سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الخارجية البريطانية تفرج عن ملف حول مفتي القدس الأسبق أبقته سرياً مدة 62 عاماً . أسرار المطاردة البريطانية الفاشلة للحاج أمين الحسيني لمنع وصوله الى ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية 1 من 2
كشف ملف سري احتفظت به وزارة الخارجية البريطانية لمدة 62 عاما عن مفتي القدس الأسبق الحاج أمين الحسيني، أن الحكومة البريطانية لم تقم بأي مبادرة سياسية من شأنها أن تحول دون وقوف الزعيم الفلسطيني خلال فترة الحرب العالمية الثانية إلى جانب دول المحور بقيادة ألمانيا النازية، على رغم أن الوثائق التي تضمنها الملف تثبت مدى خوف بريطانيا من الحاج أمين وتحركاته، وخشيتها من تأليبه الرأي العام في العالمين العربي والإسلامي ضدها وضد حلفائها في الحرب، وبدلاً من ذلك لجأت إلى التشهير بالمفتي والحط من قدره وإشاعة الأخبار الكاذبة عنه، بعد اكتشاف أنها لا تملك أساساً قانونياً لإلقاء القبض عليه وتقديمه للمحاكمة. كما كشف الملف عن انشغال الدوائر البريطانية على مدى عام كامل في البحث عن مكان وجود الحاج أمين الذي تثبت الوثائق البريطانية براعته في التملص من الملاحقة والإفلات من عيون الرقباء على نحو مدهش، على رغم المكانة العربية والعالمية الرفيعة التي تمتع بها الرجل. وأوضحت محاولات المسؤولين البريطانيين المحمومة لمنعه من الوصول إلى ألمانيا لئلا يستغله الزعيم النازي أدولف هتلر في تحريض العرب والمسلمين ضد بريطانيا والحلفاء. وكانت الصحف البريطانية اهتمت الأسبوع الماضي بعد إفراج وزارة الخارجية البريطانية عن الملف السري للحاج أمين، وتوقفت عند الشبه بين تلاعب الحكومة البريطانية في ملفات الاستخبارات عن أسلحة الدمار الشامل العراقية لتبرير الحرب على العراق في آذار مارس الماضي، وبين سعي الحكومة البريطانية عام 1941 الى تلطيخ سمعة مفتي القدس الأسبق بترويج إشاعات كاذبة مفادها العثور على ملفات في الصحراء الغربية في ليبيا تثبت تلقيه معونات مالية من حكومة بنيتو موسوليني الفاشية في إيطاليا حليفة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي الملف على وثائق وحقائق تفوق أهميتها ما تقدم بكثير. يضم الملف مجموعة كبيرة من المراسلات بين الوزارات البريطانية الثلاث، الخارجية والمستعمرات والدفاع، مع السفراء وغيرهم من الممثلين والديبلوماسيين البريطانيين في منطقة الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا محورها الحاج أمين ونشاطه السياسي وتحركاته. وتغطي الوثائق فترة عام كامل من كانون الأول ديسمبر 1940 إلى كانون الأول ديسمبر 1941، وهي الفترة التي شهدت اندلاع الحرب العالمية الثانية. وانطلاقاً من أهمية الموضوع بالنسبة الى تاريخ الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية بالذات بادرت "الحياة" للاطلاع على الملف وحصلت من أرشيف وزارة الخارجية البريطانية في حي كيو جنوب غربي لندن على نسخة مصورة منه، ودققت في الوثائق والمعلومات الواردة فيه، وأجرت اتصالا مع مسؤولين في وزارة الخارجية للحصول على توضيحات منهم، خصوصاً عن سبب السرية التي شُمل بها الملف لمدة تزيد عن ستين عاماً، في حين تكشف الحكومة البريطانية عن ملفاتها السرية عادة بعد انقضاء ثلاثين عاماً عليها. كما طلبت من الأكاديمي الفلسطيني المعروف الدكتور موسى البديري أستاذ التاريخ والعلوم السياسية في جامعة بير زيت إعطاء رأيه في المعلومات التي تضمنتها الوثائق وأهميتها التاريخية. