سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تعقيبان على الوثائق البريطانية السرية حول مطاردة الحاج امين الحسيني - جورج أنطونيوس أطلع رشيد عالي الكيلاني على تقرير كلفته الاستخبارات البريطانية إعداده . مفتي القدس لم يغادر تركيا في طائرة ألمانية ولم يفكر بمساعدة السنوسي
نشرت "الحياة" في السادس والسابع من آب أغسطس الماضي ملفاً عن وثائق أفرجت عنها الخارجية البريطانية أخيراً، بعدما بقيت حبيسة الأدراج نحو 62 عاماً، كشفت أن الحكومة البريطانية لم تقم بأي مبادرة للحؤول دون وقوف الزعيم الفلسطيني مفتي القدس الحاج أمين الحسيني إلى جانب دول المحور بقيادة ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية. وأوضحت الوثائق أن بريطانيا لجأت إلى التشهير بالمفتي والحط من قدره وإشاعة الأخبار الكاذبة عنه بعدما وجدت أن لا أساس قانونياً لاعتقاله وتقديمه إلى المحاكمة. وأظهرت أن الدوائر البريطانية شُغلت على مدار عام كامل في تقصي مكان وجود الحاج أمين الذي برع في التخفي والإفلات من عيون الرقباء. وضم الملف مجموعة كبيرة من المراسلات بين الوزارات البريطانية الثلاث، الخارجية والمستعمرات والدفاع، مع السفراء والقناصل والمندوبين السامين البريطانيين في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، محورها الحاج أمين ونشاطه السياسي وتحركاته. وفي ما يأتي تعقيبان يتضمنان تعليقات وتوضيحات لما تضمنته تلك الوثائق. عرفت الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس، رحمه الله، للمرة الأولى عام 1937، إثر دعوة والدي الحاج محيي الدين السهروردي رئيس لجنة مراسم دفن الشهيد جعفر باشا العسكري وزير الدفاع وتأبينه، في المقبرة الملكية في الأعظمية، بعد القضاء على بكر صدقي الذي قاد أول انقلاب عسكري في الوطن العربي عام 1936 والذي اغتال وزيره جعفر باشا غدراً. كما التقيته مرات عدة في المفوضية العراقية في بيروت في 1938-1939 إثر نجاته من قبضة الإنكليز. ولم تنقطع اتصالاتي وزياراتي له منذ قدومه إلى بغداد في خريف 1939 وفي برلين والقاهرة وبيروت. لم "يهرب" الحسيني من القدس إلى بيروت بزي امرأة بواسطة سيارة تابعة لديبلوماسي عراقي، وإنما هرب من طريق البحر في زورق صغير بمساعدة والد مدير البنك العربي - فرع الرباط في المغرب، والذي تعرّفت إليه عام 1982 من طريق الصديق حيدر الحسيني ابن أخ المفتي وزوج ابنته السيدة سعاد أيام كنا في الرباط. وكان حيدر يعيش مع عمه في البيت نفسه الذي غادره وبقي هو فيه يوم "كبس" الإنكليز بيته فلم يجدوه. من جهة أخرى، كان السيد كامل الكيلاني، شقيق السيد رشيد عالي الكيلاني، قنصلاً عاماً في القدس، ولم يخبرنا في حينه عن طريقة هربه. وورد في مقدمة الملف الذي نشرته "الحياة" أن "الكيلاني دبّر انقلاباً بمساعدة الجيش ضد العائلة المالكة التي لجأت إلى طهران، وتسلم الحكم في العراق... الخ". وتعقيباً على ذلك، نقول: أولاً: إن المفتي لجأ إلى بيروت وليس إلى دمشق. ثانياً: إن الكيلاني لم يدبّر انقلاباً وإنما اعتمد النص الدستوري بأن يقوم بمهمات الدولة عند وفاة الملك أو تخليه عن الحكم... ولما تأكد لجوء عبدالله الوصي على عرش العراق وولي العهد إلى بارجة إنكليزية راسية في البصرة، استندت حكومة الكيلاني إلى المادة الدستورية التي تنص على تولي رئيس الوزراء رئاسة الدولة لحين اختيار وصي جديد. كما أن العائلة الملكية لم تلجأ إلى طهران بل بقيت في قصر الزهور في بغداد تحت رعاية