع عن أمن الأسلحة النووية في باكستان، فيما كانت الصحف تنشر أخباراً عن تقديم علماء ذرة باكستانيين معونة فنية غير مصرح بها لإيران. وسمعت الرئيس مشرف يقول في 23 من هذا الشهر ان لا أحد في العالم يعرف حجم الأسلحة النووية الباكستانية أو مكان وجودها، وانه لا يستطيع أي انسان بمفرده، حتى لو كان الرئيس الباكستاني نفسه، الوصول الى هذه الأسلحة. غير ان "واشنطن بوست"، وجرائد أخرى، نشرت في اليوم نفسه أخباراً عن ان المحققين الباكستانيين يعتقدون ان عالمين اثنين، احدهما عبدالقدير خان الذي يعتبر والد القنبلة النووية الباكستانية، قدما معونة فنية للبرنامج النووي الايراني من دون إذن. وفي حين وجدت تشيني يستحق ما لحق به من احراج، إلا انني أجد الأعذار للرئيس الباكستاني فقد تحدث بوضوح واقناع، وكانت الأخبار عن العلماء الباكستانيين، وتوقيتها الغريب، من نوع سوء الحظ. وأريد أن أختتم بشيء ايجابي، فهناك وسط الشكوى العامة من الأوضاع العربية، وهي شكوى محقة، تقدم ملموس في مجال التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وقصة تغني عن شرح. استوقفتني شابة من بلد خليجي محافظ جداً، وشكت لي هموم جيلها، وقلت لها: صبراً، أنت تحدثينني وأنت سافرة. وأنت تحدثينني بخليط من العربية والانكليزية، ويبدو انك سافرت وحيدة، وتقولين انك تريدين ان تزوريني في مكتبي في لندن. وقد اعطيتني بطاقة عمل تدل إلى ان عندك وظيفة، والآن أسألك ان تقارني وضعك هذا بوضع أمك، فهي اذا كانت متعلمة، فالارجح انها تجيد العربية فقط لتستطيع الصلاة. أعتقد ان جيلك قفز سنوات ضوئية عن الجيل السابق. ووافقتني الصبية رأيي على مضض، وشعرت بأنها ستظل تطالب بالمزيد وأرجو ان تحصل على ما تريد.