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة البريطانية حاولت إلقاء القبض على الحاج أمين عام 1938، بسبب معارضته مقترحاتها لتسوية الصراع في فلسطين والتي أطلق عليها إسم "الكتاب الأبيض" الذي صدر على أثر ثورة عام 1936 ضد الانتداب البريطاني في فلسطين في محاولة لتهدئة غضب الفلسطينيين. وجرت مطاردة الزعيم الفلسطيني في فلسطين، حيث قيل انه اختبأ لمدة طويلة داخل الحرم القدسي الشريف قبل أن يتمكن من الهرب من فلسطين بزي امرأة بواسطة سيارة تابعة لديبلوماسي عراقي، ووصل إلى دمشق التي كانت خاضعة للسيطرة الفرنسية. كان ذلك قبل اندلاع الحرب، ولم تتوقف محاولات بريطانيا لمطاردة الحاج أمين حتى في دمشق، مما اضطره إلى الهرب في عام 1940 إلى العراق، بعد تعيين رشيد عالي الكيلاني رئيسا للوزراء. لكن ما لبث الكيلاني أن دبر انقلاباً عسكرياً بمساعدة الجيش ضد العائلة المالكة التي لجأت إلى طهران وتسلم الكيلاني الحكم في العراق، فاضطرت بريطانيا التي كانت تخشى من ميول الكيلاني تجاه ألمانيا للتدخل عسكرياً في أيار مايو 1941 وأفشلت الانقلاب وأعادت العائلة المالكة إلى بغداد، فهرب الكيلاني إلى تركيا، أما الحاج أمين فاختفت آثاره، ويعتقد أنه فر إلى إيران، فواصلت بريطانيا مطاردته. وفي ما يأتي تنشر "الحياة" عرضاً لمعظم الوثائق التي تضمنها الملف والتي تغطي هذه الفترة: الوثائق وفقا لترتيبها الزمني - في 13 كانون الأول ديسمبر 1940 كتب المندوب السامي البريطاني لوزارة الخارجية رسالة بالشيفرة أبرز فيها خطورة الحاج أمين على المجهود الحربي البريطاني في الحرب العالمية الثانية ودعا لإلقاء القبض عليه. وقال ان إلقاء القبض على الحاج أمين وإبعاده من العراق قد يكونان مجازفة كبيرة بالنسبة للحكومة العراقية، واقترح أن تقدم الحكومة البريطانية بمساعدة الحكومة العراقية على مثل هذه الخطوة وتشجيعها على اتخاذها بتوفير ذريعة معقولة من أجل القيام بهذه الخطوة. والذريعة برأيه هي الإشاعة المزعومة التي روجتها الأجهزة البريطانية عن أن الحاج أمين يتلقى دعماً مالياً من إيطاليا الفاشية، وأن المسلمين برأيه لا يتحملون قبول الحاج أمين للدعم من أعداء الإسلام. لكنه حذر من خطورة الأمر بالنسبة للحكومة العراقية التي قد تواجه هبة شعبية دفاعاً عن الحاج أمين. وفي حال موافقة الحكومة العراقية على طرد الحاج أمين إلى سورية، ونظراً إلى أن الحاج لن يكف عن النشاط ضد بريطانيا من دمشق أيضاً، اقترح المندوب تكليف غلوب باشا قائد القوات البريطانية في الأردن بالتصدي للقافلة التي ستنقل المفتي من بغداد إلى دمشق، واختطافه ثم نقله بواسطة طائرة عسكرية إلى قبرص واحتجازه