تتصف عملية اختيار مرشح لأحد الحزبين الرئيسين الى انتخابات الرئاسة بالتعقيد، وهي تطورت كثيراً منذ استقلال الولاياتالمتحدة، فيما ظلت بعض عناصرها ثابتة منذ سن دستور البلاد. وتقيم الأحزاب الرئيسة مؤتمراً وطنياً في الصيف الذي يسبق موعد الانتخابات النهائية، تشارك فيه وفود انتخابية عن كل ولاية. ويختلف عدد أعضاء وفد كل ولاية بحسب التعداد السكاني وبحسب الأعراف المعمول بها في كل حزب. أما العدد الكلي للمشاركين في المؤتمر فليس ثابتاً، وتحدده قيادة الحزب بحسب معادلة معينة، وظل عدد الأعضاء يتزايد على مر السنين. وفي السنة المقبلة، يتوقع أن يصل عدد أعضاء الوفود المشاركة في المؤتمر الوطني للحزب الديموقراطي الى 4317 عضواً، وللحزب الجمهوري الى 2516 عضواً. وتتم عملية الانتخاب بأسلوبين: إما بانتخابات تمهيدية، أو من خلال الجمعية الانتخابية Caucus. وبحسب نتائج الانتخابات، يحدد نصيب كل مرشح من الوفود الانتخابية في المؤتمر الوطني للحزب، ويفوز بترشيح الحزب المرشح الذي يحصل على أكبر تمثيل بين أعضاء الوفود. وهناك فارق بين أسلوبي الانتخاب، فالجمعية الانتخابية لا يشارك فيها سوى الأعضاء المنتسبين بصفة رسمية الى الحزب، ويكون عددهم محدوداً دائماً، وتجرى هذه الانتخابات على مراحل في بعض الولايات. أما الانتخابات التمهيدية فيشارك فيها كل المواطنين الذين يحق لهم التصويت. وعندما يسجل أي مواطن اسمه في لوائح الانتخابات، فإنه يحدد سلفاً الحزب الذي يناصره ليتمكن من التصويت في الانتخابات التمهيدية، والغالبية العظمى من المواطنين مسجلون كمناصرين لأحد الحزبين الرئيسين أو كمستقلين. وتختلف قوانين الانتخابات التمهيدية من ولاية إلى أخرى، وتتفرع إلى ثلاثة أنواع: الأول، وهو الانتخابات المغلقة، ولا يُسمح بالمشاركة فيها سوى للمواطنين المسجلين كمناصرين للحزب الذي تجرى فيه الانتخابات. الثاني هو الانتخابات شبه المغلقة، ويسمح فيها للمواطنين المسجلين كمستقلين بالمشاركة في الانتخابات التمهيدية لأي من الحزبين. والثالث هو الانتخابات المفتوحة، ويسمح فيها للمواطنين بأن يشاركوا في انتخابات أي حزب يشاؤون. وكما ذكرنا، عندما تجرى انتخابات تمهيدية في ولاية ما يحصل المرشحون على نسبة من أعضاء الوفد مساوية لنسبة الأصوات التي حصلوا عليها. وعلى رغم ذلك، ففي بعض الولايات، يحصل المرشح الذي يفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، على كل أعضاء وفد المؤتمر الوطني عن تلك الولاية. الوفود الانتخابية للمؤتمر في القرن الثامن عشر، كان لقيادة الأحزاب السياسية والقادة السياسيين في الولايات المختلفة الدور الأكبر في تحديد أعضاء الوفود، وفي القرن التاسع عشر بدأت تجرى بعض الانتخابات التمهيدية، بضغط من الأوساط الشعبية التي خشيت من تركّز السلطة في يد مجموعة قليلة من الناس. ومع ذلك ظل عدد الانتخابات التمهيدية قليلاً في الولايات، وبقيت قيادات الأحزاب لها اليد الطولى في تحديد المرشحين للرئاسة. وحدث التطور الأكبر على نظام الانتخابات التمهيدية في أعقاب الحملة الانتخابية عام 1968، إذ تأسست في 1969 لجنة لدرس النظام الانتخابي، وأصدرت توصيات لإصلاح النظام، وتم تبني معظمها. ومنذذاك تزايد عدد الولايات التي تتبنى أسلوب الانتخابات التمهيدية، كما توسعت مشاركة أعضاء الحزب في اختيار المرشحين من خلال أسلوب الجمعية الانتخابية. وفي عام 2000، بلغ عدد الولايات التي تبنت أسلوب الانتخابات التمهيدية 38 لانتخابات الحزب الديموقراطي، و41 لانتخابات الحزب الجمهوري. كما ذكرنا، فإن عدد أعضاء الوفد الانتخابي لكل ولاية محدد، لكن أعضاء الوفد ينقسمون إلى نوعين، الأول هو الذي تتوزع أصوات أعضائه على المرشحين بحسب النتائج التي حصلوا عليها في الانتخابات التمهيدية، ويطلق على هذا النوع اسم الأعضاء المرتهنين Pledged Delegates، أما النوع الثاني، ويطلق عليه اسم الأعضاء غير المرتهنين، فيصوتون بحسب ما يشاؤون، وبغض النظر عن تصويت المواطنين. ويتوقع أن يبلغ عدد أعضاء الوفود غير المرتهنين في المؤتمر الوطني المقبل للحزب الديموقراطي 797، أي ما يقارب خمس العدد الكلي للوفد. وهؤلاء الأعضاء