أكتب في آخر يوم من سنة 2003 التي قيل في مثلها "تنذكر ما تنعاد"، فقد كانت سنة كوارث عربية لم يخفف من وطأتها سوى سقوط صدام حسين، مع ان الاميركيين ارتكبوا الخطأ بعد الخطأ منذ سقوطه، وكأنهم يريدون من الناس ان يترحموا عليه. لن ادخل في جدل سياسي، ولكن اعطي مثلاً عابراً على سبب استفحال المشكلات في العراق على رغم زوال الكابوس. ارجو من القارئ ان يجرب الرقم 0017032700405 فهو رقم سلطة الائتلاف المدني في العراق. وهو لو جرب لسمع "لقد اتصلت برقم المركز المدني في بغداد. اتصلت برقم خاطئ. نرجو ان تحاول من جديد في وقت لاحق". كيف يتصل انسان برقم فيسمع انه رقم المركز، ثم انه رقم خاطئ، ثم يطلب منه الاتصال من جديد... وأفترض بالرقم نفسه لأن الرسالة المسجلة لا تعطي رقماً آخر. كان الزميل ابراهيم خياط، العائد من بغداد، لفت انتباهي الى الرقم المسجل هذا، واتصلت وسمعت الرسالة بالانكليزية، فضممت القصة الى مجموعة من اخبار المهنة اخترتها من جهد السنة الماضية وجهاده... جهاد الآخرين لا جهادي الشخصي، فقد قنعت منذ سنوات من الغنيمة بالأباب. لا بد من ان بين القراء من سمع انه بعد راديو "سوا" والمجلات والمطبوعات طلع الاميركيون بفكرة تلفزيون لتحسين صورتهم بين العرب والمسلمين. وقرأت كثيراً عن تلفزيون "الحرة" المقبل، ورجوت ان تكون "الحرة" ايضاً "مستقيمة"، وهذا كلام لبناني سيفهمه الزميل موفق حرب المسؤول عن المحطة الجديدة، وأن "تحبل" بأخبار صحيحة، لا ان تبقى السياسة الاميركية كما هي، ويتولى الاعلام الاميركي مهمة ان "يرش على الموت سكّر". اغرب ما في امر الاميركيين واعلامهم الرسمي انهم يركزون على محطة "الجزيرة" القطرية، ويهملون كل محطة اخرى، وكأن هذه المحطة مسؤولة عن بؤس الصورة الاميركية في منطقتنا، لا السياسة الخرقاء والتأييد الاعمى لاسرائىل. ويعرف اي عربي يشاهد التلفزيون ان المحطات الاخبارية الاخرى، خصوصاً "العربية" و"أبو ظبي" لا تقلان شأواً عن "الجزيرة"، وأحياناً تزيدان عليها في الاخبار التي تزعج الاميركيين. وربما زدت الى ما يعرف العربي ما اعرف انا من مصادر اولية مباشرة، فقد تعرض الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، وزير خارجية قطر، الى ضغوط اميركية هائلة لتغيير تغطية احداث العراق وفلسطين، ورفض بعناد فأشكره بالاصالة عن نفسي والنيابة عن القراء، فقد اثبت انه يمارس الحرية الصحافية التي يدعيها الاميركيون. ووجد الاميركيون رفضاً مماثلاً من اركان "العربية"، على رغم انهم حاولوا عبر دول عربية ووزارات. نقول "المكتوب يقرأ من عنوانه" وقد توقعت الشر عندما افتتحت السنة بفوز ليكود، اي مجرم الحرب آرييل شارون، في كانون الثاني يناير، غير انها انتهت بأسر صدام حسين من دون مقاومة ليثبت انه جبان بقدر ما هو قاتل. بين هذه الامور العظام تابعت سقوط كونراد بلاك وزوجته بربارة امييل عن عرش مجموعة "التلغراف"، وخشية ان يعتقد القارئ انني وحيد في الاهتمام بهذه المجموعة الشارونية، فانني اختار من جوائز ساخرة وزعتها مجلة "برايفت آي" فأعطت امييل جائزة "صحافي العام" عن حملتها على هيئة الاذاعة البريطانية بتهمة عدم الدقة في تغطية اخبار الشرق الاوسط. وهي حملت بحدة ولؤم على المراسلة اورلا غيرلين بسبب موضوع من الناصرة عنوانه "كيف سرق الاسرائىليون عيد الميلاد؟". وعندما احتجت هيئة الاذاعة البريطانية ردت امييل بالقول: "عدت الى ابحاثي، ودققت لإعادة نظر في تقرير غيرلين... فهو لا يشرح الاحداث التي ادت الى الحصار على الناصرة". كان بحثاً دقيقاً فعلاً، كما قالت المجلة البريطانية الساخرة، فأولاً المراسلة اسمها غيرين، وليس غيرلين، ثم ان الحصار تعرضت له بيت لحم، والموضوع كان عنها لا عن الناصرة. ارجو ان يؤدي وقوع كونراد بلاك في مشكلات ادارية ومالية ضمن المجموعة، الى رحيل الصهيونية امييل عن صفحات "الديلي تلغراف" المحترمة. ويغلبني الطمع فأرجو ان يذهب معها الصحافي في الجريدة كون كوغلن، فأمامي خبر يملأ اكثر في صفحة من الجريدة في 14 كانون الاول ديسمبر ومعه ثلاث صور لمحمد عطا وأبو نضال وبيت اجتمعا فيه، في بغداد، على ذمة الكاتب وهي واسعة. وكانت هناك ايضاً وثيقة على شكل رسالة ذكرتني بوثائق أسلحة الدمار الشامل. كوغلن زعم انه يقدم ادلة على وجود علاقة بين القاعدة وصدام حسين، عبر ابو نضال. وأنا مدين لمجلة "برايفت آي"، فهي تذكرت ان كوغلن نفسه كتب في 22 آب اغسطس من سنة 2002 ان "الارهابي الفلسطيني ابو نضال قتل بأمر من صدام حسين لرفضه تدريب مقاتلي القاعدة المرابطين في العراق". واذا لم تستحِ فاصنع، او اكتب، ما شئت. وبدأت بالعراق وأريد ان اختتم به. فقد تميزت سنة 2003 بنغمة عراقية ارجو ان يعفينا الاخوان منها في العام الجديد هي "انكم"، وهذه قد تكون الجامعة العربية، او الاممالمتحدة، او العرب كلهم او المسلمين، "تخليتم عنا" وتركتم صدام حسين وشأنه، بل ساعده بعضكم. بعضنا ساعده في حربه مع ايران، غير ان الموضوع هنا ان صدام حسين، وامه واباه، عراقيون، وكذلك جميع الجلادين حوله، والذين قتلوا عراقيين بأمره كانوا عراقيين، فأرجو الا يحملنا اي عراقي المسؤولية عن رجل طلع من بينهم، وكان اعوانه من جميع الطوائف، فلا سر في هذا. ثم ان العراق اكبر من أي بلد عربي مجاور، وأقوى كثيراً، وأغنى جداً... يعني لا قدرة لأحد عليه. وصدام لم يسقط الا بتدخل عسكري اميركي هائل، ما كان سقوطه ممكناً من دونه. وفي حين نعترف للأميركيين بالفضل في سقوط صدام، وقد فعلت شخصياً مرة بعد مرة، فإنني اصر على ان مشكلته، او المصيبة به، عراقية خالصة.