هناك حتى إشعار آخر. لكنه استدرك قائلا انه في حال موافقة الحكومة العراقية على الخطوة سيكون من الأفضل إبعاد الحاج أمين إلى البحرين، حيث سيجري التعامل معه هناك بشكل أسهل. وأنهى رسالته بتوضيح أنه عندما يتحدث عن الحاج أمين يقصد أيضا يده اليمنى جمال الحسيني وجميع المرافقين لهما. - في 1 كانون الثاني يناير 1941 بعثت وزارة المستعمرات برسالة إلى وزارة الخارجية تحتج فيها على تصريح لقائد القوات البريطانية في الهند الجنرال أركيبالد ويفيل قال فيه ان الحاج أمين لا يشكل خطرا كبيرا على المجهود الحربي البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها قالت انه ينبغي التعامل بحرص مع الحاج الذي قد تؤدي الإساءة إليه إلى نتائج عكسية ليست في مصلحة بريطانيا. واقترحت الرسالة نقل التعامل مع الحاج أمين إلى مكتب الهند، لكنها قالت أنه من الأفضل قبل التصدي للحاج أمين أن يتم التعامل مع رئيس الوزراء العراقي آنذاك رشيد عالي الكيلاني الذي قدم دعما كبيرا للحاج أمين. واقترحت الرسالة التعامل بحرص أيضا مع اقتراح سابق بإشاعة اتهام كاذب ضد الحاج أمين بأنه يتلقى راتبا من إيطاليا الفاشية، بناء على وثائق مزورة كان من المفترض أن يزرعها البريطانيون في ليبيا. وقالت ان بث الإشاعة أو إذاعة خبر عنها يجب ألا يشير إلى وجود وثائق بهذا الشأن، لئلا تثار أسئلة حول هذه الوثائق التي سيتعذر إبرازها، والتي حتما سيتصدى الإيطاليون لها ويعملون على تكذيبها. ونصحت الرسالة بأن يجري التعامل مع الموضوع ضمن حملة الهمس التي خطط لها سابقا لتلطيخ سمعة الحاج أمين في الدول العربية والإسلامية. - في 2 كانون الثاني يناير 1941 بعثت وزارة المستعمرات برسالة إلى وزارة الخارجية أبلغتها فيها أن وزير المستعمرات لويد جورج اهتم كثيرا بملاحظة وردت في تقرير سابق عن رحلة مقبلة للسكرتير الشخصي للحاج أمين توفيق شاكر إلى تركيا وسويسرا، وأن الوزير يريد بأي شكل إلقاء القبض على شاكر ومنعه من القيام بهذه الرحلة، معتمداً على تعاون الحكومة التركية مع بريطانيا في هذه المسألة. - في 3 كانون الثاني يناير 1941 كتبت وزارة المستعمرات الى وزارة الخارجية تبلغها بمعارضتها هي الأخرى اقتراح انضمام مقاتلين فلسطينيين من أنصار الحاج أمين إلى جانب السنوسيين في ليبيا الذين كانوا يقاتلون ضد إيطاليا من أجل الاستقلال، بعد أن كانت وزارة الدفاع البريطانية أبدت هي الأخرى معارضتها لهذا الأمر. - في 6 كانون الثاني يناير 1941 بعثت وزارة الدفاع البريطانية برسالة إلى وزارة الخارجية أكدت فيها ما قاله الجنرال ويفيل بشأن الحاج أمين، ودعت إلى تنفيذ مخطط حملة التشهير بالحاج أمين بالاتفاق مع وزارة المستعمرات، لكنها حذرت من الحديث عن وثائق مزعومة مشيرة إلى فضيحة سابقة بشأن وثائق مزعومة تتعلق بغرق سفينة إسبانية حاولت بريطانيا إلصاق تهمة إغراقها بالحكومة الإيطالية. - في 6 كانون الثاني يناير 1941 بعث مكتب المستعمرات برسالة إلى وزارة الخارجية رداً على استفسار سابق عن جنسية توفيق شاكر، المساعد الشخصي لمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، قال