حكومة الدفاع الوطني، حرصاً من الكيلاني على حياة الملك فيصل الثاني وأمه وذويه وجميع أسرته. ثالثاً: لم تكن للكيلاني ميول تجاه ألمانيا، كما صوره الإنكليز في حينه، كما هو ديدنهم في "فبركة" الأكاذيب، وإنما اضطر إلى اعتماد "مبدأ" عدو عدوي صديقي، كما اعتمد سياسة ونستون تشرشل: التعاون مع الشيطان في سبيل المصلحة القومية. تعقيب على الوثائق وفقاً لترتيبها الزمني -1- لم تنجح محاولات الحكومة البريطانية لاعتقال المفتي لأن استقبال الحكومة العراقية للحاج أمين إثر وصوله بغداد في 15/10/1939 كان مفاجأة للسفارة البريطانية، عندما استقبله الأمير عبد الإله في اليوم الثاني لوصوله. وكان الكيلاني آنذاك رئيساً للديوان الملكي. كما استقبله نوري السعيد والأوساط الرسمية والشعبية استقبالاً حاراً قطع الطريق أمام كل المحاولات الإنكليزية. وحل المفتي ضيفاً كريماً في العراق وليس لاجئاً، وخصصت له دارة في شارع الزهاوي الذي يقع قبالة البلاط الملكي في منطقة الأعظمية. -2- جاء في ذيل رسالة المندوب السامي البريطاني في بغداد أن السيد جمال الحسيني كان اليد اليمنى للمفتي. ومن عجيب الصدف أنني كنت عائداً إلى بغداد إثر نشوب الحرب العالمية الثانية، إذ كنت في الجامعة الأميركية في بيروت عندما التقيت السيد جمال الحسيني في الحافلة نفسها التابعة لشركة "الإنكورلي" للنقليات، وكان يجلس مع أحد إخوانه إلى جانبي، وكان ذلك في منتصف أيلول سبتمبر 1939 وعلمت منه أن زيارته لبغداد كانت الأولى له، أي أنه سافر إلى بغداد قبل سفر المفتي إلى العراق. -3- الوثيقة المؤرخة في 2 كانون الثاني 1941 الخاصة برحلة سكرتير المفتي الشخصي المدعو أمين توفيق شاكر. والغريب في هذه الرسالة أنها لم تذكر الاسم الحقيقي للسكرتير ! فهل كان ليعصى على بريطانيا العظمى معرفة ذلك، أم أنها مجرد إبلاغ الجهات المعنية بحامل هذا الجواز بعدما علمت بوجهة سفره إلى تركيا وسويسرا في زمن كانت أوروبا في حال حرب؟ -4- الوثيقة المؤرخة في 11 كانون الثاني 1941 التي بعث بها السفير البريطاني في بغداد السر بازل نيوتون إلى الخارجية، وكان هو الآخر يجهل هوية شاكر الأصلية، علماً أن هذا السفير كان أحد أخطر السفراء الإنكليز في العراق، لما كان يتمتع به من دقة الملاحظة وخطورة الحوادث التي وقعت في زمانه، وما كان يبديه من توصيات ومقترحات "موضوعية" لمصلحة حكومته الاستعمارية. -5- الوثيقة المؤرخة في الأول من شباط فبراير 1941 من سفير بريطانيا لدى تركيا إلى الخارجية تبلغها "أن السلطات التركية لا تملك ما يؤكد دخول توفيق شاكر إلى الأراضي التركية... وأنه ليس موجوداً في تركيا". وما ورد في هذه الرسالة صحيح لأن شاكر دخل تركيا بجواز سفر عراقي نظم له في بغداد. -6- الوثيقة المؤرخة في 14 أيار مايو 1941 تشير إلى أن وزير المستعمرات البريطاني رد على استفسار أحد نواب مجلس العموم البريطاني عن مكان اثنين من مساعدي المفتي، جمال الحسيني وجورج أنطونيوس. فرد الوزير بأن جمال موجود في العراق مع المفتي وأنطونيوس موجود في فلسطين. وكان السيد جمال الحسيني فعلاً في بغداد، وكثيراً ما كنت التقيه في مناسبات معروفة. أما جورج انطونيوس، فإن الاستخبارات البريطانية أوفدته - سراً - إلى بغداد، وباسم مستعار، لينقل إليها حقيقة الموقف في العراق. وروى لي الكيلاني قصة هذا الرجل الذي قال عنه: إنه زارني في بيتي سراً وأطلعني على تقريره قبل أن يرفعه إلى الاستخبارات البريطانية، لما كان يتمتع به من حب