أنهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة إلى كازاخستان أمس تمكن خلالها من إقناع مضيفيه بتمديد عقد تأجير قاعدة "بايكونور" الفضائية لروسيا حتى سنة 2050. وكان بوتين بحث مع نظيره الكازاخستاني نور سلطان نزاربايف عدداً من الملفات الثنائية والإقليمية والدولية. لكن الاتفاق على تحديد وضعية قاعدة الفضاء العملاقة كان أهم نتائج الزيارة خصوصاً أنه جاء بعد جدل طال شهوراً بين الجانبين بعدما طالبت الآستانة بإعادة النظر في الاتفاق الموقع مع موسكو منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. ومعلوم أن القاعدة التي توصف بأنها "درة الصناعات الفضائية السوفياتية" كانت احتمت في منتصف القرن الماضي في سهول كازاخستان وآلت إلى الأخيرة بعد انهيار الدولة العظمى. لكن روسيا التي شكلت قاعدة "بايكونور" أهمية استراتيجية فائقة بالنسبة إليها من أجل استكمال برامجها العسكرية والعلمية في الفضاء خاضت مع الآستانة مفاوضات شاقة أسفرت عام 1994 عن توقيع اتفاق تستأجر موسكو بموجبها القاعدة لمدة 20 عاماً قابلة للتمديد لعشرة أعوام أخرى في مقابل 115 مليون دولار تدفع نقداً لكازاخستان في كل عام. لكن الأخيرة لم تلبث أن تراجعت عن موقفها في العام الماضي وطالبت بإعادة النظر في الاتفاق، في وقت تزايد فيه القلق الروسي بعد صدور تلميحات بإمكان حلول الولاياتالمتحدة بدل روسيا في القاعدة الفضائية. وكان تزايد النفوذ الأميركي في كازاخستان أثار مخاوف روسية عززتها سياسة التقارب الشديد التي قادها نزاربايف مع الغرب. ويرى خبراء روس أن فقدان موسكو قاعدة بايكونور يهدد بشل مشاريع الفضاء الروسية. وإضافة إلى القيمة المعنوية للقاعدة التي شهدت إطلاق أول مركبة فضائية عام 1957 كما انطلق منها الروسي يوري غاغارين في أول غزو بشري للفضاء عام 1961، فإن القاعدة المؤلفة من تسعة مجمعات إطلاق للصواريخ الحاملة للأقمار الاصطناعية تشهد في كل عام إطلاق عشرات الأقمار المخصصة للاستخدامات العلمية والتقنية والعسكرية، وكذلك شهدت خلال الفترة الأخيرة بداية ما بات يعرف باسم "السياحة الفضائية". ويعتقد خبراء استراتيجيون أن الأهم من ذلك كله هو أن قاعدة "بايكونور" غدت نقطة الانطلاق الأساسية للمركبات الفضائية الروسية المتوجهة لتغذية محطة الفضاء الدولية بالعتاد والمؤن ورواد الفضاء خصوصاً بعد قرار واشنطن تجميد رحلات مكوكاتها الفضائية بعد حادث تحطم "كولومبيا" قبل نحو عامين. ويرى كثيرون أن ذلك التطور أعاد الثقة ببرامج الفضاء الروسية على رغم افتقارها للموارد المالية اللازمة لتطويرها. ويمنح تمديد اتفاق تأجير القاعدة لروسية فرصة لمواصلة مشاريعها في الفضاء حتى سنة 2050 ويرفع عنها التهديد بتوجيه ضربة قد تكون قاسمة لها خصوصاً أن روسيا تبدو عاجزة ربما لعقود مقبلة عن توفير موارد مالية كافية لإنشاء قاعدة فضائية جديدة على أراضيها، ذكر خبراء أن بناءها يحتاج إلى توفير مبالغ "خيالية" بالنسبة إلى روسيا في وضعها الحالي.