فيها أن أحداً لم يستطع تأكيد الجنسية الحقيقية لشاكر أو أي معلومات شخصية عنه. وقال المكتب ان الأفضل هو التفتيش عما إذا كان شاكر مطلوباً في فلسطين لأي جرم كان، اذ يمكن عندها تقديم طلب رسمي للحكومة التركية باعتقاله أو تسليمه للحكومة البريطانية. وإن تعذر ذلك يمكن توجيه طلب رسمي للحكومة التركية بالامتناع عن إعطاء شاكر تصريح دخول إليها. - في 7 كانون الثاني يناير 1941 بعثت وزارة الخارجية برد إلى وزارة الدفاع تبلغها بالموافقة على الاقتراح بتبني مخطط حملة التشهير ضد الحاج وتحدثت عن عملية مراجعة كانت تجري للمخطط في تلك الأثناء. وأرسلت نسخة من الرسالة ذاتها إلى وزارة المستعمرات. - في 9 كانون الثاني يناير 1941 تلقت وزارة الخارجية البريطانية من السفير البريطاني في أنقرة السير ناتشبول هوغيسن رسالة معتمداً فيها على مصادر بالغة السرية، تقول ان السكرتير الشخصي للحاج أمين توفيق شاكر ينوي السفر عبر تركيا إلى روما وبرلين بهدف الحصول على إمدادات إضافية من السلاح والمال للمفتي. واقترح السفير أن تكتب الحكومة البريطانية للحكومة التركية معلنة أن رحلة شاكر تهدف لحشد الدعم للعناصر المعادية لبريطانيا في العراق وتطلب منها أن تمتنع عن منح شاكر وثيقة دخول إلى تركيا. - في 11 كانون الثاني يناير 1941 بعث السفير البريطاني في بغداد السير بي. نيوتون إلى وزارة الخارجية يبلغها بأن شاكر غادر العراق إلى تركيا، وقال ان تفاصيل جواز السفر الذي يحمله السكرتير الشخصي للحاج أمين أرسلت إلى السفارة البريطانية في أنقرة لمتابعة الموضوع. - في 14 كانون الثاني يناير 1941 بعثت وزارة المستعمرات موافقة خطية من الوزير اللورد لويد جورج على مخطط حملة التشهير ضد الحاج أمين. - في 21 كانون الثاني يناير 1941 أوضح مكتب المستعمرات في رسالة الى وزارة الخارجية طبيعة عدد من الإشاعات التي تضمنتها حملة التشهير بالحاج أمين، بناء على نصيحة من خبير استشراق بريطاني يدعى البروفيسور راشبروك ويليامز. فالإشاعة الأولى تتحدث عن خلاف مزعوم بين الحاج أمين ومؤيديه حول قبوله الدعم المادي المزعوم من إيطاليا التي تعتبر عدوة للإسلام لاحتلالها ليبيا. أما الإشاعة الثانية عن عدم رضا الأوساط المحيطة بالحاج أمين عن أسلوب تعامله التسلطي وتصرفه بالأموال التي تصل إليه دعماً لقضية فلسطين بلا حسيب أو رقيب واستخدامها لتقوية مركزه الشخصي ورفضه تقديم المساعدة لأتباعه والمحيطين به. والإشاعة الثالثة تهدف للإيقاع بين الحاج أمين وحكومة رشيد عالي الكيلاني في العراق بإشاعة أن المفتي يريد إقناع الحكومة العراقية باتباع سياسة تدعو الى توحيد الأمة العربية بشكل متطرف وهو ما يتضارب مع مصالح العراق الذي يشكل الشيعة والأكراد نسبة كبيرة من سكانه، وإشاعة أن المهم بالنسبة الى الحاج أمين في العراق أن ينعم السنة بالخير من دون أي اعتبار للطوائف الأخرى. - في 1 شباط فبراير 1941، بعث السفير البريطاني لدى تركيا برسالة إلى وزارة خارجيته، رداً على استفسار عاجل منها يبلغها أن السلطات التركية لا تملك أي