لفلسطين والعرب وموقف العراق تجاه العدوان البريطاني آنذاك. وعرف تقريره الذي لم ينشر ب"تقرير أنطونيوس" Antonios Report. أما من هو أمين توفيق شاكر فاسمه الحقيقي عثمان كمال حداد وهو لبناني الأصل من مواليد طرابلس الشام واسمه في الجواز توفيق علي آل شاكر وحين سافر إلى ألمانيا حلّ في بودابست هنغاريا ليغيّر جواز سفره واسمه إلى ماكس مولر احتياطاً عند عودته إلى العراق. وكان الرجل التحق بالمفتي حينما حل واضطر للتوجه معه والكيلاني إلى إيران حيث ألقي القبض عليه ونفي مع من أُلقي القبض عليهم من العراقيين والعرب إلى روديسيا، ومنهم الوصي الشريف شرف، ومجموعة من وزراء الكيلاني. -7- في القسم الثاني من الملف جاء أن الوثائق البريطانية كشفت بكل وضوح أن المفتي لم يكن يميل كلياً إلى ألمانيا ودول المحور، بدليل أنه كان يفكر بإرسال مقاتلين فلسطينيين إلى ليبيا لمساعدة السنوسي الخ. فهل يجوز أن بلداً بحاجة إلى من يقاتل لتحرير فلسطين "يفكر" بإرسال فلسطينيين لمساعدة السنوسي ضد إيطاليا. ومما تقدم، يتضح جلياً أن الاستخبارات البريطانية كانت هزيلة بل عاجزة عن الحصول على أبسط المعلومات بسبب موقف العرب، كل العرب، ضد سياساتها الاستعمارية. ومن جهة أخرى، كان مجال العمل النضالي مفتوحاً للحاج أمين الحسيني والأخوة الفلسطينيين أثناء وجودهم في العراق. ويكفي أن أذكر في هذا السياق أنه كانت في العراق جمعية رسمية علنية تطلق على نفسها "لجنة الدفاع عن فلسطين" ولها فروع في جميع المدن والقرى. وعلى قدر تعلق الأمر بالميل إلى ألمانيا أقول: لِمَ اهتمت الاستخبارات البريطانية بسفر سكرتير المفتي أمين توفيق شاكر إلى تركيا وسويسرا ذلك الاهتمام بحيث كانت البرقيات السرية المتبادلة بين الهند وأنقره وبغدادوبيروت هي الشغل الشاغل للإمبراطورية؟ لقد أوفد الحاج أمين الحسيني سكرتيره الشخصي إلى دول المحور عام 1940 للغرض نفسه الذي كانت بريطانيا تخشى أن يتحقق وهو الأمر الذي أملى على أجهزتها الوقوف على تحركات شاكر. -8- ثمة حقيقة مهمة جداً، أشارت إليها التقارير البريطانية عن تلقي المفتي تقارير من أن بريطانيا ستنتصر في الحرب على دول المحور. وكان هذا صحيحاً: كان حسين سري باشا رئيساً لوزارة مصر 1940 عندما اتصل بالسيد رشيد عالي الكيلاني من طريق مبعوث شخصي أرسله بطائرة خاصة إلى بغداد بناء على طلب المندوب السامي البريطاني في مصر السر مايلز لمبسون الذي ناشده النصيحة والتعاون لاتخاذ موقف حازم لمواجهة رشيد عالي الكيلاني الذي أصبح يهدد الإمبراطورية البريطانية. فقال حسين سري باشا له: ليست لي معرفة سابقة بالرجل، وأرجو أن تمهلني بعض الوقت لأجد المناسبة لذلك. وحين وجدها بعث برسوله الشخصي فالتقى الكيلاني في بغداد ونقل إليه تساؤل سري باشا عن موقف العراق تجاه التوسع الالماني وموقف العرب من بريطانيا وعن نتائج الحرب الدائرة بين المتحاربين، فرد الكيلاني عليه بأن يتعاون العرب في ما بينهم لتحقيق مصالحهم القومية. وعن سؤاله بشأن كفة النصر أجابه الكيلاني بصراحة إن الانكليز سينتصرون معدداً أسباب ذلك. ونقل الكيلاني ما دار مع مبعوث حسين سري باشا الى المفتي وجماعته. -9- المفتي اضطر للجوء إلى دول المحور بعدما احتلت بريطانياالعراقوإيران وبلاد الشام. أما لماذا توجه الكيلاني ومن ثم المفتي إلى تركيا ومن ثم إلى ألمانيا، فإن آخر اجتماع لمجلس وزراء حكومة الدفاع الوطني عقد في طهران في حزيران يونيو 1941 في حضور القادة العسكريين الأربعة والشريف شرف