هم أعضاء اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي 450 شخصاً، وأعضاء مجلسي الكونغرس من الديموقراطيين، وحكام الولايات من الديموقراطيين، والرؤساء السابقون ونوابهم، إضافة إلى عدد قليل من جهات متعددة. ويلاحظ مما سبق أن مرشح الحزب للرئاسة لا يتم انتخابه من الشعب "تماماً"، إذ إن عدد أعضاء الوفود غير المرتهنين لا يستهان به، ومعظمهم من قادة الحزب ومن النخبة الحاكمة، وهم غالباً من البيض الأغنياء. وفي الحالات التي تكون نتائج الإنتخابات الأولية فيها متقاربة، فإن هذه الشريحة تحسم الأمر بصرف النظر عمن نال أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات التمهيدية. وهذا ما قد يحدث في الانتخابات المقبلة، لا سيما أن المرشح هاورد دين، وهو المرشح المتقدم في الاستطلاعات حتى الآن، لا يملك الكثير من المعجبين ضمن الشريحة الحاكمة. عملية الانتخاب بحسب القواعد المتبعة في الحزب الديموقراطي، يجب أن تجرى الانتخابات التمهيدية وانتخابات الجمعيات الانتخابية بفترة محددة ما بين يوم الثلثاء الأول من شباط فبراير ويوم الثلثاء الثاني من حزيران يونيو. وهناك ثلاثة استثناءات هي الجمعية الانتخابية لولاية آيوا، التي يسمح بعقدها قبل أسبوعين من الفترة المحددة، والانتخابات التمهيدية لولاية نيوهامبشير التي يسمح بعقدها قبل سبعة أيام من الموعد المحدد. وأخيراً، المرحلة الأولى للجمعية الانتخابية في ولاية مَين، ويسمح بعقدها قبل يومين من الفترة المحددة. وأسبغ هذا الاستثناء أهمية استثنائية لانتخابات ولايتي آيوا ونيوهامبشير، على رغم أنهما من الولايات القليلة التعداد السكاني، وبالتالي فإن عدد أعضاء وفودهما الى المؤتمر الوطني صغير، إذ يبلغ عدد الأعضاء المرتهنين في ولاية آيوا 45 عضواً واحد في المئة من العدد الكلي، وفي ولاية نيوهامبشير 22 عضواً 0.5 في المئة. وتنبع هذه الأهمية من أن الفائز فيهما يعتبر أنه المرشح المتقدّم، ويحصل على تغطية إعلامية واسعة، وهذا ينعكس بالتالي على التبرعات المالية التي يحصل عليها. كما أن له تأثيراً نفسياً في الناخبين، إذ ينزع الناخبون أحياناً إلى التصويت للمرشّح المتقدّم. وهناك أيضاً عامل تاريخي، ففي آخر سبعة انتخابات رئاسية، ذهب ترشيح الحزبين الديموقراطي والجمهوري أي 14 دورة انتخابات تمهيدية للحزبين معاً، الى المرشحين الذين فازوا بترشيح احدى الولايتين، ما عدا حالاً واحدة. ولهذا السبب انسحب مرشحان ويسلي كلارك وجوزيف ليبرمان من الانتخابات التمهيدية لولاية آيوا، إذ إنهما لا يتمتعان بشعبية كبيرة فيهما، وفضّلا الانسحاب على أن يحلا في مراكز متأخرة، ما قد يعطي حملتهما صورة سلبية. عامل المال تكلف الحملة الانتخابية أموالاً طائلة، وتتزايد هذه الأموال في كل دورة انتخابية. وتعهد الرئيس الحالي بوش جمع 200 مليون دولار لحملته الانتخابية، وهذا سيشكل رقماً قياسياً. وهناك نظام تمويل من الحكومة الاتحادية للحملات الانتخابية يحصل المرشحون بموجبه على مبلغ يساوي المبلغ الذي نجحوا في جمعه من المتبرعين قبيل عقد الانتخابات التمهيدية، ولكن يشترط في هذه الحال ألا يتجاوز المرشح في حملته الإعلانية مبلغ50 مليون دولار تقريباً. وفي هذا العام، قرر المرشح هاورد دين عدم الاعتماد على هذا النظام، بمعنى أنه لن يحصل على أي تمويل حكومي، ولكنه سيتجاوز مبلغ 50 مليون دولار بالتأكيد، وهذا يعود الى رغبته في التمكن من منافسة بوش من هذه الناحية، وإلى حقيقة أن حملته الانتخابية استطاعت جمع مبالغ كبيرة جداً من المواطنين. كما قرر المرشح جون كاري عدم الاعتماد على نظام التمويل الحكومي أيضاً، كونه يملك ثروة طائلة ويرغب باستخدام ماله الخاص في حملته. ومن المؤشرات على أهمية عامل المال، أن نتائج الانتخابات التمهيدية للمرات الخمس السابقة لكلا الحزبين أي عشرة مرشحين عن كلا الحزبين، أدت إلى فوز المرشحين الذين تمكنوا من جمع أكبر قدر من التبرعات المالية في السنة التي سبقت سنة الانتخابات، ما عدا حالاً واحدة. وهناك قضايا كثيرة تتعلق بعامل المال، مثل سيطرة المصالح الخاصة والأقليات المتنفّذة والشركات الكبرى على المرشحين من خلال التبرعات.