دارت الندوة الفكرية في المهرجان هذه السنة حول "المرأة في المسرح الخليجي" وشارك فيها: حسن عبدالله رشيد قطر، نادر الفتنة الكويت، وطفاء حمادي لبنان، باسمة يونس الامارات، سميرة أحمد الامارات، مريم زيمان البحرين، ملحة عبدالله السعودية، رحيمة الجابري عمان، وداد الكواري قطر، ليلى أحمد الكويت. هنا مقالة للكاتب والناقد الأكاديمي البحريني ابراهيم عبدالله غلوم على هامش الندوة: يطرح "المهرجان المسرحي الثامن للفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون" محور "المرأة والمسرح" في الندوة الفكرية، وعلى رغم أهمية هذا الموضوع وحيويته على صعيد تطوير التجربة المسرحية في الخليج، إلا أنني لا أجد الطريق الذي اتبع في معالجته ممهداً وقادراً على خلق فاعلية ثقافية جديدة للمرأة في منطقة الخليج... لقد غلب على معالجة هذا الموضوع طابع عرض التجارب والتأريخ لها وتسجيلها، ولم تأت المعالجة على جوهر القضية في اشكالية العلاقة بين المرأة والمسرح وبخاصة في مجتمعات الخليج. في حور المرأة والمسرح امكانات هائلة وبعيدة لتحريك قضية المرأة ومشاركتها الثقافية والفنية من جهة، ولتحريك المسرح وتعزيز استيعابه لدور المرأة وعدم تهميشه لها مثلما حدث على صعيد المجتمع... وفي تقديري ان الفرصة لم تكن صعبة ولا مستحيلة لتحقيق ذلك. كان في امكاننا - مثلاً - ان نتساءل عن فراغات حضور المرأة على المسرح لنكتشف بسرعة أنها فراغات كبيرة وواسعة... دخلت المرأة عالم المسرح ممثلة فقط، ومن النادر أن نجدها غير ممثلة، فما هو تفسير ذلك، وما أسبابه...؟ ولماذا لم تدخل كمؤلفة نصوص ولم تدخل كمخرجة عرض أو لم تدخل كمخططة وكقيادية، وكباحثة أو ناقدة؟ وإذا افترضنا أن أهم عناصر التكوين في المسرح تتمثل في شخصية المخرج، فإن المرأة في منطقة الخليج لم تجرب هذا التكوين في شكل يكاد يكون مطلقاً وفادحاً. وهذا جانب له دلالة بعيدة على صعيد الهامش البعيد الذي تشكله المرأة في التجربة المسرحية. قد يكون من الصعب الحكم بأن هامشية حضور المرأة في المسرح في الخليج تعود لأسباب تتصل بالمحصلة الحضارية والثقافية التي اكتسبتها نضالات المرأة وسط مجتمع تقليدي منقسم بين مركز الرجل وهامش المرأة... ذلك ان المرأة اليوم تحقق مكاسب بعيدة على صعيد اندماجها في التنمية، واستفادتها من أشكال المعرفة، وفي مجال التعليم في شكل خاص واستطاعت أن تخطو المرأة - كما تقر بذلك تقارير التنمية الإنسانية العربية - خطوات بعيدة تكاد تنافس الرجل، ما يعني أن الأسباب المتصلة بوعي المرأة، وفاعليتها الفردية في تأسيس أدوار بعيدة لها على المسرح مسألة لا تعود الى المرأة كذات، وانما تعود الى اشكالية العلاقات المتشابكة المعقدة التي تؤسس حضورها الإنساني والإبداعي. وإذا دخلنا في شبكة العلاقات وفق مفهوم "الجندر" Gender، فإن هامشية المرأة في المسرح لن تعود اليها كذات، وانما ستعود الى ما يؤسسه المجتمع من علاقات وأنساق تكتسب صفة الصلابة وتتحول الى ما يسمى في الخطاب النسوي بأشكال التمييز ضد المرأة. ومع تصاعد خطاب الحريات والديموقراطيات والتعدديات في سياق ما يسمى بما بعد الحداثة تبرز المرأة في مركز الخطاب الجديد بصفتها عالماً انسانياً مهمشاً مثلها مثله... الطفولة... الأقليات... العرقيات الخ... وهنا لا بد من العودة الى مصطلح "الجندر". ويعني العلاقات المتداخلة بين المرأة والرجل في سياق علاقة النوع الاجتماعي التي تحكمها عوامل اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية تتحدد من خلالها أدوار المرأة الانتاجية. وفي مجتمعاتنا العربية لم يتم تأسيس المناخ المناسب لتنمية عمل المرأة وتمكين أدوارها الانتاجية، فالقوة للرجل والهيمنة مهيأة للرجل أكثر من المرأة، ولم يأت بعد مجتمع الشراكة الحقيقي الذي يكفل اعادة توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة. ومن هنا ظلت المرأة تحقق عبر نضالاتها مكاسب كبيرة، لكن هذه المكاسب لا تنعكس على قدراتها الإنتاجية. فهناك مناطق وفرص وامكانات تستطيع أن تنتج عبرها لكنها غير متاحة لها في الأدوار الضيقة لشراكتها مع الرجل، وأعتقد ان المسرح هو إحدى المناطق التي لم يتهيأ للمرأة ان يكون لها دور فيها، لأن المسرح ظل بمثابة الخطاب المنبثق من مجتمع لا يعترف بالشراكة بين الرجل والمرأة... فالمسرح الذي استوعبته مجتمعات المنطقة تؤطره احترازات وشروط، وتقننه الرقابة المتنفذة في الشأن العام. وطوال نصف قرن على المسرح في الخليج تكونت رقابة مكنونة في وجدان كل المسرحيين بأن المرأة هامش عرضي، وان التطرق اليها يلتبس بمحظورات من الأخلاق والتقاليد والدين ومكانة المرأة في خيال الرجل وفي قيم المجتمع. وقد تواطأ المسرح في الخليج على اقصاء أدوار المرأة، وتحايل في ذلك بوسائل لا تزال فاعلة ومؤثرة، لعل أبرزها قيام الرجل بتمثيل أدوار المرأة، وقيام المؤلف بتقمص كل أدوار المرأة وافتراض المسرح بلا امرأة. وتكريس المرأة بصفتها ممثلة فقط... وتخصيص الأدوار التي تتصف بالقوة في تمكين المسرح للرجل وحده كالإخراج الذي يبدو مهنة للمسرحيين من الرجال لا غير، كل ذلك يتجه نحو محصلة حتمية هي تفريغ المسرح من دوره الإنساني في استيعاب حضور المرأة، وبما يعني ان مجتمعاتنا لم تستوعب الظاهرة المسرحية القادرة على استقطاب فاعلية المرأة بصفتها مبدعة في المسرح". * كاتب وناقد بحريني.