يرسم كتاب "قرن أميركي آخر" للباحث نيكولاس غايات الصادر عن دار الفارابي في ترجمة رياض حسن، صورة لبعض الارتباطات الأميركية الحديثة في أنحاء العالم، كما يستخلص بعض الأنماط العامة لسياسة واشنطن الخارجية وآثارها على بقية دول العالم، في المجال الاقتصادي والسياسي والعسكري والايديولوجي. ان احدى الأفكار البالغة الأهمية في هذا الكتاب هي ان النقاشات السياسية التي تعبر عن رأي الأكثرية في أميركا كما في أرجاء مختلفة من العالم أصبحت أكثر توافقية في العقد الماضي بعدما اعتنقت أحزاب سياسية لها ميول يسارية سابقة حزب كلينتون الديموقراطي كثيراً من سياسات خصومها اليمينيين، خصوصاً في الحقل الاقتصادي. لذلك يمكن القول ان ادارة الرئيس كلينتون لا تمثل فترة فاصلة لجناح اليسار في التاريخ الأميركي بقدر ما تعكس الفكر الحالي للأكثرية السياسية. صحيح أن هذا الكتاب لا يسعى الى تقويم السياسة الخارجية لإدارة الرئيس كلينتون وانما هو محاولة لتقويم أهم الاتجاهات والحالات النفسية التي تساهم في صوغ علاقات الولاياتالمتحدة مع بقية دول العالم في نهاية القرن العشرين، مبتعداً قدر الإمكان من الاجابة عن الطرح الذي يعتقد ان القرن الحادي والعشرين سيكون "أميركياً"، وآخذاً في الاعتبار الظروف التي رافقت هذا السؤال والنتائج المحتملة التي يتضمنها، والمزاج الذي دفع غالبية الأميركيين الى الإجابة بنعم عن هذا السؤال. يحكي هذا الكتاب قصة سياسة التعاون الدولي المقترحة وبروز موجة جديدة من أمركة العالم. التدشين الانتصاري ل"القرن الأميركي التالي" من جانب كلينتون عام 1999 هو نقطة انطلاق مفيدة لوصف التحولات في الفكر والعمل السياسي الأميركي. تعالج الفصول الأربعة في الكتاب تأثير الولاياتالمتحدة في الاقتصاد العالمي منذ 1945، مع الاهتمام في شكل خاص بإنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبحث عن أسواق جديدة للمنتجات الأميركية في الخارج وغياب اقتصاد الدولة لمصلحة الاعتماد أكثر على نهج السوق الحر. وإذ ينتهي الكتاب بتقويم السلوك الأميركي في الخارج، إلا أنه لا يتغافل عن التحديات الكبيرة التي تواجهها السياسة الأميركية، وهو يشير في ذلك الى المعركة المتنامية حول العولمة التي ربحها أكبر صانعي الأموال في المرحلة الأولى، لغاية الخسارة التي منوا بها في شوارع مدينة سياتل عام 1999. وفي تحليل مثير وصريح وجيد التوثيق لهذه المعركة التاريخية، يثير نيكولاس غايات، إضافة الى تحليله المميز لتلك القوى التي ساهمت في هذه المعركة والمدافعين عنها بعض الأحيان، أسئلة جيدة وأساسية حيال عدد كبير من سياسات الولاياتالمتحدة الخارجية المتجذرة في التجربة الأميركية.