اضطرت الإدارة الأميركية في العراق إلى تأجيل حفلة تنصيب قاضية عراقية في مدينة النجف، بعدما أثار قرار تعيينها موجة من الاحتجاجات داخل المدينة التي تقطنها غالبية من الشيعة وصدور فتوى ضد الخطوة. وقالت صحيفة "نيويورك تايمز"، التي أوردت النبأ أمس، ان هذه أزمة نموذجية للتوتر الحاصل في العلاقات بين الإدارة الأميركية في العراق التي ترغب بفرض طابع عصري على التغييرات التي تجري في ظلها من جهة، والمجتمع العراقي المحافظ، الذي ينظر إلى الحملة العسكرية على العراق بأنها عبارة عن غزو حضاري تنبغي محاربته من جهة أخرى. ومما أثار دهشة الأميركيين أن بين المحتجين على تعيين القاضية نساء عراقيات. وقال الكولونيل الأميركي كريستوفر كونلين انه لا يستطيع فهم رد فعل أهل النجف، خصوصاً أن مجلس الحكم الانتقالي يضم نساء، ولم يسمع أي صوت معارض لهذا الأمر. أما القاضية فهي نضال ناصر حسين 45 سنة، وهي أول عراقية تمارس مهنة المحاماة في النجف حيث فيها الآن 50 محامية يعملن من خلال مكاتب لهن موزعة في المدينة. ويأتي تعيينها قاضية ضمن سلسلة من التعيينات لشغل مناصب أصبحت شاغرة بعد فصل أصحابها المنتمين إلى حزب البعث. ووقف أكثر من ثلاثين رجلاً ومعهم ثلاثون امرأة عند مدخل مكتب رئيس القضاة في النجف وهتفوا "لا للمرأة"، و"لا لرووي". ورووي هي محامية أميركية معروفة من ويسكونسن تعاقدت معها وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون للمساعدة على إعادة بناء الجهاز القضائي في النجف. وقالت رجيحة العميدي، إحدى المتظاهرات: "إننا نعارض تعيين امرأة كقاضية لأنه يتعارض مع الشريعة الإسلامية"، وأضافت ان "هدم الإسلام هو ما يرغب الأميركيون بتحقيقه بالدرجة الأولى من غزوهم". واعتبرت أن "المرأة غير قادرة أن تكون قاضية لأنها دائماً تقع تحت تأثير عواطفها". وفي حوار بين الكولونيل كونلين ورئيس القضاة في النجف أبرز الأخير ثلاث فتاوى لشيوخ دين من الشيعة يحرمون فيها تعيين نساء كقضاة، اثنتان منها صادرة عن آية الله علي السيستاني والشيخ مقتدى الصدر، فيما أبدى الكولونيل استغرابه من أن تعيين قاض في أي ولاية من الولايات الأميركية لا يستدعى الحصول على موافقة المراجع الدينية في الولاية، مسيحية كانت أو غيرها. ودخل كونلين في جدل مع القاضية المعينة، إذ قال لها "هدفي هو تعيينك قاضية، لكن من الأفضل أن نبحث الموضوع بشكل أعمق". وأضاف مشيراً إلى الجمهور الغاضب في الخارج: "توجد دلائل على أن كبار رجال الدين لديهم وجهة نظر جدية". غير أن نضال حسين، التي وضعت منديلاً على رأسها وارتدت ملابس أقل تشدداً مما تفعله النساء في النجف، حاولت اقناع كونلين بعدم الالتفات إلى المحتجين، وقالت له: "كانت هناك تظاهرات ضد أول مدرسة ابتدائية افتتحت في المدينة للبنات. وكل شيء يحتاج إلى بداية". وأضافت: "ينبغي ألا تلتفت فقط إلى الأشخاص المحتجين، بل أيضا إلى الناس العقلاء". وكان مكتب رئيس القضاة يعج بالقضاة العاملين في المحكمة والذين قالت غالبيتهم ان المحكمة تحتاج إلى امرأة. وأشاروا إلى أن النظام القضائي العراقي في السابق لم يمنع تعيين قضاة من النساء، مؤكدين أنه ينبغي على المؤسسة الدينية أن تلائم نفسها مع التحولات الجارية في المجتمع. لكن أحد القضاة أشار إلى أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين، على رغم سطوته، لم يتمكن من تعيين امرأة قاضية في النجف. بل أن صدام جمّد في السابق قراراً اتخذه رئيس القضاة في بغداد بتعيين نحو ست نساء قاضيات. من جانبها، عبّرت رووي عن خيبة أملها تجاه هذا الموقف. وقالت انها طارت فرحاً لدى تقدم نضال حسين بطلب للحصول على الوظيفة، لأنها رغبت بكل صدق بتعيين امرأة في المنصب. لكنها أضافت انه على ما يبدو ينبغي الأخذ في الاعتبار رغبة المواطنين في المدينة. وأضافت: "لا اعتقد بأن المؤسسات الحكومية يجب أن تكون خاضعة للمنظمات الدينية. كان لدي انطباع بأن حكومة علمانية ستقوم في العراق. لكنني على ما يبدو كنت على خطأ".