من حق العراقيين أن يقلقوا ويخافوا. موسم الابتهاج بسقوط نظام صدام حسين لم يعمرّ طويلاً. نغّصه منذ البداية سقوطه بأيد عراقية. لم يكن ثمة دور للجيش. لم تحدث انتفاضة. جاءت آلة غريبة ساحقة واقتلعته. من حقهم أن يخافوا. سقطت الديكتاتورية فولد الاحتلال. كان الجيش الأميركي بارعاً في الانقضاض على الجيش العراقي المنهك بفعل مغامرات السيّد القائد وحروبه. وكان الشعب منهكاً أيضاً بفعل الإقامة الطويلة في عهدة نظام المقابر الجماعية. كانت لحظة سقوط صدام مفتوحة على طريقين مؤلمين: طريق الاحتلال وطريق الفوضى الدامية. من حق العراقيين أن يخافوا. ما يجري على أرضهم أزمة دولية كبرى تتخطى حدود بلادهم. أزمة في عالم تعطلت صمامات الامان فيه. لهذا تبدو أشد صعوبة من أزمة الصواريخ الكوبية وإن غاب شبح الوليمة النووية. وأكثر تعقيداً من انهيار جدار برلين لأنها تدور على مسرح أشد خطورة. أزمة أكثر تعقيداً من الحروب العربية - الإسرائيلية التي كان عالم المعسكرين يمنعها من التحول حريقاً بلا حدود. من حق العراقيين أن يقلقوا. فالجيش الذي جاء "لتحريرهم" هو الجيش الذي يحتل بلادهم. وهو جيش القوة العظمى الوحيدة. جاء إلى بلادهم بأمر من سيد البيت الأبيض ومن دون تفويض دولي. لم يعثر "المحررون" على أسلحة الدمار الشامل. اكتشفوا أن العراق تحول الجبهة الرئيسية في "الحرب على الإرهاب". هكذا دخل العراقيون مرغمين الحرب العالمية التي انطلقت من الركام الوافد من "غزوتي" نيويورك وواشنطن. من حق العراقيين أن يخافوا. فحرب اسقاط نظام صدّام حسين تحولت انقلاباً واسعاً على التوازنات السابقة. وها هي الملفات مفتوحة من بغداد إلى نيويورك. ما هو موقع الأممالمتحدة في عصر الولاياتالمتحدة؟ أين تقيم فرنسا والمانيا وروسيا في العصر الأميركي؟ ماذا يفعل العالم بأميركا المصرة على الذهاب إلى "مصادر الخطر"؟ وماذا يبقى من الشرعية الدولية في عهد الضربات الاستباقية؟ وماذا عن النفط والنار تندلع على فوهات آباره؟ وماذا عن العلاقات بين الولاياتالمتحدة والعرب والمسلمين؟ وهل حقق بوش بغزو العراق ما كان أسامة بن لادن يرمي إلى تحقيقه من هجمات 11 أيلول سبتمبر وهو اشعال خط تماس ينجب أجيالاً جديدة من المتشددين ويزعزع استقرار بلدانهم والعالم؟ من حق العراقيين أن يخافوا. كان العراق وطناً وتحوّل ساحة لحروب تفيض عن حدوده وتزيد عن قدرته على الاحتمال. ربما لم يفت الوقت بعد إذا اختارت القوى العراقية تبادل التنازلات لإبرام تسوية تاريخية تختصر أمد الاحتلال وتسترد العراق من خضم الأزمة الكبرى التي انطلقت غداة سقوط النظام. على العراقيين التحرك قبل فوات الأوان. فبرنامج تحويل العراق ساحة لأفغانستان أخرى أو فيتنام جديدة ليس برنامجاً عراقياً.