والحاج أمين الحسيني. وكان آخر قرار اتخذته الحكومة مواصلة الكفاح لتحرير العراق استناداً إلى قرار هتلر دعم حكومة الدفاع الوطني عسكرياً. ولما كانت أسرة الكيلاني موجودة في إستانبول، وبناء على قرار حكومة الدفاع الوطني التي اعتبروها "شرعية"، توجه الكيلاني إلى تركيا حيث حاول عبثاً الحصول على تأشيرات دخول لبعض وزرائه بسبب الضغوط البريطانية على الحكومة التركية خوفاً من تشكيل حكومة في المنفى. وتمكن المفتي في ما بعد من الإفلات من أيدي الإنكليز، فغادر طهران متنكراً بطريق البر إلى تركيا. -10- الوثيقة المؤرخة في 1 و2 تشرين الأول أكتوبر 1941 حول اعتقال المفتي. ويتضح جلياً مدى تفهم المندوب السامي البريطاني في فلسطين "رد الفعل" لدى العرب والمسلمين إذا جيء بالمفتي إلى فلسطين معتقلاً. فكان، والحق يقال، أكثر إدراكاً ووعياً في معالجة مشاعر الشعب والأمة، فحذّر وزير المستعمرات في لندن من مغبة اعتقال المفتي ونفيه خارج الوطن العربي. -11- الوثيقة المؤرخة في 7 تشرين الأول 1941. قال المستر إيدن وزير خارجية بريطانيا في رد على سؤال أحد أعضاء البرلمان البريطاني عن مكان وجود المفتي أن السفارة البريطانية في طهران علمت من مدير شرطة طهران أن الحاج أمين موجود في مبنى تابع للبعثة الديبلوماسية اليابانية. والصحيح أن المفتي لجأ إلى السفارة الإيطالية وأن الشرطة الإيرانية كانت تخفي المعلومات عن القادة العراقيين والفلسطينيين عن الإنكليز. -12- الوثيقة المؤرخة في 15 تشرين الأول 1941. مرة اخرى لم تنجح دوائر الاستخبارات البريطانية في معرفة حقيقة تنقلات المفتي وأسرته والأماكن التي لجأ إليها... وهذا خير دليل على ضعف أجهزتها الاستخبارية في ظروف كان العرب يتحينون الفرص للانعتاق من ربق السيطرة الأنكلو - فرنسية. وغير صحيح أن المفتي نقلته طائرة ألمانية إلى برلين. إذ كنت في إستانبول خلال تلك الفترة، وكنا نتوقع ظهور المفتي في إستانبول. إلا أنه كان أبعد نظراً عندما بلغها متنكراً يحمل جوازاً ديبلوماسياً إيطالياً واسماً مستعاراً ولم يتصل حتى بالكيلاني. وهكذا انتقل إلى روما ثم إلى برلين ولم يعلن عند وصوله إلا في الوقت المناسب عندما تلقت لندن الخبر في 28 تشرين الأول 1941 نقلاً عن إذاعة "باري" في جنوبإيطاليا الناطقة بالعربية كان يذيع منها لبناني من آل بصبوص. ودعا المفتي رفيقه الكيلاني للتوجه إلى برلين بعدما استتب الحال وحان الوقت لمواصلة النضال من هناك. -13- الوثيقة المؤرخة في الثامن من تشرين الثاني نوفمبر 1941، وتشير إلى أن سفير بريطانيا في أنقره كتب إلى وزارة خارجيته نقلاً عن السير سراج أوغلو وزير خارجية تركيا آنذاك أنه رفض مراراً طلبات المفتي وأعوانه تأشيرة دخول لتركيا. كما نقل السفير نفسه عنه أن رشيد عالي الكيلاني موجود في إستانبول نظراً إلى أن علاقته بأخيه سيئة من دون توضيح أي شيء عن مكان وجود كامل الكيلاني، وليس كميل كما ذكر خطأً. وكان أوغلو صادقاً مع المفتي لكونه دخل تركيا باسم مستعار وبجواز سفر لا يحمل اسمه. أما في ما يتعلق برشيد عالي الكيلاني فالمعلومات التي ذكرها السفير الإنكليزي غير صحيحة. وكان أوغلو هو الذي وافق وسهل مسبقاً منح الكيلاني تأشيرة دخول إلى تركيا لاعتبارات كثيرة، منها أن الكيلاني لم يكن صدر في حقه حكم وأنه دخل بجواز سفر أصولي، وأنه حفيد الشيخ عبدالقادر الكيلاني الذي يجله الأتراك. وكانت أسرته تقيم في تركيا وكان أخوه كامل لا يزال وزيراً مفوضاً في أنقره، كما أن