دليل على دخول توفيق شاكر إلى الأراضي التركية، وأنه إذا كانت هناك معلومات أكيدة لدى بريطانيا بهذا الشأن فإنه من المحتمل أن يكون الرجل مرّ في الأراضي التركية في طريقه إلى بلد آخر من دون علم السلطات التركية، غير أنه من المؤكد أن شاكر ليس في تركيا. - في 14 شباط فبراير 1941 تلقت وزارة الخارجية البريطانية رسالة من المكتب البريطاني في الهند تفيد أن الزعيم الباكستاني محمد علي جناح بعث بمبلغ 500 جنيه إسترليني إلى الحاج أمين بواسطة القنصل العراقي في كراتشي، وحمّله نسخة من رسالة بعث بها جناح إلى المندوب السامي البريطاني في فلسطين، نيابة عن رابطة مسلمي الهند التي كانت لا تزال خاضعة مع باكستان للسيطرة البريطانية، ويطالب فيها الحكومة البريطانية بحل لقضية فلسطين يرضي العرب، مشيراً إلى القلق الذي ينتاب المسلمين في العالم من جراء ما يجري في فلسطين. - في 11 آذار مارس 1941 بعث السفير البريطاني في بغداد رسالة إلى وزارة الخارجية نقل فيها ما سمعه من السفير المصري في بغداد، وهو صديق مقرب من الحاج أمين، بأن المفتي يدرك أن بريطانيا غارقة كلياً في الحرب والوقت غير صالح في تلك الفترة لانتزاع أي تنازلات منها، وأن المفتي يعلم مدى تأثير الضغط اليهودي في الولاياتالمتحدة وحاجة لندن إلى واشنطن في الحرب. وكتب السفير البريطاني أن زميله المصري الذي عاد أخيراً إلى بغداد من رحلة الحج في السعودية أبلغ المفتي أن الاعتقاد السائد في جدة والقاهرة هو أن بريطانيا ستنتصر في الحرب. وقال السفير البريطاني انه أبلغ زميله المصري عدم رضا الحكومة البريطانية من تلكؤ الحكومة المصرية في قطع علاقاتها الديبلوماسية مع إيطاليا. - في 28 آذار مارس 1941 كتب السفير البريطاني في أنقرة لوزارة الخارجية في لندن يبلغها أن الحكومة التركية ردت بعد سلسلة من الاستفسارات منه بشأن توفيق شاكر، السكرتير الشخصي للحاج أمين، بأنه غادر الأراضي التركية. وقال ان الشرطة السرية في تركيا صادرت جواز سفر شاكر، لكن وزيرا عراقيا تدخل بشدة وأصدر له جواز سفر جديد، فأعطيت له تأشيرة مرور وغادر تركيا في الحال. - في 14 أيار مايو 1941 رد وزير المستعمرات البريطاني على استفسار من أحد النواب في مجلس العموم عن المكان الذي يوجد فيه اثنان من مساعدي المفتي جمال الحسيني وجورج أنطونيوس، فرد الوزير بأن جمال موجود في العراق مع المفتي وأنطونيوس موجود في مقر إقامته في فلسطين. - في 27 آب أغسطس كتب المندوب السامي البريطاني في فلسطين إلى وزير المستعمرات في لندن يطلعه على الوضع في فلسطين، وأشار إلى تزايد الإشاعات عن احتمال تعيين الحكومة البريطانية رئيساً جديداً للهيئة الإسلامية العليا بدلا من الحاج أمين. في الرسالة ذاتها تحدث المندوب عن القلق الذي ينتاب العرب من جراء نوايا الحلفاء تجاه سورية، وأشار إلى تسلل أعداد كبيرة من اليهود من فلسطين إلى سورية بتنظيم من الوكالة اليهودية. وأشار إلى مقتل شرطي بريطاني وجرح آخر فلسطيني بيد مسلحين في بيت لحم. وقال أن قاطع طرق فلسطينياً مشهوراً في منطقة الخليل يدعى "سقيط" وزع مؤخراً مناشير