يكاد الفنان اللبناني أنطوان كرباج يكون الممثل المخضرم الوحيد الذي لم يغب عن الجمهور منذ انطلاقته في الستينات وحتى اليوم. فهو ما برح يعمل في مسلسلات تعرض على شاشات التلفزة وفي ما ندر من أعمال مسرحية، مجسداً فيها ادواراً مختلفة بحضوره المميز وصوته الجهوري. وكرباج يشارك حالياً في آخر أعمال كركلا "ألفا ليلة وليلة" يعرض في قاعة "بيال" في بيروت، كما يعرض له مسلسل على تلفزيون "المستقبل". الا ان هذه المشاركة وهذا النشاط لا يعوضان كرباج افتقاده للمسرح لكنه يفضل "العمل على ان أصدّي أصدأ في المنزل"، كما قال ل"الحياة" على هامش مشاركته في مهرجان الفحيص في الاردن أخيراً. كان كرباج في هذا المهرجان مشاركاً في ندوة عن تاريخ بيروت التي خصصت لها ادارة المهرجان يوماً. وكرباج المختص في التاريخ، لم تختره ادارة المهرجان نظراً لاختصاصه بل لأنه "يمثل رمزاً لبنانياً مخضرماً" بحسب ما قال ل"الحياة" مدير المهرجان نضال مضاعين. لم يغب الفن عن كلام كرباج في الندوة اذ قال: "كنا في البداية نعمل في الفن من أجل الفن، لكنني بعد نكسة ال1967 رأيت ان على الفن ان يتطرق الى حياة الناس الا ان منير أبو دبس رفض الفكرة ما دفع بي الى ترك فرقته". وعن مسرح اليوم، "الذي لا يتحدث عن مشكلات الناس لا بل هو غائب"، يقول كرباج انه "نائم الآن" ويتمنى ان "يستيقظ على غير الواقع الذي نعيشه". ويعتبر كرباج ان "الظرف ليس للمسرح بل لغيره اذ تسود موجة استهلاكية نأمل بأن تمر ويعود كل شيء الى جذوره". ويقول ان المسرح يواجه ازمة على كل المستويات. ويعود بالذاكرة الى الستينات عند بدايات المسرح في لبنان الذي "بدأ ينهض وظهر معه الجمهور، فحصل بينهما نوع من التواطؤ حتى أوصل الجمهور المسرح الى مرحلة معينة ثم جاءت الحرب فمسحت كل شيء في طريقها. كل الفنون تأثرت وكل الجمهور تشتت موتاً وسفراً. وخلال الحرب على رغم الأعمال المسرحية التي قدمت برزت أعمال لا يمكن ان تسمى مسرحاً خصوصاً ان الجمهور انصرف الى المسرحية التي فيها نكتة وهذا ما دفع المسرح الى ان يأخذ اجازة. لكن الجمهور استنفد هذه المسألة ونأمل بأن يأتي مسرح آخر". أزمات يمكن تخطيها وهل أزمة المسرح أزمة كتاب وممثلين؟ يجيب كرباج: "ازمة الكتّاب ازمة عالمية، لكن عندما يتهيأ الظرف يبرز كتّاب وعندما بدأنا لم يكن هناك كتّاب مسرح. في الحرب ظل المسرح عاملاً، لكنه الآن في اجازة خصوصاً ان حرباً ألعن تدور رحاها اليوم هي الحرب الاقتصادية. فاصحاب الثروات الكبيرة لا يمشّون المسرح ولا علاقة لهم به أصلاً، والطبقة الوسطى التي تمشّي المسرح لم تعد موجودة. فالتوازن اختل على كل الصعد". ويضيف: "لا يمكن ان يُطلب من انسان يلهث وراء لقمة عيشه ان يفكر في المسرح، فالانسان أصبح يشغله ما يشغل أي حيوان او حشرة في الأرض، اي السعي وراء الطعام والشراب... كيف يوجد فن في جو كهذا؟ وعلى المستوى الرسمي أيضاً فان المسرح لا يمثل هماً عندهم السياسيين وهو لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة اليهم". ويسأل كرباج لائماً: "ماذا يفعلون ال"تياترو الكبير" المسرح الذي بقي مبنياً في وسط بيروت وتجرى فيه الآن اشغال لا يعرف أحد ما هي، أيحوّلونه الى مطعم أم الى كاباريه؟ الأكيد انهم لن يبقوه مسرحاً. وأضيف الى ما قاله جبران خليل جبران: ويل لأمة تحول مسارحها الى مطاعم". ويقر كرباج بأن "ليس في امكان الفنانين ان يفعلوا شيئاً، بل هم في انتظار ان تتهيأ الظروف". واذا كان وضع المسرح هكذا في نظر كرباج الا انه بدا أقسى على السينما "اللبنانية" هو الذي لا رصيد له في السينما سوى ثلاثة افلام، معتبراً ان "لا وجود لسينما في لبنان". اما عمل كركلا "ألفا ليلة وليلة" الذي يعرض حالياً في "بيال"، فهو مقتبس من مسرحية شكسبير "كثير من الضجة من أجل لا شيء"، وجعل فيه كركلا دوراً تمثيلياً واحداً يؤديه كرباج. فكركلا بحسب كرباج "يخرج بهذا العمل من الرقص الى ميادين أخرى منها الغناء والتمثيل". وسبق لكرباج ان عمل مع كركلا في "بليلة قمر" في دور أداه قبله الفنان غسان صليبا في بعلبك. "أنا لا أرى مشكلة في اداء دور عالمي اداه قبلي سواي"، ويقول كرباج ويضيف ان "الفنان ينطلق من أفق معين فيتعمق به ويطوره ويذهب به حتى يصل الى مرحلة الفن الشامل او المسرح الشامل فيوجد اضافة الى الرقص الحوار والصوت والغناء والمسرح والألوان من حيث الملابس والديكور. وهذا ما فعله كركلا: انطلق من الرقص وبخاصة من الدبكة وتطور حتى بلغ المنطقة العربية ثم العالم". أما موسيقى العمل فأخذها كركلا من عملين كلاسيكيين لمؤلفين عالميين مختلفين هما ريمسكي كورساكوف موسيقى "شهرزاد" وموريس رافيل موسيقى بوليرو وسجلهما في ايران حيث توجد ثلاث فرق سمفونية. أما كرباج فدوره في هذا العمل هو دور العراف الذي يربط الأمور بعضها ببعض وهو يخرج الى الخشبة وحيداًَ. وبدلاً من ان يخبر الناس على غرار الحكواتي، ويدخل كرباج في الاحداث ويجسد الشخصية. وهو يقول عن هذا: "المهم ان يكون للممثل دور. أنا لا يهمني كبر الدور او صغره ولو لم يكن في عمل كركلا دور تمثيلي لما اشتركت".