زوجته السيدة لمعة بنت مراد سليمان هي ابنة شقيق محمود شوكت باشا الصدر الأعظم الذي أطاح بالسلطان عبدالحميد الثاني. وعندما بدأت الضغوط البريطانية تشتد على الحكومة التركية التي كانت تلعب دور المحايد همس سراج أوغلو في أذن السيد كامل الكيلاني أن يتدبر رشيد أمره تحاشياً للإحراج. وللحقيقة والتاريخ، فإن موقف الحكومة التركية المشرّف من تسليم الشهيد العقيد صلاح الدين الصباغ إلى السلطات العراقية ينبغي ألا تنسى عندما سلموه إلى الحكومة السورية أيام حكم شكري القوتلي ولم يسلموه إلى الحكومة العراقية لأنه كان محكوماً عليه بالإعدام، وكان هذا موقفاً مشهوداً لتركيا تجاه الكيلاني والعراق. أما مسألة العلاقات السيئة بين الأخوين رشيد عالي وكامل الكيلاني فكانت، على حد علمي، مجرد أن شقة كامل بك ضاقت بالأسرتين، فانتقل الكيلاني إلى شقة مجاورة أخرى، وصوّر تقرير البوليس السري وعيون الإنكليز أن الكيلاني على خلاف مع أخيه. -14- الوثيقة المؤرخة في 22 تشرين الثاني 1941. جاء في رسالة سفير بريطانيا في أنقره إلى الخارجية الانكليزية أن وزير خارجية تركيا يشك في وجود المفتي في برلين. لكنه عاد وأكد أن الألمان يسعون لإحضار المفتي والكيلاني إلى برلين. فأجابه الوزير التركي "إن الكيلاني حصل على عفو من تركيا... وهو حر طليق بلا مراقبة... وأنه لا ضمانة لديه بأنه لن يهرب من تركيا". وثمة ملاحظة في هذا الصدد، إذ نشرت بعض الصحف قبل مدة أن الكيلاني الذي استطاع أن "يهرب" من تركيا إلى ألمانيا، لم يلتزم ما تعهده للحكومة التركية بعدم مغادرة البلاد في صورة غير شرعية، واعتبر البعض أن هروبه كان مخالفاً للأعراف الديبلوماسية. ولعل هذه الوثيقة التي كانت حبيسة أكثر من ستين عاماً تؤكد أن الرجل لم يخالف ما تعهد به، فكيف به ووزير خارجية تركيا هو الذي يشير عليه لتدبير خروجه لينجو بحياته من قبضة أعدائه، علماً أن الكيلاني لم يطلب اللجوء السياسي إلى تركيا. -15- الوثيقة المؤرخة في 24 كانون الاول 1941 تشير إلى أن سفير بريطانيا في برن سويسرا أبلغ وزارته في لندن أنه حصل على معلومات "موثوق فيها" أن المفتي موجود في ألمانيا، وكتب من هناك إلى الزعيم اللبناني الدرزي شكيب أرسلان الذي كان موجوداً في جنيف أن هتلر استقبله "كرئيس دولة" في حضور ريبنتروب وزير خارجية ألمانيا. وأضاف السفير البريطاني أن المصدر الذي نقل إليه الخبر قال: إن النازيين فقدوا اهتمامهم حالياً بالمفتي. فهل يعقل أن الحاج أمين الحسيني وصل إلى ألمانيا، وأعلن عن وصوله بالصحف والإذاعات وتبقى سفارات بريطانيا تتخبط في ما إذا وصل المفتي إلى ألمانيا أو روما أو برلين أو غادر طهران أو هو في تركيا الآن؟ أما في ما يتعلق بالرسالة التي بعث بها إلى شكيب أرسلان يعلمه فيها أن هتلر يعتبره "رئيس دولة" فهذا غير ممكن وليس صحيحاً، لأن الحاج أمين الحسيني لا يمكن أن يذكر ذلك وهو يلتقي هتلر للمرة الأولى من باب المجاملة. وفي المناسبة فإن في حوزتي محضر الجلسة الخاصة بالعربية وبخط يد السيد رشيد عالي. وخلاصة القول إن الرسائل المتبادلة بين سفراء الإمبراطورية البريطانية التي بقيت حبيسة في خزائنها الحديد أكثر من ستين عاماً، والتي نشرتها "الحياة"، في هذه الظروف التي يشارك السيد توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السيد جورج بوش رئيس الولاياتالمتحدة، تؤكد لكل عربي ومسلم مؤمن ولكل إنسان شريف أن حبل الكذب قصير، وأن الكذب على الشعوب لن يرقى بأصحابه على سلم المجد.