"أقابلك في المقهى"... عبارة ليست غريبة عن معظم الناس، مهما كانت جنسياتهم او احوالهم المادية. فالمقهى كان دائماً مكاناً للقاء ومحطة بداية اليوم او نهايته بالنسبة الى العديدين، كما انه المكان المفضل ل"الديت" او الموعد الغرامي الأول بين شخصين، لأنه يحمل طابعاً شبه رسمي مقبولاً اجتماعياً لدى بعض الفئات. ولكن "المقهى" هو اكثر من ذلك كله في السعودية، فارتياده بات جزءاً من اسلوب الحياة لدى الكثيرين، وفي شكل مرضي احياناً. وكانت نتيجة ذلك ان تنوعت اشكال المقاهي، فمنها ما اقتصر نشاطه على بيع القهوة والشاي والوجبات الخفيفة، وفي هذه الخانة تجد المقاهي الكلاسيكية حيث تتناول "الكرواسان والإسبرسو"، او الشبابية الأميركية ذات "الكنب" و"الكراسي المريحة". ومع تنامي الطلب، توسع هذا النوع من المقاهي ليصبح "اكشاكاً" صغيرة تجدها على الطرق الرئيسة وخارج المراكز التجارية الكبرى، فالtrend الجديد بين الشباب الآن هو اخذ القهوة "سفري" وتناولها في السيارة على الطريق الى العمل او الجامعة. لكن المقاهي الأكثر انتشاراً هي تلك التي تقدم النرجيلة او "الشيشة"، ومنها ما يفتح اربعاً وعشرين ساعة في اليوم، وهي منتشرة في مختلف مناطق مدينة جدة، بينما حددت لها سلطات العاصمة الرياض اماكن معينة خارجها وبعيداً من المناطق السكنية. لكن هناك اسباباً تدفع الشباب الى ارتياد هذه المقاهي في هذا الشكل المكثف الذي قد يمنعك من دخولها في عطلة نهاية الأسبوع جراء الازدحام الشديد. "أنا ارتاح هنا اكثر من المنزل"، يقول عبدالله احمد 18 عاماً، الذي يزور احد المقاهي الشهيرة المطلة على "الكورنيش". فعبدالله يلتقي اصدقاءه دائماً هناك للعب "البلوت" وهي لعبة الورق المفضلة في السعودية، أو للتحدث في مجريات الحياة، وغالباً ما تستمر السهرة الى ساعات الفجر الأولى. ويقول الشاب: "نستطيع اخذ راحتنا هنا فليس هناك احد من اهلي معنا كما في المنزل لأضطر الى عزل اصدقائي كي لا يرونهم، كما اننا هنا في الهواء الطلق لا نزعج احداً بصوتنا". ولم تعد المقاهي المكشوفة تقتصر على تلك المطلة على الساحة وإنما امتدت اخيراً الى ارصفة شوارع المدينة على طريقة "الكافيه تروتوار" بعد ان لجأ اصحاب هذه المقاهي الى المراوح الضخمة التي ترش بخار الماء لتبريد الجو وجعله مقبولاً للزبائن. هناك امر آخر يميز المقاهي في جدة، فمعظمها يقتني شاشة تلفزيونية عملاقة تنقل عادة المباريات الرياضية والحفلات الموسيقية او تولف لنقل الأفلام وبرامج الفضائيات اللبنانية التي تلاقي شعبية كبيرة. ولا عجب في ذلك، فالتلفزيون يعتبر وسيلة التسلية "رقم واحد" هنا. وإذا لم يتسن للشاب متابعة مباراة معينة او برنامجه المفضل، غالباً ما يطلب من النادل ان يغير المحطة إن لم يعترض على ذلك بقية النزلاء. ويقول نبيل هلال 17 عاماً الذي يجلس على طاولة وحيداً لمشاهدة التلفزيون وتدخين النرجيلة: "انا لا أرى خطأ في ما أفعله، فأنا في إجازة ولا دروس لدي، وقد ذهبت الى النادي لأتدرب وأخذت والدتي للتبضع وتمشيت في السوق وليس لدي اي شيء آخر لأفعله". ويضيف انه يفضل مشاهدة التلفزيون في المقهى "بين الناس" على ان يفعل ذلك في المنزل وحيداً. وفي المقهى عينه، حيث يجلس نبيل وحيداً، تلعب مجموعة من الشبان الورق، فيما آخرون يلعبون "البلياردو" لساعات في الصالة المجاورة. لكن الحديث كان متشابهاً بين مختلف ال"شلل"، فال"كورة" والسيارات الجديدة هما المحوران الأساسيان للنقاشات وكذلك تبادل قصص و"مغامرات" السفر، إذ بدأ كثر من الشباب يعود من اجازته الصيفية استعداداً للدراسة او العمل. الى ذلك، تجد مجموعات مهتمة بمناقشة وتحليل تطورات الوضع في العراق والحرب على الإرهاب، إلا ان "مادونا" تقتحم الجلسة من خلال ال"فيديو كليب" الجديد Hollywood الذي ظهر فجأة على الشاشة العملاقة ليستحوذ على اهتمام الحضور الذي توقف عن لعب الورق وصمت الجميع للحظات قبل ان تعود الحياة الى طبيعتها. ويتميز عدد من المقاهي بتوفير اجهزة كومبيوتر لزوارها ليتسنى لهم تصفح الإنترنت خلال زيارتهم، ونظراً الى كون معظم الرواد من الشباب فإن هذه الخدمة تعتبر طريقة مميزة للجمع بين مقهى "النرجيلة" والمقهى الإلكتروني، بحيث يتمكن الشاب من ممارسة النشاطين في آن واحد، فلا مانع من تدخين نرجيلة خلال ال"دردشة الإلكترونية" مع صديق عزيز في الخارج، ولا بأس بكوب من القهوة لدى "تشييك" البريد الإلكتروني. ومع التحسين المستمر في الخدمات التي تقدمها المقاهي، فإن المشكلة باتت تكمن في الاعتماد عليها في شكل مستمر بحيث يهمل الشاب حياته العائلية سواء كان متزوجاً ام لا. وتقول زوجة احد المترددين بكثرة على المقاهي، انها تكره اللحظة التي يعلمها فيها زوجها بأنه ذاهب الى المقهى، لأن "الجلسة قد تطول الى ما قبل الفجر، يعود بعدها لينام مباشرة"، كما ان "زياراته الكثيرة للمقهى تكلفه جزءاً كبيراً من دخله"، تضيف آسفة. اما الشاب، فقد يرى في زيارته للمقهى تنفيساً عن هموم يوم طويل وفرصة للاستمتاع بأجواء المزاح. وفيما يتسم عدد من هذه المحلات بالطابع الشعبي التقليدي بحيث تكون الجلسة على الأرض وتقدم المأكولات المحلية، فإن غيرها يشترط على زبائنه رسم دخول او minimum order قد يصل الى 200 ريال ومنها ما يفرض ملابس رسمية خصوصاً في "الويك اند".