تحمل توقيع "الجيش العربي" وهاجم ليلا قرية في قضاء الخليل، فتصدى له الأهالي واعتقلوه، لكنه تمكن لاحقاً من الفرار. - في 13 أيلول سبتمبر 1941 بعثت وزارة المستعمرات برسالة إلى وزارة الخارجية أعربت فيها عن اهتمامها بتقارير عن أن مكانة المفتي في الأوساط العربية تضررت جدا واقترحت الدفع باتجاه تعيين هيئة إسلامية عليا جديدة في فلسطين لا يكون الحاج أمين رئيسا لها، بهدف التخفيف من تأثيره لدى الدول العربية المجاورة. وطلبت إرسال نسخة من الاقتراح إلى المندوب السامي البريطاني في فلسطين. - في 22 أيلول سبتمبر 1941 بعث وزير المستعمرات رسالة إلى المندوب السامي البريطاني في القدس أبلغه فيها أن تقريراً للملحق العسكري في السفارة البريطانية في طهران ذكر أن الحاج أمين أفلت في 31 آب أغسطس من المتابعة البوليسية التي كانت تفرضها عليه السلطات الإيرانية. وأبلغه أنه تم إخطار السفير البريطاني لدى إيران بضرورة الضغط على السلطات الإيرانية لإلقاء القبض على الحاج أمين وأتباعه من العراقيين والفلسطينيين والسوريين الذين لجأوا إلى إيران. وأعرب له عن ارتياحه الى ما ذكره في رسالة سابقة من الضرر الذي لحق بمكانة المفتي بين العرب، طالباً منه تشديد العمل من أجل تعزيز هذا التوجه الجديد، مستفسراً منه عن الأسس التي يمكن بموجبها الإقدام على تعيين رئيس جديد للهيئة الإسلامية العليا في القدس. - في 24 أيلول سبتمبر 1941 كتب المندوب السامي البريطاني في فلسطين الى وزير المستعمرات يبلغه أن مكانة الحاج أمين أصبحت في الحضيض، نظرا الى ثبوت خطأ السياسة التي انتهجها والنصائح التي قدمها للفلسطينيين، إذ تخلى عنه كبار أتباعه وعادوا إلى فلسطين، حيث لا يتورعون عن توجيه النقد له، ويقولون ان المفتي كلما وجد نفسه في ورطة ابتداء من القدس وسورية والعراق ثم إيران، تصرف بشكل شخصي لينجو هو بنفسه، بدلاً من مواجهة الورطة. وقال المندوب أنه سيكون من الخطأ أن تعيد الحكومة البريطانية النظر في وضع الحاج أمين، للأسباب المذكورة بالإضافة إلى كونه بلا شك يحيك المكائد مع دول المحور أي ألمانيا وإيطاليا. وأوضح المندوب أنه أمر بمنع وسائل الإعلام الفلسطينية المحلية من مجرد ذكر الحاج أمين ونقل أخباره، وقال انه بالنسبة لمساعديه الذين عادوا إلى فلسطين فهو يتابع باهتمام عودتهم إلى الحياة العملية ويحرص على أن لا يؤثر وجودهم في نشاط حزب الدفاع الفلسطيني الذي قبل بمشروع "الكتاب الأبيض" الذي اقترحته بريطانيا كحل لقضية فلسطين. ونصح بأن يجري توجيه وسائل الإعلام البريطانية للحديث عن عبقرية الحاج أمين في الهروب من دون الاكتراث بأتباعه، مع إشارة إلى التمويل المزعوم الذي يحظى به من دول المحور والذي يصرف للحفاظ على راحته الشخصية، فيما تترك فلسطين لتواجه الخراب. كما نصح بالتروي في تعيين رئيس جديد للهيئة الإسلامية العليا في فلسطين، معتبراً أن وضعها الحالي بلا رئيس جعلها بعيدة عن السياسة واجتماعاتها تناقش قضايا لا علاقة لها بالسياسة، فيما سيوفر تعيين رئيس جديد للهيئة سبباً إضافياً للحاج لمقارعة الحكومة البريطانية.