جلس صدام حسين مع الوفد الفلسطيني في قمة بغداد وقال: نحن قتلنا عصام سرطاوي. قتلنا علي ناصر ياسين. قتلنا نعيم خضر. قتلنا سعيد حمامي. والآن نفتح معكم صفحة جديدة. القتل نفذه أبو نضال الذي ذهب الى العراق في السبعينات ممثلاً منظمة التحرير الفلسطينية وانشق عنها ليؤسس منظمة ارهابية قتلت من القادة الفلسطينيين في الخارج أكثر مما قتلت اسرائيل، وعندما انتهت الحاجة اليه وأصبح عبئاً بما يحمل من أسرار قتله صدام حسين. في تلك القمة حمل أبو عمار معه زجاجات الماء لأنه يعرف ان صدام حسين ان لم يقتل بالرصاص يقتل بالسم، ورفض ان يشرب الشاي المقدم اليه. على كل حال ما سبق مقدمة كل شهودي عليها احياء، فأكمل بموضوعي اليوم. يتحول كل من "الصنداي تايمز" و"الصنداي تلغراف" من الرصانة الى صحافة "التابلويد" عندما يكون العراق موضوعاً، وهما يوم الأحد الماضي تفوقتا على نفسيهما في المبالغة والشطط، والخوض في ما يتحدى المنطق المجرد. غير انني أريد قبل أن أمضي أن استثني من نقدي الصحافية ماري كولفن، فهي ممتازة وتعرف الشرق الأوسط جيداً، لذلك استغربت أن أجد اسمها على تحقيق سأسجل هنا اعتراضاتي عليه. "الصنداي تايمز" نشرت في صفحتها الثالثة خبراً شغل ثمانية أعمدة في رأس الصفحة كتبته هالة جابر ونسبته الى مساعد للإرهابي أبو نضال طلب عدم ذكر اسمه، فافترض انه ليس عاطف أبو بكر الذي أطلقت السلسلة من المقابلات معه في "الحياة" الجدل القائم. السلسلة التي كتبها الزميل غسان شربل، رئيس التحرير المساعد، كشفت ان أبو نضال وراء عملية لوكربي، ولكن خبر "الصنداي تايمز" يدخل في الاستحالة، وهو يزعم ان دولة كاملة مثل ليبيا لا تعرف كيف "تركّب" متفجرة، وتحتاج الى خبرة جهاز أبو نضال، فالخبر يزعم ان رئيس الاستخبارات الليبية عبدالله السنوسي طلب من جماعة أبو نضال اعطاءه المتفجرة داخل جهاز ترانزستور، ليضعها عملاء الاستخبارات الليبية داخل حقيبة في مالطا، نقلت الى طائرة "بان اميركان"، فكان الانفجار فوق لوكربي. انا لا أصدق ان هذا ما حدث، لأنني لا أتصور ان ليبيا تحتاج في تجهيز قنبلة موقوتة الى خبرة ارهابي مطارد وجماعته المحدودة، وهي بلد ثري له جيش كبير واستخبارات قوية، وعلاقات قديمة مع الاستخبارات السوفياتية والألمانية الشرقية وغيرها. في الصفحة 13 من الجريدة نفسها جاء اسم ماري كولفن مع صونيا مراد، فقد كتبتا في صفحة كاملة نبذة عن حياة الارهابي القديم كررت الزعم عن ليبيا والمتفجرة. غير أن النبذة زادت رواية أكثر غرابة هذه المرة، فأبو نضال قتل لأنه حاول التآمر مع اخوان صدام غير الأشقاء برزان ووطبان وسبعاوي، والمصدر لهذا الخبر فلسطيني لا اسم له. أعرف من بين الجميع برزان التكريتي، وأعرف أنه لا يتآمر على أخيه، فهو لم يفعل في جنيف ولن يفعل في بغداد، ومصادر المعارضة العراقية في الخبر نفسه تقول ان الاخوة تحت نوع من الاقامة الجبرية. يظل خبر "الصنداي تايمز" معقولاً بالمقارنة مع خبر "الصنداي تلغراف". فالجريدة الليكودية هذه نشرت في رأس صفحتها الأولى خبراً يقول ان صدام حسين قتل أبو نضال لخلاف بينهما على القاعدة، وقرأت ان الرئيس العراقي طلب من أبو نضال ان تدرب جماعته عناصر القاعدة في العراق. هذا ليس خبراً بل مجرد استطراد لأخبار الجريدة الاسرائيلية الهوى عن وجود عناصر القاعدة في العراق، لتبرير ضربة أميركية... يعني ان الخبر يعكس أفكار ريتشارد بيرل لا أي حقائق على الأرض، وكاتب الخبر كون كوفلن معروف باعتماده على مصادر الاستخبارات، وكان سبب خسارة جريدته قضية رفعها سيف الإسلام القذافي. لا أصدق ان عناصر القاعدة في العراق لمجرد ان مصدر الخبر الأصلي أنصار اسرائيل في الادارة الأميركية الذين تروج لهم جريدة كونراد بلاك وبربارة اميل، وأترك القارئ يفكر معي في وضع يحتاج صدام حسين الذي كتب الكتاب عن الارهاب، الى خبرة جماعة ارهابية صغيرة في تنفيذ مخططاته، ثم في الزعم ان أبو نضال رفض الطلب، كأنه يملك أن يرفض، أو كأنه لا يعرف عاقبة الرفض. نقول الكنى شبهة، والصحافي كاتب الخبر اسمه كون، وهي كلمة من معانيها بالانكليزية نصب واحتيال. وهو يزيد في الصفحة 19 نبذة عن حياة أبو نضال شغلت الصفحة كلها وازدانت بالصور، ووجدت ان الكاتب يدخل في مستحيل آخر. فصدام حسين يريد من أبو نضال احياء شبكته الارهابية حول العالم، والقيام بعمليات ارهابية ضد تركيا والأردن. وهذا خيال محض، فصدام حسين لن يعطي عذراً واضحاً لضربه بترك ارهابي يقيم في العراق ينظم عمليات في الخارج، ثم ان التحديد في الخبر عن استهداف تركيا والأردن يجافي كل منطق، فمن هو ذلك الديبلوماسي العربي الذي حضر اجتماع الرجلين ونقل هذه التفاصيل الدقيقة؟ الرواية هنا لا تقل كذباً عما روى رئيس الاستخبارات العراقية طاهر حنوش، فهو يريد منا ان نصدق ان أبو نضال يقيم في بغداد من دون علم الحكومة العراقية منذ سنتين أو ثلاث، وان رجال الاستخبارات المعروفين باللطف ودماثة الأخلاق انتظروا في الخارج، فيما هو يغير ثيابه لمرافقتهم، ثم انه انتحر بإطلاق اربع رصاصات على رأسه. وكل هذا كذب مثل الأخبار المنشورة في لندن، وأبو نضال قتل لأن مدة الصلاحية انتهت، فهو يعرف ألف سر عن النظام، ولم يعد قادراً على العمل أو لم تبق هناك حاجة اليه. وأبو نضال يستحق مصيره، كما يستحقه الذين قتلوه، فهم جميعاً أساؤوا الى القضية الفلسطينية، وكانوا عوناً لأمثال آرييل شارون عليها، وسواء فعلوا ذلك جهلاً أو قصداً فالنتيجة واحدة.